انتقلت إلى رحمة الله والدة الأستاذة رباب المضواحي، المسجونة ظلمًا منذ السادس من يونيو ٢٠٢٤، بتهمة التجسس. التهمة ملفقة، ولو كانت صحيحة لما أطلق سراح فايدة السريحي التي أطلق سراحها استجابة لضغوط من قبائل عمران، ومحمد ناصر العاقل اللذين سجنا بنفس التهمة، ولكان استعجال المحاكمة من البديهيات، لأن التهمة ترقى إلى الخيانة. قيل إن عدم المحاكمة بُرّر بالحاجة إلى جمع الأدلة، ولكن إطلاق شخصين بذات التهمة ينسفها. ومهنيًا يفترض أن جمع الأدلة يسبق قرار الاعتقال، ولا يسوغ تحت أي زعم بقاء السجين بدون محاكمة لفترة طويلة في قضية تمس أمن الوطن.
إن رباب تخضع لسجن تعسفي وتهمة مسيسة، وقد اتضحت هشاشة التهمة التي طالت رباب بعد إطلاق فادية السريحي ومحمد ناصر العاقل. يعمل الضحايا في منظمات دولية تمارس أعمالها في العلن، وليس في الخفاء، ووفق تصاريح رسمية تشرعن عملها، ويعرف الناس عناوينها، ولا يخجل من يعمل فيها من القول إنه يعمل فيها، ويؤدي خدمة للوطن وللناس، وليس العكس. وهذه المنظمات وعملها خضعا لفحص أمني دقيق قبل السماح لها بالعمل.
إن عدم تقديم المتهمين والمتهمات إلى المحاكمة، يدين من اعتقلهم، المتهرب من تطبيق القانون خشية اتضاح حقيقة مغايرة لغير صالحه.
لقد عانت أسرة المرحوم د. عبدالقدوس المضواحي، أشد المعاناة جراء سجن رباب الذي تسبب في جلطتين لوالدتها، وكانت الثالثة هي التي قضت على حياتها، في ١٧ فبراير الجاري.
إن من يأمر بسجن هذا وهذه، لا يشعر بالمرارة والعجز والغضب الذي يصيب أسر الضحايا في بلد يعاني من غياب العدالة، ومن تسييسها عبر التاريخ.
إن العدالة تعني سيادة القانون، والعقوبة بدليل قطعي. إن السجن لتسعة أشهر بدون محاكمة، يعد عقوبة بدون حكم قضائي، ويعني أيضًا أن من أمر به لا يعبأ بالقوانين والدستور، ولا يملك ضميرًا وإنسانية يتوخيان العدالة، وليس التسويف الذي تسبب في الوفاة.
ولو كانت المرحومة تشك مجرد الشك أن ابنتها قد تجردت من وطنيتها، لتبرأت منها. رباب نشأت في بيئة سياسية نظيفة، وفي بيت رجل أطلق عليه البعض ضمير الوطن، هو الدكتور عبدالقدوس المضواحي، الذي لم يساوم على مبادئه الوطنية والقومية في أحلك الظروف.
وقطعًا فإن تهمة التجسس لا أساس لها من الصحة، وهي ذريعة للمساومة لتحقيق أهداف سياسية.
ألم يحن الوقت لاتخاذ القرار السليم بإطلاق رباب، لكي تلقي نظرة أخيرة على والدتها، وتشارك في التعبير عن حزنها عليها؟
إن تسعة أشهر من العذاب والمعاناة أكثر مما يتحمله القلب والعقل، لذلك أرجو كما يرجو كثيرون إطلاق سراح رباب على الفور، مع كل السجينات والسجناء، وطي صفحة سوداء ما كان يجب فتحها.