قبل أسبوع تقريبًا قلت إن إسرائيل سوف تتوغل عسكريًا في سوريا وصولًا إلى دمشق، وذلك في محاولة لقطع ما تعتقد أنه شريان الإمداد العسكري لحزب الله القادم من سوريا، وأيضًا لتحقيق هدف السيطرة على منطقة الشام المجاورة لها بالكامل، ومنع أي تحرك قد يأتي منها نحو الداخل الإسرائيلي، فضلًا عن محاولة خنق وإخماد محور المقاومة.
الأخبار تتحدث بالأمس واليوم أن الجيش الإسرائيلي بدأ التوغل فعلًا في قرى ومدن سورية في الطريق صوب دمشق، واللافت أن إسرائيل تبحث أيضًا عن نصر مكتمل من هذه المعركة، لم تجده في غزة وفلسطين، ولم تجده حتى الآن في جنوب لبنان، وتعتقد أنه بوصولها إلى دمشق واحتلال سوريا سوف تحقق ذلك النصر المتوهم.
عمومًا المعركة الآن يبدو أنها سوف تتخذ شكلًا مختلفًا ومغايرًا، إسرائيل في مأزق فعلًا، وفوق ذلك تتورط أكثر فأكثر، وإذا افترضنا جدلًا أن بشار الأسد أصبح الآن في جيب أمريكا وإسرائيل كما يشاع، فإن ذلك لا يعني أنه من السهل على إسرائيل ابتلاع سوريا دون حساب المصلحة والنفوذ الروسي والإيراني هناك.
طيب، تعالوا نقرأ الموضوع من زاوية أخرى، المعروف أن إسرائيل هي كلب حراسة للمصالح الأمريكية والغربية في المنطقة، فوق ما لها طبعًا من أطماع صهيونية دينية معروفة، والثابت أن روسيا والصين القوتين الكبيرتين الصاعدتين في العالم الآن، تدركان ماذا تمثل إسرائيل لأمريكا في المنطقة، وماذا يعني زوال إسرائيل أو هزيمتها في هذه المعركة بالنسبة لأمريكا، وبالتالي وفي تصوري وفي إطار صراع النفوذ في المنطقة والعالم بين القوى الكبرى، فإنه من مصلحة روسيا والصين هزيمة إسرائيل في هذه الحرب وكسر قوتها وغرورها وإضعافها على الأقل، لأن ذلك يعني في ما يعنيه هزيمة أمريكا أيضًا وحلفائها الأغبياء في المنطقة، وبالتالي تراجع نفوذ أمريكا والغرب لصالح نفوذ روسيا والصين وحلفائهما، وفي المقدمة إيران.
منذ البداية قلنا إن تورط إسرائيل في حرب غزة هو استنزاف لإسرائيل ومن خلفها أمريكا، وأن روسيا داخلة في حرب الاستنزاف هذه، وطالما قد توسعت الحرب إلى لبنان، فإن عملية الاستنزاف في توسع، ثم يصبح انتقال الحرب إلى سوريا بمثابة توسع أكبر لحالة الاستنزاف، وقد رأينا كمية الدعم العسكري والمالي الأمريكي خلال الأيام القليلة الماضية، للكيان، وهذا الأمر يعد مصلحة كبرى لروسيا وحلفائها، واستدراجًا خطيرًا لإسرائيل إلى معركة شاملة لن تخرج منها منتصرة بأية حال من الأحوال، وهذه فرصة لا تعوض لروسيا والصين لإلحاق هزيمة نكراء بأمريكا في المنطقة، وكلنا يدرك أن هزيمة أمريكا في المنطقة يعني أفول نجمها وسقوطها من عرش النظام العالمي، وهذا في الحقيقة يمهد الطريق أمام أحلام وطموحات الزعيم بوتن بإنشاء نظام عالمي جديد.
لا قلق من همجية إسرائيل وكمية القتل والدمار الذي قد تحدثه في دول الشام أو غيرها، لأن كل التنبؤات القديمة والمؤشرات الجديدة تقول: إن حال إسرائيل وأمريكا في المنطقة أصبح الآن كما يقول جاري صائد الثعالب، سيف عبده مانع، مناديًا بصوت مرتفع: "يا صحفي، الثعلب الماكر وقع في المحناب"، والمحناب هنا هو القفص الذي يوضع لصيد الثعالب في معظم أرياف اليمن.
ومن قراءة المشهد يبدو أن محناب بوتن لأمريكا في المنطقة أخطر وأفظع من المحناب الذي وضعته أمريكا لروسيا في أوكرانيا، والأيام القادمة سوف تؤكد ذلك.
عمومًا لدينا قصة بوتن وأنا مع الله، هي أشبه برؤيا صادقة، وإلهام قديم... لكن ما أستطيع قوله الآن، هو أن بوتن قد يكون آمن بقوله تعالى: "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار"، لذلك هو مسدد من الله على الدوام، والنصر أصبح على مرمى حجر.
وفي الأخير لا عزاء للثعالب الماكرة، والحملان الغبية، الذين تكبروا على الله، ولم يفطنوا إلى أن من صفاته وطبيعته الاستدراج ثم الانتقام.