تحل علينا الذكرى الـ62 لثورة 26 سبتمبر 1962، التي مثلت نقطة تحول محورية في تاريخ اليمن الحديث، والتي التفت حولها الجماهير في اليمن شمالًا وجنوبًا، أملًا صادقًا منها، وثقة كبيرة بأنها ستحقق أهدافها بقيام النظام الجمهوري وإنهاء النظام الملكي.
لقد كان لمصر العروبة بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر، دور كبير في دعم ثورة سبتمبر، بتقديمها كل أنواع الدعم والتضحيات، بما فيها فقدانها خيرة رجالها، وأولهم الشهيد نبيل الوقاد، في سبيل الدفاع عن الجمهورية. لقد أسهمت مصر بسخاء ليس له نظير، في خلق جهاز إداري حديث للجمهورية الوليدة، والتبني الكامل لمنظومة التعليم، وكأن اليمن جزء عزيز من مصر.
وبقيام ثورة سبتمبر توفر الظرف الموضوعي لبدء الكفاح المسلح في الجنوب، بقيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني، في ١٤ أكتوبر ١٩٦٣.
لقد وفرت ثورة 26 سبتمبر عمقًا استراتيجيًا لقيام ثورة 14 أكتوبر ضد الاحتلال البريطاني للجنوب اليمني، ووفرت ثورة يوليو أهم وسائل نجاحها.
وككل ثورة، لم تكن ثورة سبتمبر في وضع شمال اليمن المعقد، ودور الجوار في محاولاته للقضاء على الثورة، خالية من الصراعات والنكسات. لقد شهد اليمن الجمهوري سلسلة من الانقلابات ابتداءً من حركة 5 نوفمبر 1967 ضد نظام المشير عبدالله السلال، مرورًا بحركة 13 يونيو 1974 بقيادة الشهيد إبراهيم الحمدي، وانتهاء نظام الغشمي الانقلابي قصير العمر.
وفي ما يتصل بالعلاقات بين شطري اليمن بعد استقلال الجنوب عام ١٩٦٧، فمن المؤلم حدوث حربين عام 1972 و1979، وحروب المنطقة الوسطى بين عامي 1972 و1982 التي كانت رد فعل مشروعًا لمظالم وانتهاكات وسياسات لا تمت لثورة سبتمبر بصلة. وهذه الذكرى العظيمة ليست مناسبة للحديث عنها. وبالمجمل كلها أسهمت في إعاقة مسيرة التطور، واستزفت أموالًا وجهودًا، وخسرت اليمن بشطريها قوى بشرية حية ومؤهلة.
لقد استمرت التحديات التي واجهت اليمن بعد قيام الوحدة عام 1990، إلى اليوم، إذ تدفع اليمن ثمن موقعها الاستراتيجي وثرواتها الهائلة الممنوعة من الاستثمار لمصلحة الشعب اليمني والعربي، ومواقفها من القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
ولا مناص هنا من العروج على عاصفة 2015 التي دمرت البشر والحجر، وسببت شرخًا عميقًا في جسد الوحدة الوطنية، وأصبحنا نرى اليوم في اليمن أكثر من رئيس، وأكثر من حكومة، وأكثر من جيش، وتدخلات لا حصر لها في شؤونها الداخلية، بل المشاركة في صنع القرار اليمني.
إن اليمن اليوم بحاجة إلى وقف الحرب، واستعادة الدولة الوطنية المستقلة برئيس واحد وحكومة واحدة وجيش واحد وسياسة مالية واحدة، من خلال حوار وطني شامل لا يستثني أحدًا، وبرعاية دولية فاعلة ونزيهة.
تصادف ذكرى ثورة 26 سبتمبر، مرور قرابة العام على طوفان الأقصى وحرب الإبادة الجماعية التي شنتها وتشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في غزة وبقية المدن الفلسطينية، والتي أدت إلى استشهاد أكثر من واحد وأربعين ألفًا، نصفهم من الأطفال والنساء، وإصابة أكثر من خمسة وتسعين ألفًا، ودمار أكثر من ٧٠ ألف منزل، وتهجير مئات الآلاف لمرات متكررة من منازلهم بهدف التهجير القسري، وتصفية قضية فلسطين.
كل هذا يجري في ظل تخاذل وصمت عربيين وإسلاميين، وتواطؤ دولي. والأمَرّ غياب دور وأصوات الجماهير العربية والإسلامية، ولكن الله عوض فلسطين بشعوب العالم المحبة للسلام والحرية، التي خرجت لترفع صوتها عاليًا للمطالبة بوقف الإبادة والحرب، وقيام الدولة الفلسطينية كطريق وحيد لتحقيق السلام في المنطقة.
أكدنا مرارًا أن القضية الفلسطينية هي محور الصراع في الشرق الأوسط، وأن فلسطين خط الدفاع الأول عن الأمة العربية ومقدساتها، وأن دعم المقاومة واجب عربي شامل بعد أن سطّر هذا الشعب العظيم أروع البطولات والصمود في تاريخ الشعوب والحروب في مقاومته المشروعة للاحتلال الاستيطاني منذ أكثر من ٧٥ عامًا، والذي يعد جزءًا من المخططات التوسعية للمشروع الصهيوني، الاستعماري في المنطقة العربية.
ونؤكد في هذه المناسبة وقوفنا ووقوف شعبنا اليمني إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله حتى قيام دولته الحرة الخالية من أي قيد، وعاصمتها القدس العربية.
كما نؤكد وقوفنا إلى جانب الشعب اللبناني ضد العدوان الصهيوني على لبنان، الذي يدفع ثمن الموقع والموقف من القضايا العربية، وفي المقدمة القضية الفلسطينية.
هنيئًا لشعبنا اليمني بذكرى ثورة سبتمبر، والمجد والخلود لشهداء الثورة، وعاشت اليمن موحدة وحرة ومستقلة.