صنعاء 19C امطار خفيفة

في وداع الرائد ناجي

في وداع الرائد ناجي
ناجي نعمان - ريشة رقمية النداء

تعرفت عن كثب بالفنان ناجي مصلح مصلح نعمان، الذي فارقنا يوم السبت السادس من سبتمبر 2024، رحمه الله، بعد أن التقيته واستضفته في منتصف التسعينيات، عند قدومه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مع أحد أبنائه، واسمه نائل، وصورته مع والده.

وأنا اليوم في هذا المقال أود أن أسلط  الأضواء على بعض الذكريات، بخاصة وقد غادرنا هذا الرمز الفني التنويري الكبير، والذي ذاعت شهرته بين الأوساط اليمنية والعربية والأمريكية، من المهتمين بالتصوير الفوتوغرافي والإخراج السينمائي العربي والأمريكي، كما أحب بهذا المقال أيضًا أن أشير إلى أن خروج الفنان ناجي مصلح نعمان من اليمن كان في مرحلة عصيبة أعادت اليمن للخلف، وشردت كوادرها، وكانت مقدمة الشرخ للوحدة اليمنية، وهي الحرب الكارثية التي أشعلت بضيق أفقها تلك الحرب الظالمة في ١٩٩٤م، والتي تركت أثرها على مختلف الأصعدة الإنسانية، وأقصد هنا الإنسان قبل الأرض، والتي كانت بداية العد التنازلي لانحدار الوضع في اليمن، حينذاك.

مع ابنه نائل في مدينة هيوستن الامريكية، ويعمل نائل حاليا قنصل اليمن في لبنان.jpg

خرج الفنان وكثير من الكوادر والمبدعين من المخزون البشري المؤهل بنوعيته، للبحث عن الأمان وعن الاستقرار والعيش الكريم، بعد أن اتضح لهم أن اليمن دخلت في نفق استثنائي إقصائي مظلم ومؤلم لبداية مرحلة تتصف بعدم الاستقرار، فكان اللجوء إلى الهجرة هو الملاذ الأول والأخير، وقد حل مثله وغيره من المبدعين ضيوفًا على المركز الثقافي اليمني في ديربورن ولاية مشجن، لفترات متقطعة، لتدبير أحوالهم، فقد شد ناجي الرحال إلى ولاية كاليفورنيا في مدن الفنون والرسم سان فرانسيسكو ولوس انجلوس التي نجح فيها نجاحًا كبيرًا، وتجول في العديد من المدن الأمريكية كنيويورك وولاية مشجن وغيرها أيضًا، وكانت استضافته في ديربورن مشجن بداية لمقدمات طيبة للجالية اليمنية بمشجن آتت أُكلها. 

حيث كان له تأثير كبير ثقافيًا على الشبان والشابات من أبناء الجالية اليمنية، وهناك غيره ممن تم استضافتهم، وأسهموا بالتعريف بالثقافة اليمنية والفن، ومنهم أيضًا ألفنان الشهير فيصل علوي والدكتور الكوشاب الذي قدم الفلكلور الشعبي اليمني لأمريكا، وغيرهم من نوادر الفنون اليمنية.

 إلا أن الأستاذ ناجي قد تفرد، حيث كانت بصماته الفنية حاضرة وملموسة، فأقام العديد من الفعاليات والمعارض على مستوى العديد من الولايات في أمريكا، وفي الدول العربية، ومنها عمان والإمارات واليمن. كما كان شرفًا عظيمًا للمركز وللمكتبات اللامركزية، ومنها المعرض الأكبر في مكتبة هنري فورد العامة في مدينة ديربورن ولاية مشجن الأمريكية، وقد تم الاحتفاء به في العديد من المناسبات، وأجريت معه عدة مقابلات في الصحف الأمريكية والعربية، وقنوات التلفزيون الأمريكية، وقد نالت إعجاب الجالية اليمنية والعربية والمجتمع الأمريكي بشكل عام.

وقد ركزت أعماله الفنية على إبراز الثقافة والتراث الحضاري اليمني قديمه وحديثه. وطال ذلك جوانب الأزياء اليمنية الشعبية والمعالم التاريخية والطبيعية والأحداث، وكان يترك أعظم الأثر في نفوس زوار المعارض وأبناء الجالية بشكل عام، ومن تعرف عليه وعاشره عن قرب بوجه خاص لا يمكن أن ينساه.

لقد كان الأستاذ  نعمان، إنسانًا دمث الأخلاق متعاونًا محبًا للآخرين، مشجعًا لأبناء الجالية على الدراسة بنين وبنات، وتعرفه الجالية اليمنية في كاليفورنيا بقدراته على توحيد الجالية وتنظيمها.

علاوة على ذلك، كان طيب القلب عفيف اللسان سهل العشرة كريمًا مسالمًا، يسعى لخدمة الناس مهما كانت مناطقهم أو اتجاههم السياسي أو الحزبي، لأن دوره كان يشتهر يومًا بعد يوم لقدرته الفذة على نشر الثقافة اليمنية والعربية والمعرفة الفنية، دون انتظار أي مردود، وبدن مقابل. والحقيقة أنه قد تبرع للمركز اليمني ببعض أعماله الفنية، وأيضًا بمبلغ رمزي، لهذا فإن الجالية اليمنية في مدينة ديربورن مشجن  محزونة لفراقه، حيث لم نتمكن من رؤيته بعد أن انتقل إلى ولاية كاليفورنيا، حيث عاش مع بقية أفراد أسرته. ولنا رجاء على أولاده، وهو جمع تراثه الفني الفوتوغرافي والسينمائي، ونشره في كتاب أو كتب، لأن ذلك يعد أرضًا وطنية لإنسان جاوزت إسهاماته حدود اليمن، وتوفي مهاجرًا بعد أن أعطى كثيرًا.

الرحمة تغشاه على ما قدمه للمجتمع اليمني من خدمات وتوعية وإسهامات تعليمية للشباب والمجتمع في المهجر اليمني الأمريكي.


* مدير المركز اليمني الأمريكي، ديربورن بولاية مشجن

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً