خليق بكل دعوةٍ عَفَّت أن تُجاب، وإن كان الداعي هو الهوى كما يشرح ابن الريب راثيًا نفسه برائعته الفريدة وغنائه البالغ الشجا فيها:
دَعاني الهَوى من أهل وُدّي وصُحبتي
بِذِي الطَّبَسَين، فالتفتُّ وَرَائِيا أَجَبْتُ الهَوَى لَمّا دَعَاني بِزَفْرَةٍ
تَقَنّعْتُ مِنْهَا، أن أُلامَ، ردائيا
ويا لها من إجابة دعوة وتلبية نداومع أن بعضها كثيرًا ما يكون تركه مقبولًا عامةً، فإن بينها ما يصعب تجاهله واحتمال النفس اللوامة عليه. منها -مثلًا- ما يقرره المحضار بباعث من الحنين والولاء:
دعوة الأوطانْ
حين يدعيك ضَبْضَبْ
أو جبل شمسانْ
استجب في الآنْ
يا فؤادي المعذبْ
سيبك النسيانْ
حب في القلب راسخْ
للجبال الشوامخْ
لي تربّيت فيها، وانقضى لك بها شانْ
حانِ الوفا حانْ
والطيف بينهما متعدد. لكن النوع الأخير من دعوات الشجن هذه يندرج ضمنه النداء الذي يأتيك من أحدٍ كالضمير أسمى في عينَي ذاتك من أن يسهل تركه، مهما كان واقع الحال ضاغطًا، عليك.
ولئن كنت ممن يضيق بالالتزام المقيد بموعد دوري، أسبوعيًا كان أو شهريًا حتى، فإن كونها دعوة نداءٍ تقترب في وعيي بها من دعوة الأوطان تلك يجعلها مما يصعب تجنبه، ويدخلها جبرًا في ظل "أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه" للإمام علي. فهو نداء سامٍ، وهي دعوة النداء -المعنى قبل الموقع، والصحيفة الأحب بما مثلته ولاتزال في مدلول القيمة وإيحائها من نور وطهر واقتدار فاعل خلاق، ومن مواقف ومعرفة حقيقية وحميمة جدًا في أثرها وغنائها الشجي المرتبط -في الذاكرة والشعور- بأعزاء كثر، غادرنا بعضهم (حفظه الله) مفارقًا أحَبَّ المدن والأرض إليه كرهًا، لأسباب لاتزال فعالةً في حياتنا تشتيتًا وفرقة؛ كما غادر بعضهم دنيانا كلها مصحوبًا منا دائمًا بعميق الأسى وأطيب الذكر والدعوات له بالرحمة والسلام عليه.
وهي كذلك "النداء" المتصلة -ولو على مستوى الإيحاء واللاوعي بها- عندي بغناء اليمن المتعدد الواحد، المتفرد أصالةً ورقيًا، شجنًا وهُويَّةً، تطريبًا وثقافةً ووجدانًا.
إلى جانب التضامن أخيرًا مع صحافتنا وصحافيينا جميعًا -ابتداءً بأمين عام نقابتهم الأستاذ محمد شبيطة- والدعوة إلى كف أذى السلطات عنهم على امتداد يمننا الوجيع، لعل من الملائم في ختام هذا السياق، ومع إطلاق موقع النداء في يومنا
المميز هذا، الاحتفاء بالأمر "غناءً" طازجًا أوحت به رائعة المحضار الشهيرة غيَّار، بمنظومة تتشبه بها لحنًا وميزانًا فقط:
ديوان غناء اليمن
مَحلاهْ
ديوان السعادةْ
ما حضرته أنا، إلا وقلت: اللهْ!
يا حُسْن الوفادةْ
والغنا اللي دخل قلبي الخليْ واملاهْ.
خَلاهْ
يستجمع بلادهْ
من جبال الوطن، والبيدِ، يا سَهلاهْ
من ساحل ودادهْ
مغربه، والمشارق، واسفله، واعلاهْ.
يا اللهْ
مقصودي الرِّفادة
من صفا صوته الرَّيَّان.. شي للهْ
حِسِّ انّه عبادةْ
والمدد من تلاحين اليمن؛ مولاهْ.
لولاهْ
مَا بْغَيت الزيادةْ
من عَسَل مختلف لَالْوان.. ما يسلاهْ
لي حصَّل مرادهْ
في طُعُومه، وبالوانه، ويا.. محلاهْ.
حولاهْ
يَا اسْرار الفَرادةْ
منيتي من لحونه نبع، واتمَلَّاهْ
وانشد بِارتيادهْ
لك ظمِيِّ ارتَوَى يا حول يا حولاه.
وَيلاهْ
محبوبي بعادهْ
طال واللهْ عَلَيْ، والنفـس تتولَّاهْ
تتحمَّـل عنادهْ
والجفا اللي قد ابلاني أنا، وابلاهْ.
مَغْلاهْ
مهما اسلم قيادهْ
للوساوس وظنّ اني قدرت اسلاهْ
وَاسْرف باعتقادهْ..
ما درَى انّهْ بعُمري: كُلّ ما حَلَّاهْ.