مونديال 2006 لكرة القدم.. العالم في ضيافة أصدقاء
ألمانيا تحت الأضواء، 23 يوماً تفصلنا عن تنافس أفضل 32 فريق كرة قدم في العالم، على الفوز بالبطولة العالمية بين التاسع من حزيران/ يونيو والتاسع من تموز/ يوليو.
ألمانيا كبلد مضيف، تلتهب حماساً مع اقتراب البطولة العالمية، وتستعد لاستقبال الضيوف من كافة أنحاء العالم؛ لأنها تريد أن تقدم نفسها على أنها بلد إبداع جذاب، منفتح على العالم، يستحق التقدير، وخير إشارة لهذا تتجلى في شعار البطولة العالمية «العالم ضيف على أصدقاء» والذي يبرز عند 55 نقطة حدودية برية وعلى الطرق السريعة و69 نقطة على شبكة الأوتوبان في البلاد.
كتب- طلال سفيان:
النقطة الأبعد نحو الشمال اسمها «إلنبوغن» والأبعد نحو الجنوب هي« هالدنفانغرإيك». بينهما وعلى مساحة 357021كم2 تنتشر مناطق سهلية منبسطة ما تلبث أن تتحول في أقصى الجنوب إلى قمم شاهقة ترتفع 2963 متراً فوق سطح البحر. عن ماذا نتحدث؟ عن ألمانيا. عن شبه جزيرة صغيرة تبرز من جزيرة «زولت» في بحر الشمال وعن منطقة منبسطة على جبال الألب تبعد 886كم إلى الجنوب. وهناك الكثير من المعلومات عن المانيا، لا يعرفها الكثيرون الآن وقبل ثلاثة أسابيع من بطولة كأس العالم لكرة القدم، ربما تكون اللحظة المناسبة لمعرفة شيء عن هذا البلد الواقع وسط اوروبا، والذي يستضيف الحدث الرياضي الأكبر للعام 2006. المانيا جمهورية اتحادية، تتكون من 16 ولاية فيدرالية، عدد السكان 82.6 مليون نسمة.
بلد الأفكار
أهلاً بكم في «بلد الأفكار» اتخذت ألمانيا هذه المقولة شعاراً لها، وتحاول كل يوم في عام البطولة العالمية تحقيق شيء منه. ولا شك في وجود العديد من المقولات حول هذه البلاد الممتدة بين بحر الشمال وجبال الألب، إلا أن من المعروف بالتأكيد أن الناس هنا لا يرتدون يومياً بناطيلهم الجلدية التقليدية، ولكن: ما هو المشروب التقليدي الألماني؟ مثلاً البيرة! نعم. وما هو المشروب المفضل لدى الألمان؟ المياه المعدنية! نعم هذا صحيح، فضلاً عن ذلك يبرز الآن نبيذ «ريسلينغ» الألماني الذي يزداد شهرة يوماً بعد يوم. ذلك النبيذ الخفيف اللاذع القادم من أكثر الكروم بعداً نحو الشمال على الإطلاق والذي تحول إلى صرعة تصدير المانية. وبما أننا بصدد موضوع اقتصادي يحق للألمان ان يفاخروا به فعلاً، فلنذكر أن المانيا تمتلك اكبر اقتصاد قومي بين دول الاتحاد الأوروبي وثالث اكبر اقتصاد في العالم، واكبر مصدر في العالم يتفوق في انتاج السيارات وبناء الآلات والتقنيات الإلكترونية والصناعات الكيميائية علاوة على الصناعات المستقبلية الواعدة مثل الصناعات الدقيقة «نانو» وتقنيات البيئة والتقنيات الطبية. وليست الاسماءالكبيرة في ثالث دولة اقتصادية في العالم، مثل سيمنز وفولكسفاغن ودايملر كرايسلر وساب، هي الوحيدة التي تحمل شعار الجودة «صنع في ألمانيا» إلى مختلف انحاء العالم. فالقلب النابض للاقتصاد الالماني هو الشركات المتوسطة الحجم، على الرغم من أن اسماءها تقل شهرة عن الاسماء والماركات الكبيرة. إلا أن 450 شركة يديرها اصحابها في أغلب الاحيان هي عبارة عن «نجوم متخفية» تحتل المركز الأول في مجال نشاطها على الصعيد العالمي. كما تعد المانيا موطناً محبباً للأعمال من خلال22000 شركة أجنبية، منها أكبر 500 شركة في العالم تتخذ من ألمانيا مكاناً لاستثماراتها. ومن ناحية تسجيل براءات الاختراع تحتل المانيا المرتبة الاولى في أوروبا والمرتبة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة وقبل اليابان. كل هذا بفضل تمتع الألمان بروح الاختراع والحس الإبداعي، باختصار: أفكار جيدة.
حَمَلة نوبل
من بين 76 حامل جائزة نوبل ألماني حتى الآن كانت حصة العلوم التطبيقية والطب 65 جائزة. كما تعتبر ألمانيا واحدة من اكثر ثلاث دول شعبية في مجال الدراسة بعد الولايات المتحدة وبريطانيا والسبب في ذلك بالتأكيد السعي الحثيث القائم على (372) جامعة ومؤسسة للتعليم العالي موزعة على كافة انحاء البلاد نحو مزيد من العالمية، ولا يتوجب على المرء إتقان الألمانية من اجل الدراسة في ألمانيا، رغم أنه من الأفضل تعلمها.
فالألمانية هي اللغة الأكثر تداولاً في دول الاتحاد الأوروبي، وهو أمر ليس بالغريب، خاصة وأن المانيا هي البلد الأكبر من حيث عدد السكان بين دول الاتحاد. كما أن الألمان ومن خلال مجاورتهم لتسع دول مختلفة، على علاقة مع أكبر عدد من اللغات، حيث أن 80٪_ من جيل الشباب تحت 30عاماً يمكنهم التواصل والتفاهم بلغة اجنبية على الأقل، وبهذا تنتمي ألمانيا للدول الرائدة في هذا المجال. وبالنتيجة فإنه من السهل على الضيوف الأجانب التواصل مع الألمان.
أسلوب حياة
(200) مطعم ألماني حصلت في عام2005 على نجمة من نجوم تصنيف مطاعم «ميشيلين» الشهيرة على الأقل. وتحتل ألمانيا بعد فرنسا المرتبة الثانية بعدد الطباخين الحاصلين على ثلاثة نجوم، أما في دنيا الموضة والتصميم فتبدو بصمات الاسماء الألمانية واضحة على الصعيد العالمي، ومن هذه الاسماء، كارل لاغرفيلد وبوما، وإلى جانب كل ذلك تقوم يومياً شابة معاصرة بإبداعات طليعية.وقد تكون فكرة حذقة في أن يجرب المرء بنفسه التواصل مع الناس في «بلد الأفكار» في عام البطولة العالمية؟ فألمانيا اليوم مزدهرة كبلد سياحي: عدد السياح الأجانب في تزايد مستمر. وحسب المركز الألماني للسياحة فقد حقق عدد ليالي السياح الأجانب في المانيا العام 2005 رقماً قياسياً وصل الى 48 مليون ليلة. كما ان قبلة السياح الاولى هي برلين عاصمة السياسة ومركز الإبداع. ولكن يوجد ايضاً الكثير الجدير بالرؤية في كافة أنحاء البلاد، والذي يساهم التنوع الثقافي للولايات الاتحادية الست عشرة في إغنائه. مشاهد خالدة في المدن، قلاع وقصور، متاحف كبيرة وثقافة من كل الانواع، طبيعة خلابة تتراوح بين شواطئ الاستجمام إلى تسلق الجبال وترضي جميع الرغبات، أعياد ومهرجانات شعبية ممتعة. الأسباب التي تدعو إلى قضاء إجازة في ألمانيا لا حصر لها.
موطن الشعراء
البناء الفيدرالي الألماني هو السبب في التنوع الكبير في الحياة والمنشآت الثقافية في البلاد. (6000) متحف (منها 600 متحف للفنون) 400 مسرح 100 مسرح موسيقي ودار أوبرا، تؤمن كلها التنوع في الحياة الثقافية. وطن «الشعراء والمفكرين» يعتبر من خلال 80000 إصدار جديد سنوياً من اكثر الأمم اهتماماً بالكتاب، 310 إرث حضاري طبيعي وثقافي ألماني تتمتع بحماية منظمة اليونسكو. ويثير فن الرسم الألماني الحديث بقيادة نيوراوخ الاهتمام العالمي حالياً. وبما أن كرة القدم لم تعد محدودة على ما يقوم به 22 لاعباً علىأرض الملعب العشبية، ولكن تتجاوز ذلك لتشمل عوامل اجتماعية وغيرها. وبهذا الشكل تحظى كرة القدم باهتمام الناس، ليس فقط كحدث رياضي وإنما ايضاً كظاهرة ثقافية جماهيرية لها تأثير فعال يتجاوز الحدود من الناحية الاجتماعية والجغرافية والسياسية. وتبعاً لذلك فإن موضوعات المشاريع التي ستربط ألمانيا بالضيوف وعشاق الرياضة من البلدان المشاركة في البطولة كثيرة ومتنوعة: تشمل الأدب والرقص والمسرح والاستعراضات الضخمة والموسيقى والمهرجانات والأفلام السينمائية والفيديو وحتى المعارض التي تربط بين موضوعي كرة القدم والثقافة بمختلف الطرق والأشكال.
صرخة الغول
غول، غول، غول! الصرخة الثلاثية للمعلق الإذاعي «هربرت تسيمرمان» كانت كصرخة الرضيع بالنسبة لكرة القدم الألمانية. كان هذا عام 1954 عندما سجل الألمان في المباراة النهائية لبطولة العالم في برن هدف النصر ضد الفريق الهنغاري الذي «لايهزم» يومها قال الألمان إن لعبهم وانتصارهم في برن كانت ساعة ولادة أمة انتصار مسالمة.
من الطبيعي أن كرة القدم الألمانية لم تولد في 4 تموز 1954، وإنما قبل نصف قرن من ذلك التاريخ. وكانت اللعبة الانجليزية قد لقيت منذ البداية حماساً لدى الشبيبة الألمانية، ولكن لم تكن مقبولة دوماً لدى المسؤولين الألمان. فعندما اسست عام 1909 مجموعة من الشباب الكاثوليك فريق بروسيا دورتموند المسمى باسم مصنع إنتاج البيرة، حدثت مشاجرة عنيفة مع انصار الخوري ديفالد الذي كان يحارب لعبة كرة القدم كهواية للشباب، واجهوا كثيراً من العوائق، وجاءتهم المساعدة من رجل أعمال بعيد النظر هو صاحب الحانة هاينيغ الذي تبرع لهم بمرج للعب. وكانت حساباته رابحة في نهاية المطاف: بعد انتهاء اللعب جاءوا جميعاً إلى حانته لتناول المشروبات. وهكذا نشأ -باسم مصنع للبيرة وبتبرع من صاحب حانة-إثنان من أشهر نوادي كرة القدم الألمانية وأكثرها شعبية.
وإذا ما تصورنا كرة القدم ككرة أرضية صغيرة فإن محور شالكة، دور تموند، عبر منطقة الرور الصناعية يشكل خط الاستواء -يكمله القطب الشمالي هامبورغ- بريمن والقطب الجنوبي بايرن مونشن. كما ان جميع الكؤوس الأوروبية العشرة التي فازت بها النوادي الألمانية في مباريات الأبطال الأوروبيين «المسماة اليوم: كأس الكؤوس الأوروبية» وكذلك كؤوس الدوري الألماني فازت بها فرق من هذه المناطق الثلاث.ومما ينسجم مع الصورة ايضاً أن الألمان يحبون كرة القدم ويحبون الانتصار، وهو الأمر الذي استطاعوا تحقيقه والتعود عليه، في كرة القدم بالذات، إذ باستثناء البرازيل لم يحقق أي بلد آخر مثل هذه الانتصارات: ثلاث مرات بطل العالم، أربع مرات المرتبة الثانية، مرتان المرتبة الثالثة، ثلاث مرات بطل اوروبا. ولكن لكي تفتح ألمانيا قلبها لأبطالها يجب أن يجلبوا معهم بالإضافة إلى الفوز شيئاً آخر يهز المشاعر.
يجب أن يحققوا النصر خلافاً لكل التوقعات، أو بأسلوب يسحر الألباب كمافعل الفريق الذي فاز ببطولة أوروبا عام 1972، أو يجب ان يكون انتصارهم مرتبطاً على الأقل بحدث تاريخي كالوحدة الألمانية عام 1990.
عاماً بعد عام يتزايد عدد الألمان الذين يعتبرون اللعب شكلاً من أشكال التسلية المهمة للحياة، يرونه مصدراً للمشاعر الحقيقية والانفعالات. نحو 40000 متفرج وسطياً، حضروا كل مباراة من مباريات الدوري الألماني في النصف الأول من الفصل الجاري ضاربين بذلك رقماً قياسياً من ناحية عدد المشاهدين في أوروبا كلها، ويضم الاتحاد الألماني لكرة القدم اكثر من ستة ملايين عضو ونحو 170000 فريق، من بينهم نحو مليون سيدة وفتاة، فالسيدات الألمانيات حصلن على ما يريد الرجال الحصول عليه، بطولة العالم عام،2003 وبعد صرخة الغول الثلاثية عام 1954 قال الألمان: هاقد اثبتنا وجودنا من جديد وبعد 50 عاماً من معجزة «برن» و15 عاماً من سقوط جدار برلين لم تفقد ألمانيا بعد شعورها الجمعي «شعور النحن» لكنها ألقته جانباً في مكان ما، ومنذئذ يجري البحث عنه على قدم وساق. وهذا ما ينبغي أن تساعد على تحقيقه كرة القدم.
*********************************************
مصادر ومعلومات
- مجلة المانيا «دويتشلاند» العدد (1) 2006.
- الموقع الالكتروني لألمانيا 2006
www.wm2006.deutschland.de
- موقع «المنظمون» الالكتروني
www.dw-world.de
مونديال 2006 لكرة القدم.. العالم في ضيافة أصدقاء
2006-05-17