لم أكن متحمسة كثيًرا للمشاركة في رحلة المشي والتسلق هذه المرة، كون المسافة كانت طويلة، وجاءت بعد موقف نقطة "بيت أنعم" الذين منعوا مرورنا بحجة أننا بدون محرم، رغم أننا كنا ثلاث نساء وطفلتين، وهذا كان يكفي ليتنازلوا قليلًا بدلًا من التعنت وفرط التحسس الذي يعانون منه بسبب تنقلات النساء داخل اليمن وخارجها.
المهم.. تواصلت معي العزيزة سلوى قناف التي كانت متحمسة جدًا للخروج في نشاط الخميس الماضي 16 مايو. من جهتي، حاولت التنصل من الحضور، ولكن دون جدوى.
طبعًا، وافقت أن أشارك معها، وقمت بتجهيز شنطة الرحلة الخاصة بي للاستعداد للمشاركة صباحًا، استيقظت باكرًا، وجهزت نفسي، انتظرت لسلوى حتى جاءت، وتحركنا بسيارتها إلى نقطة التجمع التي تم اختيارها في منطقة سوق مذبح القديم، هناك التقينا ببقية أعضاء الفريق، وسألنا أحدهم هل نذهب بالسيارة أم نتركها؟ فاقترح علينا تركها.. ذهبنا وركنّاها بقرب أحد محلات الصرافة لتوفر الكاميرات هناك، وعدنا لنتفاجأ بأعضاء الفريق جميعهم على متن باص وسيارة، متناسين وجودنا تمامًا، وأقولها صراحة أصبت بالصدمة في ذلك الوقت، ولكن سرعان ما تلاشت بعد أن نزل من الباص المشاء عبدالكريم الرازحي، وكذلك المشاء بلال الشقاقي، وهما اللذان رفعا المعنويات لديَّ عندما شعرت أنهما لن يخذلانا، ولن يتركانا نلحقهم وحيدتين.
اعضاء فريق المشي والتسلق(شبكات التواصل)
في تلك اللحظات اتخذنا قرار الذهاب بسيارة سلوى، ركبنا السيارة، وتوجهنا إلى المنطقة التي يفترض أن نلتقي جميعًا فيها، لنكمل سيرنا مشيًا على الأقدام، وبينما نحن في طريقنا مررنا بجانب إحدى النقاط، وهناك أوقفونا لوضع سؤالهم المعتاد: "هل أنتم أجانب؟"، أجاب بلال: لا.. لكن أحد العساكر نظر إلى المشاء الرازحي وكأنه يتفحص قطعة أثرية مهربة، وقال: هل هذا أجنبي؟ مما جعلنا ننفجر ضحكًا، لأن العساكر أصبحوا اليوم يجدون صعوبة في التمييز بين اليمني والأجنبي!
عمومًا، وعلى الرغم من أني كنت غير متفائلة من هذا التنقل في ظل انتهاك حقوقنا كنساء، إلا أننا مررنا بسلام، ووصلنا إلى مفرق حاز -خط عمران، حيث ترجل الجميع من الباص والسيارات التي كانوا على متنها.
من نقطة مفرق حاز بدأنا السير في طريق إسفلتي طويل.. استمررنا في المشي حتى وصلنا إلى قرية "حاز"، وهي إحدى قرى عزلة جشم مديرية همدان التابعة لمحافظة صنعاء، وتقع شمال غرب العاصمة صنعاء.. هناك أخبرنا أهل القرية بأن قصر التبع اليماني "أسعد الكامل" يقع في تلك المنطقة (رغم أن هناك روايات مختلفة تقول بأن القصر يقع في جنوب صنعاء)، و"أسعد الكامل" هو اسم لقبه به العرب بحسب "ويكيبيديا"، واسمه هو أبو كرب أسعد بن حسان ملكي كرب الحميري، وهو مؤسس وأول ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت.
سبقنا الفريق البالغ عددهم 32 مشاء، إلى القصر، وبعدها لحقنا بهم إلى أن وصلنا ودخلنا. كان شبه قصر، كل شيء فيه تعرض للانهيار، أسطح الغرف، حتى الباب الذي يؤدي إلى داخل القصر، صعدنا إليه عبر أحجار مرصوصة، رصها أهل القرية.. وبينما نحن في الداخل، لحق بنا بعض أهل القرية لاعتقادهم أننا جئنا نبحث عن كنز، وحقيقة هذه الفكرة طاغية عند معظم أهل القرى اليمنية حينما يجدون غرباء يزورون قراهم.
صورة للقصر الذي قيل انه ل"أسعد الكامل"(النداء)
بعد ذلك نزلنا من القصر، واستمررنا في المشي داخل القرية التي كانت معظم منازلها مهجورة، تدخل الرياح من نوافذها، وتخرج من الأخرى، ولقد لفت نظري أحد المنازل، وفي سطحه تظهر شجرة تين شوكي، كانت تتأملنا من على السقف كأنها إحدى نساء القرية، تراقب خطواتنا وتحركاتنا. كما كانت هناك بعض المنازل المبنية، يوجد بين أحجارها حجر واحد على الأقل مكتوب عليه بالخط المسند، وهذا إن دل على شيء فيدل على عدم إدراكهم أهمية تلك الأحجار التي غالبًا ما يكونون حصلوا عليها من بقايا القصور القديمة التي انهارت.
خرجنا من حصن "حاز"، حاملين معنا ذكريات المكان، وما تبقى من ساكنيه، نجر خلفنا حسرتنا على تلك الأماكن التي لا تجد أي اهتمام من قبل الجهات المعنية، خصوصًا وأنها تعد مناطق أثرية.
بعد ذلك توجهنا إلى حصن بيت "غُفر"، استمررنا في المشي من طريق إسفلتي، كان الحصن يظهر لنا من بعيد والسُّحب تظلله كأنها تحرسه من أعلى، وقبل أن نصل جلسنا قليلًا على حافة الطريق لأخذ قسط من الراحة، وهناك التقينا ببعض الأطفال الذين كانت ضحكاتهم وابتساماتهم أشبه ببلسم للروح.
واصلنا طريقنا، وبدأنا بالصعود إلى أعلى الحصن.. صحيح أن كل شيء كان شبه مهدم، ولكن لا أنكر أن المنظر من الأعلى للقرية كان رائعًا، وكان للرياح وقع جميل، وهي تهب من كل الاتجاهات. من الأعلى كنا نرى برك تجمع مياه الأمطار.. وأشجار القات، وبعض المناطق المكسوة بالخضرة.
صورة من على حصن بيت غُفر(النداء)
طبعًا، العدد الأكبر من فريقنا استطاع أن يصل قبلنا، وبالتالي زار الحصن كاملًا، أما نحن فلم نستطع فعل ذلك، بعد أن جاء أحد أبناء القرية ممن يعتقدون بأنهم الآمرون الناهون، وطلب منا النزول من القلعة، ولم يكتفِ بذلك، بل قام بتصويرنا بالكامل، أخذ أرقام تليفونات بعض الأعضاء، ونزل معهم إلى المسجد، حيث تركهم يتناولون الغداء فيه، معتقدًا بأنه فعل الصح في ذلك التصرف!
أما نحن فانتظرنا في الأعلى حتى جاء مُسلح آخر، وقال: "انزلوا من هنا". حينها شعرت أننا في بلاد لا نملكها، ويتحكم بها مجموعة من الجهلة الذين لا يعرفون كيف يتصرفون مع أبناء وطنهم، عندها سأله أحد أعضاء الفريق حول الحصن، فكانت إجابته: "تابعوا قناة الهوية، هم جاؤوا إلى هنا، وصوروا الحصن بالكامل"!
نزلنا من الحصن ونحن نجر أذيال الخيبة وراءنا، لأننا لم نتمكن من رؤيته بالكامل، وفضلنا أخذ قسط من الراحة على أن نتحرك بعدها حوله لنتعرف عليه أكثر.
لحقنا ببقية الفريق، ووجدناهم في باحة مسجد مازال تحت البناء، كل مجموعة تتناول طعام الغداء، وهنا انقسم الفريق؛ البعض أكمل الرحلة باتجاه مدينة ضروان الواقعة على طريق عمران، والبعض الآخر اختار طريق العودة، وكنت مع من عاد.
كانت الرحلة بمجملها جميلة، على الأقل تعرفت من خلالها على مواقع أثرية جديدة، والتقطت بعض الصور التي سأجمعها في ألبوم زيارتي لكل منطقة أستطيع الوصول إليها دون أي مانع.
[URIS id=51255]
تجربة التحدي بين أحضان الطبيعة.. حصن حاز وحصن بيت غُفر(8)
2024-05-21