قد يبدو العنوانُ غريباً بعض الشيء، فوصافة بطولات الجراند سلام إنجازاً لم يحققه العرب قبل زمن أُنس جابر.
لكن لأنّها أُنس؛ من رفعت المعايير والتوقعات إلى الحد الذي أصبحت فيه وصافةُ "ويمبلدون" -أعرق بطولات الجراند سلام- خيبةَ أمل.
وقد ضاعف من شعور الحسرةِ المسار الصعب الذي جازتهُ أنس؛ ففي طريقها إلى النهائي تغلبت اللاعبة التونسية على أربع بطلات جراند سلام سابقات- من بينهن ثلاث لاعبات ضمن قائمة العشر الأعلى تصنيفاً في العالم حالياً.
وعلى الرغم من أن أُنس خاضت النهائي الثالث لها في بطولات الجراند سلام، والنهائي الثاني توالياً في "ويمبلدون" تحديداً، إلا أنها ظهرت فاقدةً للسيطرة على أعصابها، مشتّتة الذهن.
الحالة الذهنية لأُنس خلال مجريات اللقاء تفسّرها الأرقام بشكلٍ أوضح؛ حيث ارتكبت اللاعبة التونسية 31 خطاءً سهلاً، وهو رقم كبير بالنسبة لنهائي بطولة جراند سلام.
لتتضح كارثية هذا الرقم؛ فإن أُنس لم ترتكب في مباراة نصف النهائي، عندما واجهت المصنفة الثانية على العالم البيلاروسية ارينا سابلينكا، سوى 14 خطاءً سهلاً- على الرغم من أن المباراة استمرت لثلاث مجموعات.
أيضاً، فقدت أُنس فعالية إرسالها الأول؛ حيث بلغت نسبة نجاح إرسالها الأول 48%، مقابل 63% للّاعبة التشيكية ماركيتا فوندروسوفا.
وفازت أُنس بنسبة 48% من النقاط على إرسالها الأول، مقابل 61% لفوندروسوفا.
كذلك، لم تنجح اللاعبة التونسية في استغلال فرص الكسر التي أُتيحت لها؛ فقد بلغت نسبة نجاحها 40% فقط من مجمل الفرص السانحة، مقابل 86% لمنافستها.
وكانت أُنس بدأت المباراة بدايةً موفّقة، حيث كسبت شوط إرسالها الأول، ثم كسرت إرسال منافستها التشيكية.
لكنّها سرعان ما خسرت التقدّم بأفضلية الكسر عندما فقدت شوط إرسالها، الشوط الثالث في المجموعة.
تبادلت اللاعبتان كسر الإرسال أيضاً في الشوطين الخامس والسادس، ثم تقدّمت فوندروسوفا بأفضلية الكسر بعد أن كسرت إرسال اللاعبة أُنس في الشوط التاسع من المجموعة، لتكسب بعدها شوط إرسالها وتنتهي المجموعة الأولى بواقع 6-4 لصالح اللاعبة التشيكية.
في بداية المجموعة الثانية تبادلت اللاعبتان الكسر في أول شوطين، ثم تقدّمت أُنس بأفضلية الكسر بعد أن كسبت شوط إرسال منافستها، الشوط الرابع من المجموعة؛ لتتقدم 3-1.
وبنفس الارتباك الذي ظهرت به في المجموعة الأولى، عادت أُنس لتفقد الأفضلية بخسارتها لشوط إرسالها في الشوط الرابع من المجموعة.
التونسية أنس جابر (شبكات تواصل)
خسرت اللاعبة العربيّة أيضاً شوط إرسالها في الشوط التاسع من المجموعة الثانية.
لتختتم اللاعبة التشيكية فوندروسوفا المباراة على شوط إرسالها، وتنتهي المجموعة بنفس نتيجة المجموعة الأولى.
ويعدُّ هذا اللقب هو الأول للّاعبة التشيكية في بطولات الجراند سلام.
وبهذا الإنجاز؛ تصبح فوندروسوفا اللاعبة الأقل تصنيفاً التي تحقق بطولة "ويمبلدون"، بتصنيف 53 على العالم؛ محطّمةً بذلك الرقم السابق المسجّل بإسم الأمريكية فينوس ويليامز، عندما فازت الأخيرة ببطولة "ويمبلدون"، لعام 2007، وهي مصنفة 31 على العالم.
لاعبتنا العربيّة، أو "وزيرة السعادة" كما يُحب أن يدعوها جمهورها العربي، ظهرت متأثرةً خلال اللقاء الصحفي الذي أجرته بعد النهائي مباشرةً.
حيث قالت أُنس: "أظن أن هذه الخسارة هي الأكثر إيلاماً في مسيرتي".
لكنّها استدركت، متحاملةً على بكائها المرير، لتبعث رسالةً تطمينية إلى فريق عملها بشكلٍ خاص، وإلى جمهورها عموماً، حيث اختتمت اللقاء بقولها: "لن أستسلم، سأعود أقوى. وأعدكم أن أحقق هذه البطولة يوماً ما".
على صعيد منافسات الرجال فجّر الإسباني الصاعد إلى سماوات المجد بسرعةٍ لافتة كارلوس الكاراز مفاجأةً كبرى بإطاحته لحامل لقب البطولة، وصاحب الرقم القياسي بعدد بطولات الجراند سلام،
الأسطورة الصربيّة نوفاك دجوكوفيتش، وهزمَه بواقع ثلاث مجموعات لصالح الإسباني مقابل مجموعتين للصربي، في مباراة محتدمة شهدت إثارة ومتعة خليقة بلقاء جمع المصنّفَين أولاً وثانياً على العالم.
بدأت المباراة بمنافسة كبيرة من أوّل أشواطها، حين حاول اللاعب الإسباني كسر إرسال نوفاك دجوكوفيتش وحصل على فرصةٍ لم يُحسن استغلالها.
بعدها فرض دجوكوفيتش سيطرته على مجريات المجموعة، مقابل حضور خافت للإسباني أدّى إلى إرتكابه جملةً من الأخطاء السهلة.
دجوكوفيتش حسم نتيجة المجموعة الأولى بواقع 6-1.
بداية المجموعة الثانية كانت مختلفة تماماً
عن سالفتها؛ حيث كسب الكاراز أول شوطين في المجموعة؛ ليتقدّم بأفضلية الكسر للمرة الأولى في المباراة.
لكن الإسباني سرعان ما خسر هذا التقدم حين فقد شوط إرساله في الشوط الثالث من المجموعة.
بعدها حافظ كل لاعب على شوط إرساله -رغم الصعوبات التي واجهها كلا اللاعبَين لكسب شوط الإرسال- حتى اتجهت المجموعة لشوط كسر التعادل (تاي بريك) أين يتميّز دجوكوفيتش؛ حيث كان الصربي قد كسب آخر 15 شوط كسر تعادل على التوالي (رقم قياسي).
الإسباني الكاراز لم يهتم لرقم نوفاك القياسي، ولا لخبرته في هكذا مواقف؛ فقلب كل الموازين وكسب شوط كسر التعادل، وبالتالي المجموعة الثانية؛ لتصبح نتيجة المباراة مجموعة لكل لاعب.
وعلى الحال الذي انتهت عليه المجموعة الثانية، بدأت المجموعة الثالثة بتفوّق اللاعب الإسباني وكسبه الشوطين الأوّلَين؛ متقدما على منافسه بأفضلية الكسر.
الشوط الخامس في هذه المجموعة كان ضرباً من الجنون وشهد إثارة ومنافسة شرسة بين اللاعبين استمرت قرابة النصف ساعة -كأطول شوط في المباراة- حتّى تمكّن الكاراز من كسر إرسال اللاعب الصربي؛ ليتقدم في المجموعة بأفضلية كسرين.
بعد هذا الشوط استسلم نوفاك لريح الإسباني العاصفة وخسر باقي الأشواط؛ لتُحسم المجموعة الثالثة بنتيجة 6-1 لصالح الخارق للعادة الكاراز.
المجموعة الرابعة شهدت ندّية في معظم أشواطها، لم يكن سهلاً على أي لاعب أن يكسب شوط إرساله.
نوفاك استعاد ثباته في هذه المجموعة ورفع من مستواه في مقابل انخفاض في المستوى عند اللاعب الإسباني.
استغل نوفاك هذه العوامل ليكسر شوط الإسباني مرتين: مرة في الشوط الخامس، ومرة في الشوط التاسع الذي أنهى به اللاعب الصربي المجموعة لصالحه بنتيجة 6-3؛ لتذهب المباراة لمجموعة خامسة فاصلة.
في الشوط الأوّل من المجموعة الفاصلة واجه دجوكوفيتش صعوبات في كسب شوط إرساله، إلا أنه استطاع حسم الشوط لصالحه بعد أن أضاع الإسباني فرصة سانحة للكسر.
سيناريو الشوط الأول كرّر نفسه في الشوط الثاني ولكن بعكس الوضعية تماماً.
لاعب التنس الإسباني كارلوس ألكاراز يتوج بلقب ويمبلدون للمرة الأولى (شبكات تواصل)
الكاراز عاد لمستواه الذي ظهر به في المجموعتين الثانية والثالثة ليكسر شوط إرسال نوفاك في الشوط الثالث من المجموعة الفاصلة ويتقدّم بأفضلية الكسر.
بعدها استمر كل لاعب بكسب شوط إرساله حتى نهاية المجموعة بنتيجة 6-4 لصالح البطل الإسباني كارلوس الكاراز.
هكذا انتهت مباراة مثيرة حبست مجرياتها الأنفاس، وتوّجت الفتى الإسباني الفذّ على حساب أسطورة صربيا ورياضة التنس نوفاك دجوكوفيتش، أو "نولّي" كما يناديه عشّاقه.
بهذا الفوز كسر الكاراز سلسلة 4 ألقاب متتالية لنوفاك في البطولة، كما حرمَهُ من مشاركة أسطورة سويسرا روجير فيدرير الرقم القياسي بعدد بطولات "ويمبلدون"؛ حيث ظلّ سجل نوفاك كما هو بعدد 7 ألقاب في البطولة مقابل 8 لفيدرير.
الشاب الإسباني أظهر خلال مجريات اللقاء شخصيّة واثقة عنيدة وصلابة ذهنية مكّنته من تجاوز لحظات العثرة أمام لاعب بحجم خبرة وتجربة نوفاك دجوكوفيتش.
كما استعرض الكاراز جملةً من مهاراته البارعة؛ حيث تنوّعت كراته بين القصيرة خلف الشبكة (دروب شوت) التي نجحت في أغلب الوقت وفاجأت نوفاك وكذا الجمهور المتابع للمباراة، وبين الضربات الساحقة "back hand" و "forehand"، كذلك لجأ لحل الكرات الساقطة خلف المنافس حين تقدّم نوفاك على الشبكة.
بهذا التنويع في أسلوب اللعب وهذا الأداء المميّز والحضور الواثق ربّما أعلن الكاراز عن نهاية أعظم أجيال التنس عبر تاريخ اللعبة وبداية عصر جديد يكون فيه الشاب الإسباني الخليفة المأمون على عرش التنس.