يعرف الكل أن فقيد الوطن والثقافة اليمنية والعربية الاستاذ الدكتور محمد عبدالقادر بافقيه قد تميز في حياته العملية والعلمية والثقافية في المجالات التالية:
1 – الإدارة التربوية:
فهو قد شغل مهمة نائب ناظر المعارف في السلطنة القعيطية في م/ حضرموت قبل الاستقلال، ثم ناظراً للمعارف وفي نفس السلطنة، ثم وزيراً للتربية والتعليم في أول حكومة وطنية بعد الجلاء البريطاني وإعلان استقلال جنوب الوطن.
2 – العمل الدبلوماسي:
وقد شغل في حياته أكثر من منصب دبلوماسي، ومنها سفير حكومة جنوب اليمن في القاهرة وممثلها في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية وسفير جنوب اليمن لدى الجمهورية الفرنسية وممثلها لدى منظمة اليونسكو.
3 – كتابة التاريخ:
وعلى وجه الخصوص التاريخ القديم، وله في هذا المجال أكثر من كتاب أو دراسة، ومنها كتابه المشهور والمعروف وهو «تاريخ اليمن القديم»، وكتابه «العربية السعيدة» الجزء الأول والثاني.
4 – الكتابة والبحث في مجال الآثار والنقوش: وله في هذا المجال أكثر من عمل منها:
– آثار ونقوش العقلة.
– المستشرقون وآثار اليمن.
– تأسيس حولية ريدان، وهي حولية سنوية تهتم بالدراسات الأثرية وترجمة وتفسير النقوش اليمنية.
– تأسيس متحف المكلا للتاريخ والآثار.
– ندوة الحضارة اليمنية عام 1975 والندوة الثانية عام 1989. والجزء الأكبر في أعمال الندوتين تمحور حول آثار ونقوش اليمن وفي عدة جوانب منها: البحث عن الآثار والنقوش اليمنية غير المكتشفة، إعادة دراسة الآثار والنقوش المكتشفة، السعي لإعداد معجم للنقوش اليمنية، وإعادة تنظيم المتاحف اليمنية.
5 – الكتابة الصحفية:
فقد كان الفقيد صحفياً من الطراز الأول وكتب الكثير من المقالات في الصحف الصادرة في المكلا وعدن قبل الاستقلال وكذا في بعض الصحف السودانية أثناء دراسته هناك، وخاض معارك صحفية وأشهرها معركته الصحفية مع الفقيد المؤرخ بامطرف وعلى صفحات صحيفة «الرائد»، وكان بامطرف يخوض معركته مع بافقيه من على صفحات «الطليعة».
لقد قدم الفقيد بافقيه نفسه لمثقفي وطنه وللمهتمين على المستوى العربي والعالم من خلال نشاطاته وتراثه المكتوب في المجالات الخمسة السالفة الذكر. وقدم بافقيه ومن خلالها أيضاً وطنه، والعِلم الذي لا وطن له وخاصة علوم التربية والتاريخ والآثار والنقوش.
ونحن في هذه الورقة المتواضعة حول الفقيد بافقيه وتراثه العملي والعلمي سوف نبتعد عن المجالات الخمسة التي ستكون مجال اهتمام وبحث مجموعة من الكتاب والباحثين، وسوف نركز على مجال جديد سادس ترك فيه بافقيه بصمات واضحة ولكن ربما يكون الإلمام بها أو معرفتها محدودة، وهذا المجال هو مجال تأسيس وقيادة المنظمات النقابية والثقافية غير الحكومية. ولقد بدأ الفقيد بافقيه نشاطه في هذا المجال في وقت مبكر من حياته، ثم نمت وتطورت لاحقاً أثناء وبعد دراسته في السودان وفرنسا. وسوف نقدم في السطور التالية أربعة نماذج لنشاط الفقيد بافقيه في مجال تأسيس وقيادة المنظمات الجماهيرية والثقافية غير الحكومية.
1 – النموذج الأول:
تأسيس وقيادة جمعية اتحاد التلاميذ في عام 1940
أسس الفقيد بافقيه في المكلا، وهو (كان) مايزال تلميذاً صغيراً جمعية للتلاميذ تحت اسم «جمعية اتحاد التلاميذ الأدبية». وتميز هذا الاتحاد بأنه لم يكن نادياً يخص مدرسة معينة بل كان اتحاداً لكل تلاميذ مدارس المكلا وقد أراد له مؤسسوه أن يصبح نواة لاتحاد طلابي لكل مدارس المنطقة يولد تحت ستار النشاط الأدبي.
وجاء في وثيقة تأسيس الاتحاد في سنة 1935 الموافق 1940، ولدى الكاتب نسخة منها حصل عليها من الفقيد بافقيه، ما يلي: «أما بعد نقول نحن الواضعين أسماءنا أدناه: نلتزم لجمعية اتحاد التلاميذ الأدبية التي نحن أفرادها بالطاعة في كل ما تأمر به الجمعية وأيضاً أن لا نقلَّ الأدب في مقر الجمعية ولا يمكن لأحد منا أن يحمل لأخيه شيئاً من البغض والحسد بل ويلزمنا أن نكون أخوة مخلصين لبعضنا البعض وإننا راضون بهذه الجمعية ولا نتأخر عن مواعيد الحضور المقررة في البرنامج».
وكان من أبرز مؤسسي «جمعية اتحاد التلاميذ» بعد بافقيه كلُّ من: علي محفوظ بامحفوظ، سالم باداود عمر بن سهيلان، سيف بن علي البوعلي، عبدالقادر باحشوان، وطاهر محمد بازنبور. واستأجر أعضاء الاتحاد غرفة في أحد منازل المكلا القديمة لتكون مقراً للاتحاد وفي تلك الغرفة أقامت الجمعية حفلاً خطابياً بمناسبة التأسيس وافتتاح المقر وذلك يوم ١_2/2/1941 وحضر هذا الحفل الكثير من شيوخ المكلا ورجال التربية ورجال الاعمال وسجل بعضهم كلمات ثناء وتقدير للجمعية ومع الأمل بأن يكون لها نشاط مفيد للتلاميذ وللوطن.
وبرغم الهوية الثقافية لـ«لجمعية اتحاد التلاميذ» وبساطة تكوينها وصغر سن أعضائها فقد قامت السلطة في حضرموت بعد أشهر معدودة من افتتاح الاتحاد بإصدار أمر كتابي وقعه ناظر المعارف آنذاك الشيخ القدال باشا، وقضى الامر بحل الاتحاد وإغلاق مقره، وقدمت السلطة مبرراً واهياً لقراره وقد قدم هذا المبرر في اللقاء الذي عقده ناظر المعارف مع قيادة الاتحاد، فقد قال ناظر المعارف إن «سبب الحل هو من أجل تلافي حدوث صراعات بين التلاميذ لأن مجموعة من التلاميذ المعارضين للاتحاد تقدمت بطلب تأسيس اتحاد جديد لهم».
وأسس بافقيه وبعض أعضاء قيادة الاتحاد السابق إطاراً جديداً لنشاطهم الثقافي وأسموه «ندوة امرئ القيس» وتم اختيار هذا الاسم لاعتقادهم بأن كلمة «الاتحاد» أو «الجمعية» تثير الريبة والخوف لدى السلطات الحاكمة آنذاك، غير أن هذا الاعتقاد تلاشى بسرعة لأن السلطة الحاكمة آنذاك أصدرت قراراً آخر تم بموجبه حل الندوة (لمعرفة المزيد من التفاصيل حول الموضوع يتم الرجوع إلى كتاب صالح علي باصرة: دراسات في تاريخ حضرموت الحديث والمعاصر، الدارسة رقم (7) لمحات موجزة من تاريخ نشوء وتطور حركة التلاميذ والطلاب في حضرموت، ص 161 إلى 178، دار المسيرة للطباعة والنشر، عمان 2001).
2 – النموذج الثاني:
اتحاد بعثات جنوب الجزيرة العربية
بعث الفقيد محمد عبدالقادر بافقيه إلى السودان للدراسة الثانوية ثم الجامعية. وهناك باشر الفقيد تنفيذ اهتماماته وأنشطته المتعددة إلى جانب الدراسة، ومنها الكتابة الصحفية المساهمة في تأسيس الجمعيات والاتحادات والمنتديات الطلابية.
ففي منتصف عام 1946 كان الفقيد محمد عبدالقادر بافقيه من بين مؤسسي ما سمي باسم «اتحاد بعثات جنوب الجزيرة العربية» وقد نشرت جريدة «فتاة الجزيرة» في عددها المزدوج (324، 325) الصادر في 9/6/1946، بيان تأسيس الاتحاد والذي جاء فيه: «إلى جميع أبناء وطننا العزيز نزف هذه البشرى السعيدة بشرى إنشاء اتحاد قوي متين بين طلبة بعثات جنوب الجزيرة العربية في السودان من عدنيين ومحميين وحضرميين الذين أصبح عددهم ما يزيد عن ثلاثين طالباً تغربوا عن أوطانهم لطلب العلم ليعودوا إليها مثقفين متنورين بتلك الفوائد التي استطاعوا جنيها من العلوم المختلفة والثقافة العالية أثناء دراستهم». وأشارت وثيقة تأسيس الإتحاد إلى أهدافه، ومنها:
– المؤالفة والمؤازرة بين جميع الأعضاء.
– المطالبة بحقوق البعثات.
– الدعاية للوطن في الخارج وخدمة الوطن أثناء العطلات الصيفية وعن طريق أكثر من أسلوب.
– الاتصال ببعثات جنوب الجزيرة في الأقطار الأخرى لتبادل الرأي والاستعداد للحياة العملية المفيدة للوطن.
وتكونت هيئة اتحاد بعثات جنوب الجزيرة العربية من ستة أعضاء هم:
1 – عبدالله علي الجفري رئيساً
2 – قحطان محمد الشعبي سكرتيراً
3 – علي قاسم كليب أميناً للصندوق
4 – لطفي جعفر أمان عضواً
5 – محمد عبدالقادر بافقيه عضواً
6 – أحمد علي سعد عضواً
(انظر تفاصيل هذا النموذج في دراسة للأخ محمد سعيد مديحج، مناقب من حياة محمد عبدالقادر بافقيه، المركز الثقافي للانشطة التربوية والتنموية، غيل باوزير، 2002).
3 – النموذج الثالث:
النادي الثقافي في المكلا»
بلور الفقيد محمد عبدالقادر بافقيه فكرة تأسيس ناد ثقافي في المكلا يقوم بأنشطة ثقافية وتعليمية واجتماعية عديدة وتبدأ نواة النادي في المكلا ثم يتوسع خارج المكلا من خلال تأسيس فروع له في أكثر من مدينة. وتمكن بافقيه من إقناع بعض شباب جيله من الخريجين بالمشروع فتحمسوا له وتمكن بافقيه وصحبه من الحصول على ترخيص بتأسيس النادي من الحكومة القعيطية وتم افتتاح النادي رسمياً في 8 فبراير 1957 وتحت اسم «النادي الثقافي بالمكلا». كما تم استئجار مقر له في مبنى قرب إدارة الجمارك في حي «البلاد» أقدم أحياء المكلا.
وبعد يوم من الافتتاح عقد المؤسسون اجتماعاً لهم في مدينة «غيل باوزير» القريبة من المكلا يوم الجمعة الموافق 9/2/1957، وتم في الاجتماع صياغة دستور للنادي مكون من ثماني مواد وحددت المادة الثالثة من دستور النادي هدف إنشاء النادي بجملة قصيرة جداً ولكنها كانت ذات دلالة وقيمة كبيرة في ذلك الحين، ونص العبارة هو: «تهيئة جو ملائم لنشر وتنمية الثقافة».
وترأس بافقيه الهيئة الإدارية للنادي. ونظمت الهيئة الإدارية أنشطة ثقافية وتربوية كثيرة منها:
– عدد من المحاضرات السياسية حول فلسطين وثورة يوليو وثورة الجزائر.
– ندوة ثقافية عن كفاح بعض شعوب العالم وأخرى حول حياة الصيادين.
– عرض مسرحية في فبراير 1958 بعنوان «آلام جحا» للكاتب محمد فريد أبو حديد.
– الاتصال بعدد من المسؤولين في وزارات التربية في مصر وسوريا والعراق والكويت لتوفير مقاعد دراسية جامعية وثانوية لبعض طلاب حضرموت.
وفي فبراير 1958 احتفل النادي بالذكرى الأولى لتأسيسه. وفي يومي 7 و8 أبريل 1958 عقد النادي مؤتمره الأول وشكل في يومه الأول ثماني لجان متخصصة لمناقشة التقرير المقدم إلى المؤتمر وتقديم المقترحات لتطوير وتوسيع أنشطة النادي.
لقد بلغ عدد أعضاء النادي في عامه الأول حسب تقرير لجنة العضوية حوالي 228 منهم 182عضواً عاملاً و46 عضواً منتسباً. وقدمت اللجان الكثير من المقترحات لتطوير النادي. ويمكن القول أن مقترحات التطوير كادت أن تحوله إلى تنظيم سياسي وتعليمي وثقافي واجتماعي.
وقبل أن يتحول النادي إلى تنظيم قررت السلطة القعيطية وإدارة المستشار البريطاني في المكلا إغلاق النادي. ففي 22 إبريل 1958 أي بعد أقل من أسبوعين من انعقاد مؤتمره الأول صدر الأمر السلطاني بحل النادي الثقافي في المكلا وإغلاق مقره ومصادرة ممتلكاته. وتم تنفيذ الأمر بأسلوب عسكري وكأن النادي منظمة سياسية خطرة. وأصدر وزير السلطنة بياناً علق على جدران منازل مدينة المكلا وتضمن مبرر حل وإغلاق النادي الثقافي وجاء في البيان ما يلي: «إن النادي الثقافي قد انتهج نهجاً سياسياً منذ اليوم الأول لافتتاحه وبدأ في الأسابيع الأخيرة يتدخل في السياسة العامة للدولة وحرصاً على سلامة الشعب أمر السلطان عوض بن صالح القعيطي بإغلاقه». (للحصول على تفاصيل أكثر حول الموضوع انظر: صالح علي باصرة، دراسات في تاريخ حضرموت الحديث والمعاصر، الدراسة رقم (9)، قصة تأسيس ونشاط وإغلاق النادي الثقافي في المكلا، 8 فبراير 1957 – 22 أبريل 1958، دار المسيرة، عمان 2001 من ص171 إلى ص 190).
4 – النموذج الرابع:
مؤسسة ريدان للدراسات الأثرية والنقشية
خلال فترة عمل الفقيد في باريس كسفير لجنوب اليمن ثم ممثلاً للجنوب في منظمة اليونسكو اهتم بمشروع تأسيس رابطة للدراسات الأثرية وإصدار حولية تعنى بالآثار والنقوش اليمنية. ففي عام 1975 عمل بافقيه وبالتعاون مع حكومة جنوب اليمن سابقاً على عقد مؤتمر دولي سمي بـ«ندوة الحضارة اليمنية»، وشارك فيه الكثير من كبار العلماء اليمنيين والعرب والاجانب المهتمين بنقوش وآثار الحضارة اليمنية، أمثال: محمود الغول، وريكمانز، بيستون، مولر، بيرن، بيتروفسكي، عبدالله البجرة، يوسف محمد عبدالله، محمد عبدالقادر بافقيه، وآخرون. وخرج المؤتمر بعدة توصيات، منها:
– إعداد معجم سبئي.
– إصدار حولية.
– تأسيس مؤسسة تهتم بالنقوش والآثار اليمنية.
وبعد انعقاد الندوة تم ضم إدارة الآثار والمتاحف للمركز اليمني للأبحاث الثقافية ليكون «المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار والمتاحف». وسعى بافقيه إلى الحصول على دعم مالي من أكثر من جهة لإصدار الحولية التي سميت «ريدان» على أن يتم إصدارها باسم المركز اليمني للابحاث الثقافية والآثار والمتاحف وصدر العدد الأول عام 1978، ورأس تحرير الحولية محمود الغول وشغل بافقيه مساعد رئيس التحرير في حين شغل الفقيد عبدالله محيرز -كمدير للمركز- منصب مدير التحرير واستمرت «ريدان» حتى عام 1981، ثم توقفت بعد ذلك لأسباب كثيرة أبرزها عدم توفر التمويل المالي. وخلال توقف حولية «ريدان» توفي الاستاذ محمد الغول وعادت «ريدان» للصدور في عام 1988، وتحمل الفقيد بافقيه رئاسة تحريرها.
وظل بافقيه يعمل من أجل تأسيس مؤسسة غير حكومية تهتم بالآثار والنقوش، وساعده على تحقيق هذه الأمنية انتهاء فترة عمله في باريس وعودته إلى عدن في نهاية الثمانينات. وكون في عام 198 الرابطة اليمنية للدراسات الأثرية والنقشية، ووجدت الرابطة الدعم من الدولة في الجنوب سابقاً وعلى وجه الخصوص من وزارة الثقافة والإعلام. وقامت الرابطة بتنظيم ندوة دولية بعنوان «ندوة الدراسات اليمنية» في عدن خلال الفترة من 1 إلى 4 فبراير 1989، وحضر الندوة الكثير من العلماء والباحثين في مجالي الآثار والتاريخ من اليمن والخارج.
وأصبح للرابطة مقر في الشارع الرئيسي في المعلا بعدن. وزاول الفقيد من خلال الرابطة نشاطه العلمي الأثري. وبعد الوحدة المباركة عادت حولية «ريدان» للصدور وباسم الرابطة التي تغير اسمها من «الرابطة اليمنية للدراسات الأثرية» إلى «مؤسسة ريدان للدراسات الأثرية والنقشية». وأصدرت المؤسسة العدد السادس من الحولية (ريدان) التي توقف صدورها منذ العدد الخامس عام 1988 وحتى عام 1994 أي عام صدور العدد السادس. وفي عام 2001 صدر العدد السابع من «ريدان» وكتب الفقيد بافقيه مقدمة لهذا العدد من الحولية تحدث فيها عن قصة صدور حولية «ريدان» وتأسيس الرابطة ثم مؤسسة «ريدان» والصعوبات التي واجهتها الحولية والرابطة ثم المؤسسة قبل الوحدة وبعدها وتعرض مقر المؤسسة ريدان للنهب أثناء حرب صيف عام 19٩_4، وهذه المقدمة ربما كانت بمثابة إعلان لنهاية مؤسسة «ريدان» وخاتمة الحياة العلمية والعملية للفقيد بافقيه (انظر: حولية ريدان، العدد السابع 20٠_1، المقدمة ص 6 إلى ص9 باريس 2001).
وأخيراً:
ملاحظات واستنتاجات ختامية:
1 – لقد ظهرت المهارات القيادية للفقيد محمد عبدالقادر بافقيه في مجال العمل النقابي بشكل مبكر، منذ عام 1941، وهو تلميذ في المرحلة المتوسطة، وتطورت هذه المهارات بحسب النمو التعليمي والثقافي للفقيد بافقيه.
2 – ربما كان الفقيد لا يحب الانتماء الحزبي ولذا فضل التعبير عن وجهة نظره تجاه قضايا المجتمع عبر الاتحادات والاندية والجمعيات غير الحكومية. ولكن الكل يؤكد أن كتابات بافقيه الاجتماعية والسياسية الصحفية أوضحت اقترابه من الناصرية كفكر بدون أي انتماء حزبي.
3 – يوجه البعض النقد للفقيد بافقيه. ومحور هذا النقد أنه حين وصل إلى السلطة تعامل مع الاتحادات الطلابية والمنظمات غير الحكومية كسلطة وليس كرجل اكتوى بنار السلطة المعادية لأي نشاط معارض، وهذا لاحظه البعض أثناء شغله لمنصب ناظر المعارف في حضرموت قبل الاستقلال وأثناء شغله منصب أول وزير للتريبة والتعليم في أول حكومة وطنية بعد الاستقلال، حيث اصطدم بافقيه مع اتحاد الطلاب الحضارم ثم مع الاتحاد الوطني لطلاب اليمن. ولعل بيانات الاتحاد الوطني واحداث 68، في ثانوية الشعب تؤكد حدوث مثل هذا الاصطدام، ولكن البعض يرى أن سبب الاصطدام هو اختلاف نظرته للمشاكل وهو مسؤول عن تعامله مع المشكلة وهو خارج دائرة صنع القرار.
4 – يظل الفقيد بافقيه شخصية متعددة المهارات وصاحب معرفة واسعة في مجال تخصصه وصاحب مهارة صحفية ومهارة قيادية في المنظمات غير الحكومية وفي كراسي السلطة. ولكن المهم أنه موسوعي المعرفة والأنشطة وصاحب وجهة نظر آذا أمن بها يظل يدافع عنها وحتى ولو خسر منصبه بسبب هذا الموقف.
ونسأل الله تعالى أن يتغمد الفقيد بافقيه بواسع رحمته وأن يجعل تراثه المكتوب وغير المكتوب مادة تنتفع بها الاجيال اللاحقة وخاصة وأن جوهر كل أعماله الإيمان بالعروبة والإسلام كوجهين لعملة واحدة وأن وحدتهما وتكاملهما اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وعلمياً هو السلاح الذي لا سلاح غيره لمجابهة التحديات التي تواجه الأمة العربية والاسلامية. لقد كان يبحث في وحدة تاريخ الجزيرة العربية كنواة للوحدة العربية الاسلامية.
* ورقة عمل مقدمة لحلقة نقاش حول بافقيه نظمتها كلية الاداب بجامعة عدن
*نشر في العدد (187) الموافق 11مارس 2009