«خلقة».. ذلك الحصن المنسي > نبيل قاسم
> نبيل قاسم:
هناك أحاديث كثيرة يمكن ان تقال عن السياحة في اليمن، فاليمن بلد سياحي بامتياز، سواء بتنوع أشكال العمارة فيه حتى على مستوى المدينة الواحدة، أم بتنوع مناخه حتى على مستوى اليوم الواحد، أم بتنوع ثقافاته حتى على مستوى اللحظة ذاتها. الغريب أن هناك طريق واحدة تتبعها وكالات السياحة، ولست أدري إن كان ذلك من حسن الحظ أم من سوء الحظ. ولكن، وعلى سبيل المثال، هناك تحفاً معمارية يتم المرور بقربها دون الالتفات إليها، بل يتم تجاهلها تجاهلاً تاماً، فجميع وكالات السياحة تأخذ افواجها إلى كل من: شبام، كوكبان، ثلا، حبابة دون ان تعرج على حصن «خلقة»، هذا الحصن المنسي والذي كان في يوم ما آخر قلعة من قلاع همدان. وقد يتبادر إلى الذهن: لماذا «خلقة»؟!
حصن «خلقة» يقع في منطقة بركانية، وهو مبني بحجارة سوداء وهذا ما يجعله مميزاً، أضف إلى ذلك ان هناك أماكن آهلة بالسكان، وجزءاً عبارة عن خرائب قابلة لإعادة الإعمار، وقابلاً للتحول الى متحف فهو نموذج لكثير من الحصون،حيث يمكن الدخول إلى كل منزل، يمكن رؤية السمسرة، والسوق القديم، والجامع القديم ببركته المزودة بغرف للوضوء، ستجد ايضاً عند زيارتك لهذا الحصن مخازن الحبوب، كل هذا محاط داخل السور الذي يشعر بالخجل من عدم قدرته على حماية هذا الحصن من الاصدقاء بعد ان حماه من الاعداء ولفترة طويلة.
حين شاهدت ذلك الدمار في حصن «خلقة» لأول مرة تذكرت مقطعاً من قصيدة للشاعر السوري نزيه ابو عفش يقول فيه:«إن هذا دمٌ ليس ماء لكي تغسلي قدميك وهذي التي يتناوبها الموت ليست ضرائب مطفأة إنها وطني» رددت هذا المقطع كثيراً وأنا اتجول داخل هذا الحصن المنسي من قبل وكالات السياحة ومن قبل الدولة بالدرجة الاولى. ويمكننا ان نعذر الوكالات السياحية التي تعتمد على طرق الحمير، حتى أنه يقال ان المدن القديمة من تخطيط الحمير، فالحمار يبحث عن الطريق السهل ويسير الناس بعده فيتشكل الطريق، لكن ذلك كان قديماً، أما أن يحدث ذلك في العصر الحديث، فذلك مدعاة للإستغراب، ونعذر الدولة ايضاً المهتمة بوزارات مثل السياحة والإعلام والثقافة، دون الاهتمام بما يمكن أن تقوم به مثل هذه الوزارات.. ولا تستغرب اذا سمعت ان هؤلاء الوزراء نزلوا إلى المدارس لإيقاف إضراب المعلمين، رغم أنه ليس من ضمن مهامهم.
إن عملية حصر مثل هذه المواقع وإعادة ترميم بعضها، وإرسال باحثين لدراستها، واستثمارها هي اهم بكثير من إضراب المعلمين المساكين الذين يطالبون بحقوقهم، كان الاولىأن يحضر هؤلاء الوزراء لأخذ المعلمين والطلاب لمشاهدة الكنوز التاريخية التي يزخر بها هذا البلد. وهذه فرصة لنقول إن إدارة هذا البلد بعقلية صاحب الدكان الذي يبقى في دكانه مدى الحياة دون إحداث أي تغيير فيها لم تعد ذات جدوى، فلا بد من وجود بحث علمي لإحداث اي تغيير أو تطوير، ولا بد من وجود إحساس بأهمية مثل هذه الأماكن. طبعاً هناك قرى كثيرة تعاني مثل ما تعاني قرية «خلقة»، وهناك ايضاً حصون كثيرة آيلة للسقوط، الالتفات لمثل هذه الأماكن قد يعود بفائدة على سكان هذه القرى، كمشاريع ا لمياه او الكهرباء او رصف طرقاتها بالحجارة، او فتح بعض المحلات التجارية، أي قد يعود جزء من الحياة إلى مثل هذه الاماكن، ايضاً قد تخلق بعض فرص العمل، كعمل بعضهم في الترميم، وعمل البعض في عمليات النظافة وكذلك عملية الحراسة. السكان الطيبون في هذه القرى بحاجة لاصواتنا.
لذلك اتمنى من كل شخص أن يُبلّغ عن مثل هذا الدماء عبر صحف المعارضة فهذا جزء من عملها، وحتى لا نسير جميعاً على طرق الحمير.
«خلقة».. ذلك الحصن المنسي
2006-04-27