كان هذا الصوت القوي والمستعجل كالعادة يصاحبه طرق على مقبض الباب الرئيسي للبيت أسفل الدرج، كفيلًا بأن يقفز البيت كله من مكانه وقت القيلولة والدنيا هدووووء بعد الغداء "عيشة أجت" انزلي يا موني سريييييع (ايمان) قبل ما تحنق وتروح والروتي معاها.
كانت عيشة عرور السيدة الصومالية التي امتزجت روحها النقية والجريئة بروح عدن. كانت رجلًا بهيئة امرأة (كي عررررر أحد يقدر يقول لها ربع كلمة داخل عدن)، شخصية جبارة وقيادية من الطراز الأول، يهابها الرجال، وتحبها وتحترمها النساء.
كانت الصديقة المقربة جدًا للعائلة، والمشجعة رقم واحد وبتطرف شديد لنادي التلال الرياضي حينها.

يوم المباراة بين التلال والوحدة أو بين التلال وشمسان، كان يوقع يوم جن على حافة القطيع كلها بسبب أصوات الأغاني وبوق السيارة الأوبل القديمة المدحملة ذات اللون السماوي، وهي تجوب شوارع القطيع بحماس منقطع النظير، وتكون عيشة عرور قد اندست بجسدها الثقيل والسمين من جراء الأكل الذي كانت تعشقه مع القوارمة والسمن الزيلعي، داخل سيارتها الأوبل، وكانت تقود بيد واحدة، واليد الأخرى كانت كل الوقت خارج إطار السيارة لتستخدمها تارة في التلويح للمارة، وتارة في الشتائم التي تخص الرجال لمن يعترض طريقها، بخاصة في رحلتها إلى السوق الطويل والزعفران، بسبب الازدحام.. كانت زبونة يومية وبانتظام لفرن الأغبري في الزعفران، تشتري منه كميات كبيرة من "الروتي الطوال"، وتمر بعدها لمحل الصوري لتشتري الحلوى. وأيضًا القات لا ينقطع لديها في عز حقبة الممنوع. لتمر على عدة بيوت كانت تعطف عليها عيشة كي توزع لهم الروتي والحلاوة في وقت القيلولة. ويا ويله الذي تمر عيشة تحت بيته وتناديه وما يرد عليها بسبب نومة راحت عليه. كانت تفحط بالسيارة وتحنق.

عيشة كانت مشجعة متعصبة لنادي التلال، ويوم المباراة كانت من صبح ربي تبكر تربط العصابة الحمراء على رأسها من فوق الملثمة الصومالي التي كانت تتشح بها كأسلوب حياة وليست كحجاب... "تييلال تيييلال تيييلال"، كانت بعلو صوتها تهتف، ولا ضير إن اصطحبت معها فوق السيارة مجموعة من الأطفال ليهتفوا بعلو أصواتهم من داخل السيارة: "تيلال تيييلال". وراديو عدن يصدح بأعلى صوت أيضًا من داخل السيارة يوم المباراة. إلى أن تأتي الساعة الثانية ظهرًا، لتمر عيشة على استعجال ممزوج بالفرح مع الخوف من خسارة التلال أمام الوحدة. تمر لتوزيع الروتي، ولتذكيرنا أيضًا بأن نشغل التلفاز لمشاهدة النقل الحي من يدري وقد نشاهد عيشة أيضًا وهي بين الجموع وسط المدرجات وهي تشجع وتقود شباب القطيع بالأغاني والهتاف بالتشجيع لفريقها الأحب إلى قلبها. وإن فاز التلال أيش عاد بهجع الناس ذاك اليوم من قشننة عيشة والعيال فوق السيارة. وكنا فعلًا نفتح التلفزيون لنشاهد المباراة، وكانت عيشة لا بد أن تنال نصيبها من التصوير يوم المباراة، وهي مرتدية الدرع والملثمة حق الصلاة والعصابة مربوطة برأسها وهي وسط الجموع تصيح وتلعن ضربات الترجيح. وعند عودتها من المباراة كانت تقضي بقية اليوم وهي تعد وتحصي الأخطاء التي ارتكبها الفريق الآخر ضد التلال، مع وابل من الشتائم والحنق والتحيز التام مع فريقها، وإن كان غلطان. ويا ويلك لو طرحت ملاحظة حول فريقها أو خطأ ارتكبه أثناء المباراة (الله شلّك.. الله جابك).
كانت روح حافة القطيع وقلبها النابض بالحياة والبهجة.. رحمة الله عليها.