ببعد أن سيطر الحوثيون على مقر التلفزيون بصنعاء، عشية تسليم صنعاء للحوثيين من قبل الرئيس الكارثة هادي، اتصلت بي قناة "السعيدة" تطلب مني التعليق على ذلك الحدث الخطير.
وقد اشتمل تعليقي تحميل الرئيس هادي المسؤولية لأنه تواطأ مع الحوثيين، وتخلي عن مسؤوليته، حين حيد الجيش ومؤسسات الدولة، ومنعها من التصدي لهم. بعد أن أنهيت تعليقي طلب مذيع القناة من أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء، والذي كان يستمع لحديثي، الرد على ما قلت. فانبرى الأستاذ الجامعي للدفاع عن الرئيس هادي، وقال إن من الخطأ تحميله المسؤولية، وأنه جنب الدولة الحرب، التي وصفها بأنها لم تكن حرب الدولة، وإنما حرب ضد طرف سياسي يريد من الدولة أن تحارب خصومه بالنيابة عنه.
وقد صدمني ما قاله الأستاذ الجامعي، ورددت عليه بالقول: إذا لم يكن من مهام الدولة -الدولة هنا بمعنى السلطة الحاكمة- الدفاع عن عاصمتها ومنع سقوط رمز سيادي كمقر التلفزيون، فما هي مهام الدولة؟ وتساءلت بتهكم: أريد أن أعرف ما هي مهام الدولة التي يدرسها أستاذ علم الاجتماع السياسي لطلابه؟
منذ أن توقف صرف مرتبات الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين، والأستاذ الجامعي، يطالب بشكل شبه يومي، الدولة بأن تصرف مرتباته ومرتبات الموظفين. ورغم شعوري بمعاناته وبقية الموظفين؛ إلا أني أجدها فرصة لأذكره بموقفه ذاك؛ فإذا كان حينها يجد أن ليس من مهام الدولة التصدي لعصابة تحاصر عاصمتها، وتستولي على رمز سيادي فيها، فعليه أن يقبل بأن ليس من مهام الدولة صرف المرتبات. فامتناع الدولة عن صرف المرتبات، أقل أهمية بكثير من امتناعها عن الدفاع عن عاصمة الدولة، والذي أدى إلى انهيارها.
ليس القصد من ذكر هذه الواقعة، التشفي بحال الأستاذ الجامعي، فأنا وكل اليمنيين، باستثناء تجار الحروب وتجار السلام، دفعنا ثمن سقوط الدولة بيد أمراء الكانتونات، الطائفية والجهوية، وإعادة التذكير بما قاله، وغيره، الهدف منه الاعتبار والتعلم من أخطاء كارثية ارتكبتها النخب اليمنية، ومازالت ترتكبها حتى اليوم. وأهم هذه الأخطاء التفريط بكينونة الدولة، التي تعني سيادتها ووحدتها ومركزها القانوني، نكاية بسلطة حاكمة سيئة أو طرف نختلف معه سياسيًا أو أنه ينتمي لمنطقة ما.
فتسليم صنعاء للحوثيين من قبل هادي، لم يكن صدفة أو غلطة، وإنما هو فعل مخطط له رُسم من قبل أطراف كثيرة على رأسها القوى اليسارية، التي ينتمي لها الأستاذ الجامعي. إذ رأت تلك القوى في الحوثيين، الذين أطلق عليها كبيرهم "القوة الفتية"، حليفًا موضوعيًا وفعليًا في تلك المرحلة، مهمته ضرب ما كانت تسميه "مراكز القوى" (عفاش، علي محسن، الإصلاح، بيت الأحمر). ولذلك الغرض تحولت القوى اليسارية في تلك المرحلة، إلى طابور خامس للحوثيين، فصورت تمدد الحوثيين العنيف باتجاه صنعاء بأنه صراع مع "مراكز القوى"، وعارضت وقوف أجهزة الدولة ضد ذلك التمدد، واعتبرته، كما قال الأستاذ الجامعي، ليس من مهام الدولة.
ونتيجة لذلك، دخل الحوثيون صنعاء دخول السواح، وتم استقبالهم بحفاوة بالغة في القصر الرئاسي، وقامت أطراف عديدة بالاحتفال بمقدمهم، بعد أن رأوا خصومهم منهزمين أمام الحوثي. وكان موقفهم هذا شبيهًا بذلك الذي احتفل بحريق داره لأنه تخلص من الكتن (البق).