ليزا وراء القضبان للشهر الثامن.. أحكام عرفية في سجن إب وعضو نيابة يمارس صلاحيات النائب العام
ما تزال «ليزا» عالقة في السجن المركزي بمدينة إب للشهر الثامن.
ليزا، 17 سنة، اللاجئة الصومالية المتهمة بالإختلاء (!) محبوسة احتياطياً بقرار من صالح شرف عضو نيابة جبلة.
بعد نحو 7 شهور من رميها في بحر النسيان الذي لا يعدو كونه زنزانة مظلمة بلا عمق ولا أفق، في السجن المركزي، دبَّ النشاط في الخلايا الدماغية لعضو نيابة يشتغل طبق قانونه الخاص، فتذكر أن عليه إحالة المتهمة المزعومة إلى المحكمة. وهو رفع ملف قضية «ليزا» إلى نيابة المحافظة توطئة لتحريك الدعوى قضائياً.
الحق أن ذاكرة عضو النيابة ليست مسؤولة عن جريمة حبس فتاة صومالية لفترة قياسية، بالمخالفة لكل الشرائع والقوانين.
ليست الذاكرة وإنما المذكور أعلاه الذي نفذ قانونه الخاص بحق لاجئة بريئة معدمة تكاد أن تنهار جسدياً ونفسياً جراء القهر الذي تخيم داخله منذ 8 شهور، وبسبب الاجراءات الاستثنائية المتخذة بحقها من قبل مدير السجن المركزي في إب، الذي على ما يبدو يصنفها في فئة المجرمين الخطرين، حد منع زيارتها من أي متعاطف، و(الأنكى) منع محاميتها إلهام سنان من زيارتها لأسباب متصلة بضميره المهني!
هل نعيش في ظل إقطاعيات الفرسان الأقنان؟ قصة «ليزا» تؤكد ذلك.
علاوة على الكبْر المرضي وغيرها من العقد الخبيئة والغرائز المنفلتة حيال كائن أعزل ضعيف غير محمي بعصبية من أي نوع، وهو في هذه الحالة ليزا اللاجئة المعدمة القاصرة التي استدرجت من صديقتها إلى منطقة شائكة، فإن عضو النيابة لا يساوره شك في تعرضه للمساءلة، ولذلك فقد رمى بالفتاة في السجن كمن يتخلص من نفاية.
لم تكن ذاكرته في إجازة عندما تركها هناك عرضة للضغوط والأخطار النفسية والعصبية والجسدية، بل القانون الذي تم صرفه من الخدمة في نيابة إب وفي السجن المركزي. وإلا لماذا لم تنشط خلايا ذاكرة عضو النيابة وهو يستمع على مدى اسابيع وأشهر لتوسلات زعيمة (والدة ليزا) وفاطمة (أختها التي تكبرها بعامين). كان الضمير نائماً وكان القانون في إجازة. وفقط عندما نبهت «النداء» إلى حياة تذوي وأسرة تتداعى يأساً وفاقة، تحرك عضو النيابة، ولكن في أي اتجاه؟ في الاتجاه عينه: قصم ظهر القانون قبل سحق آدمية ليزا.
حتى مساء الاثنين كان عضو النيابة (الفارس المبجل) يرفض إطلاق سراح ضحيته بمبرر من القول بضرورة تقديم ضمان من الغير يكفل حضورها جلسات المحكمة.
هاهو يواصل، كما نرى، تفعيل قوانينه الخاصة وإنفاذها على مرأى من رؤسائه.
يريد أمير جبلة وفارسها المبجل أن يضمن حضورها جلسات المحاكمة، ولعل كثيرين يودون أن يضمنوا حضور ليزا جلسات المحاكمة شريطة أن يكون القابع في القفص أحد أولئك الذين أجرموا بحقها.
يقرِّر القانون الحبس الاحتياطي كإجراء استثنائي لغرض تحقيق السلامة القانونية لإجراء التحقيق حال قيام الموجب لذلك.
وفي حالة ليزا، يؤكد المحامي نبيل المحمدي، لا يوجد أى مسوغ قانوني لحبسها، إذْ «ليس هناك إدعاء بمستحقات مالية قبلها، مثلما لم يكشف التحقيق عن وجود واقعة جرمية جسيمة تسوِّغ الحبس الاحتياطي ناهيكم عن استمراره لأمد قوامه 8 أشهر».
وبشأن التبرير المقدم من النيابة لاستمرار حبس ليزا، والمتمثل بضرورة قيام وتحقيق ما يكفل حضورها جلسات المحكمة، فقد اعتبره المحمدي تبريراً لا يمثل مسوغاً قانونياً لهذا الحبس، «إذ فضلاً عن كون المتهمة صاحبة محل إقامة معلوم للنيابة، فإن كفالة حضورها جلسات المحاكمة تتمثل في ما يقرره القانون من إجراءات ضبط وإحضار تجاه المتخلف عن حضور الجلسات».
المحمدي تساءل: «ماذا لو لم يتم تقديم هذا الضمان، هل ستستمر (ليزا) رهن الحبس إلى ما يشاء وكيل النيابة».
طبَّق عضو النيابة، ومن هم على صورته، قانونهم الخاص، لكن قانون الإجراءات الجزائية لا يبيح لهم حبس ليزا احتياطياً أكثر من أسبوع، ففي الجرائم غير الجسيمة التي لا يزيد الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها عن سنة واحدة كما في حالة ليزا، فإن القانون يوجب على النيابة الإفراج عن المتهم الذي له محل إقامة معروف، بعد إنقضاء مدة أسبوع من حبسه.
كان عضو النيابة قد كيَّف جرم ليزا على أنه «اختلاء»، لكن مصادر قانونية في إب كشفت عن إرباك في دوائر النيابة بعدما بدأت تتضح معالم المأساة التي تعيشها ليزا وأسرتها جراء خرق القانون. لكن هؤلاء المربكين لم يسارعوا إلى وضع حد لمعاناة الضحية، بل رضخوا لقوانين «إقطاعية جبلة» فيما يشبه التواطؤ الذي يتخفى وراء شعار «إعلاء روح الزمالة»!
في حال افترضنا أن عضو نيابة جبلة ورؤساءه «صنفوا» المدعوة ليزا كمجرمة خطيرة، ماذا يقرِّر القانون بشأن حبسها إحتياطياً؟
قانوناً فإن من حق عضو النيابة أن يقرر حبسها اسبوعاً فقط. إذا انقضى الأسبوع وعضو النيابة لم يستكمل التحقيق في الواقعة الجرمية للمتهمة, فإن قانون الاجراءات الجزائية يلزمه بأن يتقدم بطلب الى قاضي الموضوع لتمديد حبس المتهمة فترة إضافية. ويمكن لقاضي الموضوع أن يقرر تمديد حبس المتهمة لمدة لا تتجاوز 45 يوماً.
لنفترض أن عضو النيابة المثابر والحريص على سلامة وأمن مواطنيه، وعدم تأثر تحقيقه بأية عوامل مترتبة على الإفراج عن ليزا الخطرة، فإن القانون يمنحه الحق حال لم يستكمل التحقيق، في عرض الموضوع على رئيس محكمة استئناف المحافظة للتقرير بالتمديد لمدد لا يزيد الحد الأقصى لكل منها عن 45 يوماً، شريطة أن لا تتجاوز هذه المدد فترة 3 أشهر.
لنواصل الحياة في العالم الافتراضي، فقدَّر عضو النيابة الممسوس باحتمالات التشويش على تحقيقه الدقيق والمعمق في حال تم اطلاق سراح ليزا بعد أكثر من 3 أشهر، فإن القانون يعلمه في هذه الحالة باللجوء إلى شخص في العاصمة يسمونه النائب العام لعرض امكانية المطالبة بتمديد حبس ليزا.
إيغالاً في العالم الافتراضي، قد يقتنع النائب العام بمبررات مرؤوسه الغيور على أمن المجتمع وسلامة التحقيق، فيقدِّر أن اجراءات التحقيق تقتضي مد حبس ليزا مدة إضافية. في هذه الحالة يوجب القانون على النائب العام أن يحرر طلباً إلى محكمة استئناف إب لتقرير مد الحبس الاحتياطي. لكن النائب العام غالباً ما يكون غارقاً في القضايا، ولذلك فإن القانون يجيز له أن يخوِّل تحرير طلب مد حبس المتهمة الخطيرة، لرئيس نيابة استئناف محافظة إب، وليس لعضو النيابة المبجل.
بعد هذا المسار المحدد بدقة، فإن القانون يقرِّر بلغة قطعية لا تحتمل التأويل عدم جواز ان تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي لدى النيابة في الجرائم الجسيمة، 6 أشهر.
لا يظهر في ملف قضية ليزا أي من هؤلاء الذين يخولهم القانون حبسها احتياطياً أو تمديد حبسها، لأن عضو نيابة جبلة كلي القدرة، وربما فكر أن إقحام هؤلاء في ملف «ليزا» من شأنه التشويش على سلامة تحقيقه! ربما.
والسؤال الماثل: متى انتهى هذا «الكلي القدرة» من تحقيقه؟
الأرجح قبل 7 أشهر، لكنه مدَّد حبس ليزا مراراً، ولم يبال. وعندما أثارت «النداء» فضيحة العدوان السافر على القانون، أخرج آخر تقنية تحقيق من جعبة قانونه الخاص: «لإطلاق سراح «ليزا» يتوجب وجود ضامن»، قال الغيور على سلامة الاجراءات، والممسوس بخطر هروب ليزا.
في محافظة إب توجد إقطاعية أخرى، هي سجن إب الذي يرفض مديره السماح للمحامية إلهام سنان بزيارة موكلاتها. وكان في هذا العزاء للزميل ابراهيم البعداني مراسل الصحيفة في إب الذي أفشل المدير كافة محاولاته لزيارة النزيلة الخطيرة ليزا، ابنة السابعة عشرة، المنهارة نفسياً، المصابة بتقرحات في جسدها، التي تعاني من علل في جهازها الهضمي بسبب الوجبات الغذائية الصحية للسجن، وبسبب حظر إدخال أي طعام إليها باستثناء أيام الزيارات.
لكن من يجرؤ على زيارة ليزا في ظل الأحكام العرفية التي أعلنها أمير السجن؟ لا أحد، إذ ما الذي يضمن أن لا يصدر المدير مرسوماً جديداً اثناء الزيارة يقضي بحبس الزائر احتياطياً لقيامه بتسريب أسلحة فتاكة أو إدخال جهاز تنصت يخرق النظام الأمني والغذائي للسجن؟
قبل 3 أسابيع نشرت «النداء» قصة ليزا، آملة أن يبادر مدير السجن وعضو النيابة إلى تجميد العمل بقوانينهم الخاصة، تفادياً للفضيحة، لكن الرجلين على ما يبدو، ينعمان برعاية رؤسائهم.
لا يبدو أنهما سيطيلان المكث في النعيم، إذ أن منظمات حقوقية محلية ودولية بدأت تلتفت إلى ضحايا «المنطقة الخضراء»، فإلى الصحافة، تدخَّل منتدى الشقائق العربي موكلاً إلى المحامية إلهام سنان متابعة الملف. وعلمت «النداء» أن منظمة أوكسفام الانسانية المعنية بالحماية القانونية للاجئين، شرعت في متابعة حالة ليزا. ومساء الاثنين أبدى المحامي محمد الجداوي تطوعه للدفاع عن ليزا ووضع حد للجحيم الذي أرسلها إليه عضو نيابة مثابر وقوي الذاكرة، ومدير سجن لا يخاف «في قانونه الشخصي» لومة وزير!
* تفاصيل سابقة
ليزا وراء القضبان للشهر الثامن.. أحكام عرفية في سجن إب وعضو نيابة يمارس صلاحيات النائب العام
2006-12-26