«أحبائي» عمل غنائي جديد لجوليا بطرس.. في مديح نصر إلهي.. - جمال جبران
(1)
أود جوليا بطرس وغناءها. في مجمله ما يحب الحياة ويحرض على عيشها والرواح إلى آخرها بلا أية تنازلات. صوتها أشعره منا، متحدثا في أحلامنا، قصصنا، هواجسنا وتقاطعاتنا مع العالم والمحيط كما وغير ذلك كثير.
يلفتني لا ارتكانها على الصوت فقط وعلى بداعته، هناك وقوعها على ما يمنحه اكتماله النهائي. انغلاق الدائرة على عناصر العمل الفني كافة ولذا قلَّ ما يُمسَك عليها من هنة أو ارتكاسة. هي تعلم أن الصوت لا يكون في نهايته الباذخة بغيرما اندماجه في المادة التي يشدو بها كما والاطار التي تتخمر بداخله. لا يكون الصوت سوى اختبار وتجريب للمضمون الذي يلقيه ويعتمل في داخله وإلا صار كالشائع والمستهلك. وتفعل هذا في غنائها «الوطني الملتزم» كما العاطفي، ما يهم فقط هو الغناء بصدق وعاطفة لكن بشرط ان لاتفعل هذه الأخيرة إثقالاً على العمل الفني له أن يحيد به في اتجاهات متباعدة وربما دخوله في تناقضات التأويل وتعدد القول حياله. فيما يخص العمل الوطني «السياسي» وبحسب أدورنو حري على العمل الفني أن يكون تقدمياً من الناحية السياسية، عليه أن يعبر عن المعاناة دونما اندفاعه بقوة نحو العاطفة أو شدة الانفعال بالتسامي.. وهنا المقصد.
(2)
كثير من إنجاز جوليا العاطفي والسياسي على حد سواء مخزون في الذاكرة. صار كلاسيكياً على الرغم من حداثة سنها وقصر عمر التجربة. قفز سريعاً كيما يصبح في سياق المرجعية الفنية والتنويه حال الحديث عن أنماط فنية بعينها.
بداية من يا قصص وليش الحب الأول.. وين مسافر.. القرار، على شو، وليس انتهاء.. بشمس الحق.. وماعم بفهم عربي كتير.. وأنا بتنفس حرية ما تقطع عني الهوا.. كل هذا صار ممتنعاً على النسيان والارشفة واقفاً في الحضور واليومي والمتكرر على طول. لا نقفز هنا على عامل المختبر الذي تدخل فيه جوليا أعمالها قبل إصدارها نهائياً، تعمدها أخذ الوقت بكامله حتى يكون الخروج كما ينبغي، إذ والمعمول في السرعة يندثر ولا يبقى كثيراً.
(3)
لكن في عمل جوليا بطرس الجديد «أحبائي» المستوحى من خطبة لأمين عام حزب الله حسن نصر الله لجنوده المقاومين في حربهم مع اسرائيل منتصف العام الجاري. كما ولنصرهم «الإلهي» في هذا العمل نقع على ما يستحق التنويه ويستوجب الإحاطة.
هناك أولاً أمر خروج جوليا على عادة وضع العمل في مختبر الوقت وغرفته. هذه المرة كان خروجا «أحبائي» سريعاً كما ولمواكبة حدث بغية التعليق عليه والشد من أزر فاعليه أو المتسبب في إنتاجه. هي غنت الوطني الملتزم بقضية ما في مرات ومرات سابقة. لكن ذلك كان يقع في السياق العام والفكرة المفتوحة مقبولة التطبيق على الفضاء الانساني على عموميته واتساعه. هذه المرة هناك مناسبة مكشوفة وآنية كما وصاحبها. هو الوقوع في غرام كلام مخطوب على منبر:
«لفتني في خطاب السيد حسن نصر الله وجدانه، لم يكن السياسي الذي نعرفه أو رجل الدين، كان الأب والأخ والصديق. أثر فيَّ.. لفتني بدموعه، بنبرة صوته التي ارتجفت وهو يخاطب المقاتلين قائلاً: أنتم السادة وأنتم القادة. لا سيما أنه في نظرهم تلك الهالة والصورة العظيمة. شعرت كم كان كبيراً بتواضعه» قالت جوليا لـ«السفير» عدد 10 من الجاري.
في هذا السياق نذكر غناء ماجدة الرومي في ألبوم «مع جريدة» أغنية «سقط القناع» أو «حاصر حصارك لا مفر» من كلمات محمود درويش. ثم تجيير الأغنية لصالح قائد الجيش اللبناني حينها ميشيل عون في العام 1989 حال حصاره في قصر بعبدا. ماجدة الرومي لم تؤكد أو تنفى كون ما غنته رسالة تحية لميشيل عون، ظلت في صمتها القريب إلى التأكيد. عليه صارت الأغنية مجيرة لصالح طرف ضد آخر. وبالتالي كان فقدنا توصيفها كعمل قافز على الطائفية وأمراضها. في المقابل لا نجد هذا في أعمال مارسيل خليفة وأحمد قعبور، وسميح شقير وخالد الهبر وزياد الرحباني حتى وإن كانت في أعمالهم مسحة أيديولوجية لكنها لا تفلت أبداً من دائرة الانسان وغير المخصص لفئة أو طائفة بعينها.
(4)
في «أحبائي» جوليا بطرس لا نملك حيادنا. الفكرة والتصريح بها قبلاً وحتى طريقة تنفيذها تصويراً كل هذا يجعلنا نستمع ونرى وفي الخلفية يرتكز حسن نصر الله أمام منبره خطيباً. الاغنية مستوحاة من كلماته ومرسلة لرجاله الذين لا يتردد في إعلان تقبيله أقدامهم التي «بها يتشرف الشرفُ».
لا يمكن هنا سلخ الأغنية من كل سياقها هذا واعتبارها أغنية للمقاومة وبشكل مطلق. هي لمقاومة بعينها، ولجماعة بعينهم ولطائفة بالاسم والهوية.
وحتى في مناسبة تنفيذ الاغنية تصويراً يتأكد الشيء ذاته وعينه. تختار جوليا أرض الجنوب الخارجة من حرب ال33 يوماً برفقة أطفال عائدين إلى الأرض التي هُجروا منها إثر إندلاع حرب اسرائيل وحزب الله الأخيرة.
تظهر جوليا بطرس بثوب أسود طويل غير كاشف لعورة. كان ينقصها ارتداء الحجاب كيما تكتمل عناصر الأغنية الاسلامية. لعل قناة «المنار» التابعة لحزب الله تسمح ببثها على شاشتها. لكن «المنار» لا تبث الاغاني أصلاً، هو نوع من أنواع مجاهدة النفس الأمارة بالسوء وتجنيبها أمر الوقوع في محظور ما حرم الله.
وبثوبها الأسود ذاك تتحرك جوليا بطرس على مساحة خضراء مفتوحة برفقة عدد من الأطفال، نلحظ منهم فتاة لا يبدو تعديها سن العاشرة وترتدي حجابها. نجد صعوبة في ايجاد مبرر لهذا «الحجاب الإسلامي» وسط تلك البراءة الطفولية التي تتسابق على تلك المساحة الخضراء المفتوحة وبينهم جوليا. لا يبدو أن هذا الأمر جاء عشوائياً وأن اختيار اولئك الاطفال كان عفوياً. هل كانت جوليا وهي تقوم بتنفيذ عملها تصوب نظرها نحو هدف بث «أحبائي» على شاشة «المنار» في كسب لحالة غير مسبوقة. تساؤل فقط.
(5)
نقطة أخرى.
بين عمل «نرفض نحنا نموت» الأغنية المنشدة للحياة وأسبابها وبين «أحبائي» و «أُقبِّل نُبل أقدام بها يتشرف الشرف» تنحاز جوليا هذه المرة للموت والاقدام النبيلة التي تذهب إليه فداء للقائد السيد والوطن بلا بكاء وبلا رجفة. تتنصل جوليا هنا من أهم المبادئ التي طالما غنت لها، انحيازها للحياة. لكن ربما تنظر جوليا للأمر من زاوية مغايرة، الاشتغال على فكرة التمييز بين الموت العادي وبين الموت في المقاومة.مع أن كلاهما موت وغياب غير أن الثاني شهادة «ربما تلتقي أحياناً ثقافتا الموت والمقاومة... لكن الموت لا يلتقي مع المقاومة. أنا، بلباسي الأسود، وفي الكليب ككل، أردت ربما أن أبين اعتزازاً بالشهادة إذا ما اقترنت بالمقاومة، ممكن أن تكون هذه هي الرسالة تقول جوليا.
(6)
كل ما سبق ولم ندخل كتابة في صلب العمل الفني «أحبائي» مسألتنا ومقصدنا هنا، رحنا في الكلام عن ظروفه وما وراء خروجه الينا وغفلنا عنه هو.
دليل على وضوع حجم طبق السياسي الطائفي المنحاز المُجَّير الذي أتى «أحبائي» عليه إلينا. كم سيأخذ هذا من قيمته؟
هل سيبقى في الزمن كغيره من أعمال جوليا الفائتة أم يتوه في النسيان؟ أسئلة وتساؤلات أخرى معلقة على طرف اللسان. حالة من رجحان كفة الطائفي على الفني، حالة أكيدة ولا يمكن الافلات من ثقلها، وتتعاظم والحالة جوليا بطرس.
ما كان أغناها!!
jimy
«أحبائي» عمل غنائي جديد لجوليا بطرس.. في مديح نصر إلهي..
2006-11-16