في استعادة النظام بن شملان:
قال إن الاحتجاجات إذا اتسعت في الشمال فإن التغيير في إطار الوحدة سيطغى على أي خيار تفكيكي
أعتبر الجوع أبرز خطر، ونظام صالح ليس لديه أية رؤية مستقبلية، كما أن الناس مستاؤون، والدولة لا تأتي إلا بالسيئين
فتحي أبو النصر
تقول قاعدة برمجية [في حالة عدم ثبات النظام لديك، استخدم "استعادة النظام" لاستعادة الإعدادات إلى تاريخ سابق].
عملاً بذلك المنطق إلى حد كبير لم نجد في الظروف السياسية الراهنة سوى استعادة الحكيم المحق في تقديره المرشح الرئاسي الراحل فيصل بن شملان، حيث إن اللحظة الظرفية على كافة المستويات تحتاج برمجة وطنية عاجلة.
عبر حوار كانت تفردت به "النداء" معه قبل سنوات ثلاث بالضبط، أشارت إجابات الراحل الكبير حول عديد قضايا هامة –مقارنة باليوم- إلى أن الزوايا في الشأن السياسي اليمني قد تتعدد مراراً، ولكنها لا تختلف.
ببصيرته السياسية المحنكة، وميزته في الملمح الوطني الذكي، كان قد أكد لـ"النداء" أن المحافظات الشمالية لن يحركها إلا قادة المشترك، مبدياً خشيته أن يسبقهم الجوع. كما أوضح الحكيم بن شملان أن أحزاب المشترك ترددت كثيراً، وعليها بالتالي أن تتجاسر وتخرج للدفاع عن الناس.
أضاف حول نتائج الانتخابات ومشاعر الناس تجاهها أن "الناس لم تقتنع بالنتائج، والمتقاعدون بدأوا بمطالب حقوقية، ثم أعلنوا مطالب سياسية. ولأن النظام سد الطريق أمام التغيير بدأت حركة الاحتجاجات في الجنوب كنتيجة مباشرة لاهتزاز الثقة في الانتخابات".
وزاد أن "الناس عموماً مستاؤون مما يجري. فالدولة لا تأتي لهم إلا بالسيئين. هؤلاء المسؤولون السيئون نهبوا الأراضي، وتجاهلوا الحقوق، وعطلوا القانون والقضاء، وصار الناس في حيرة، وأي شخص يعبِّر عن معاناتهم بنبرة عالية سيجد الناس معه".
بن شملان الرائي الذي عاهد ضميره الوطني كان أيضا قد جاهر في غمرة غليان الأصوات المنادية بشعار فك الارتباط –مع المقارنة بما يحصل اليوم من انتشار شعار يسقط النظام بديلا عنه- أن "الوضع كله سيتقرر بناءً على ما سيحدث في المحافظات الشمالية. مستقبل البلد وما إذا كان سيظل موحداً أم سيتفكك رهن بما سيحدث في المحافظات الشمالية. إذا اتسعت الاحتجاجات في هذه المحافظات فإن التغيير في إطار الوحدة سيطغى على أي خيار تفكيكي، سواء أكان إلى جنوب وشمال أم أي انقسام آخر".
ومع ارتباكات المشهد السياسي اليوم إزاء الثورات الشبابية السلمية، وتذبذب أحزاب المشترك في الانتماء الحاسم لها، كان قد قال عن هذه الأحزاب في الحوار ذاته كأنه يقرأها الآن: "ترددت كثيراً، ربما لأنها لا تريد أن تورط الناس (في احتجاجات واسعة)، ثم لا تستطيع السيطرة على الشارع. كان المفروض أن تتجاسر وتلتقط الشعور الحقيقي للناس".
وأضاف "هذه الأحزاب جزء من الناس، ولا أتصور أنها لم تكن تدرك معاناتهم.. هي مقتنعة، لكنها ترددت كثيراً، تحسباً للقمع الذي قد يستخدمه النظام. كان من واجبها أن تُقدم للتعبير عن احتياجات الناس. وأعتقد أنها كانت أقل جسارة مما يجب..".
بن شملان كان أبدى موقفه المشجع لقيام ملتقيات في المحافظات الجنوبية حينها على اعتبار أنها ستحفظ الأمن في حالة الانهيار والتفكك، وقال: "في مظالم في الجنوب، وسوء إدارة، لكن كيف تحل هذه المشاكل؟ ليس لدى الناس ثقة في النظام. وإذا لم يحدث تغيير فإن الناس ستصطف مع أي شخص يخرج لتبني مطالبها، لكن إلى أين سيأخذهم في النهاية؟ هذا لم يناقش بعد. دعنا ننتظر الهيئة التي ستأتي من خلال ملتقيات المحافظات. أنا شخصياً من المشجعين لقيام ملتقيات في المحافظات، لأنه إذا حدث -لا سمح الله- تفكك، فإن محافظات لا يوجد بها سلاح، كحضرموت وعدن، ستعاني كثيراً بسبب غياب الأمن. لا ننسى أنه عندما تحصل اضطرابات يتم نهب المدن فورا.. أرى أن هذه الصيغة ضرورة، تحسباً لوقوع اضطرابات في نهاية المطاف. الملتقيات ستكون قادرة على أن تؤمن السلام والأمن للناس".
وعن أحد ملامح حنق الناس في عدن تحدث بن شملان لمحاوره رئيس التحرير الزميل القدير سامي غالب، عن ممارسات وتصرفات ضارة تحدث هناك منها أن "عدن هي المحافظة الوحيدة كمدينة تجارية، أهلها يعيشون على الوظيفة. سجلاتها مضبوطة، ولذلك صار التقاعد كله مركزاً في عدن، لأن الآخرين سجلاتهم غير مضبوطة، لا تواريخ ميلادهم ولا سجلاتهم الوظيفية. أهلها عانوا كثيراً، لأن عدن مدينة تعتمد على الحركة التجارية وعلى الوظيفة العامة. الحركة التجارية جامدة والوظيفة انتهت. حنق الناس هنا مبرر، وهم لا حول لهم ولا قوة. وعلى الأحزاب السياسية أن تأخذ هذه المعطيات في الاعتبار. هذا شعور موجود، لكنه لا يصلح أن يكون رداً على المظالم الموجودة في عدن".
الحق أن بين الجنوب والشمال تحضر شخصية فيصل بن شملان كتمثيل للوطن. وكان قد استطرد في شرحه عن الأوضاع والمظالم الوطنية، وصولا إلى المعالجات التي يطرحها النظام بالقول "في كل المحافظات، في إب وتعز والحديدة والمحويت وحجة ومأرب والجوف، اطلعت على الأوضاع في هذه المحافظات، ولم أورد صعدة وريمة، وهؤلاء أوضاعهم أسوأ مما يتصور أحد. توجد مظالم في الجنوب، وتوجد مظالم في البلد كله. ما يقول الجنوبيون هو أن المحافظات الشمالية ساكتة وراضية بالظلم الواقع عليها منذ فترة طويلة، ولكن لماذا نرضى نحن؟ هذا كلام صحيح، لكن الدعوة إلى كيان جنوبي هي فكر ضد كل المفاهيم الحداثية. كما أن أي انفصال سيعني نسف القاعدة الاقتصادية للبلد كله. هناك كثافة سكانية في جهة، وأرض واسعة في جهة أخرى، ولا تتوفر إمكانية قيام دولة، لا في الشمال ولا في الجنوب. القضية الاقتصادية هي الأهم في ما يجري، ومن كل ما يجري. الحرب في صعدة كما الأزمة في الجنوب ستجدان حلولاً سياسية، لكن ماذا ستفعل حيال الجوع الذي ينتشر كل يوم. إن لم تعالج القضية الاقتصادية فلن تجدي أي حلول. الوضع الاقتصادي هو أبرز خطر يتهدد مستقبل البلد. وتحت وطأة الجوع فإن البلد قد يتجزأ إلى أجزاء صغيرة. والنظام الموجود ليس عنده أية رؤية للمستقبلـ".
في السياق قال الرجل بلغة [الغضب النبيل] "أنا متشائم جداً. يُقلقني الوضع الاقتصادي للبلد، وأرى أنه سيكون عامل انفجار لا يمكن السيطرة عليه، لم يستفد النظام من الفترة 1995 - 2004. كل الفرص بُدِّدت: النفط، المنح، القروض. وطاقته الآن على مواجهة الاضطرابات محدودة جداً، لأن موارده ضئيلة. هذه مسألة مقلقة، ومن شأنها أن تسرِّع في ظهور خيار تفكيكي لا أحد يستطيع السيطرة عليه".
أما عن توقعاته حينها من الرجل الذي ما زال يشغل الموقع التنفيذي الأول (الرئيس) لتدارك الانزلاق إلى التفكك وانهيار المؤسسات السياسية، اكتفى رئيس جمهورية الحالمين بالتغيير خلال انتخابات 2006 بالتشديد على أنه "إذا أراد أن يفعل شيئاً، (فعليه أن) يدعو إلى مؤتمر وطني جامع تحضره القيادات في الخارج، وكل الفعاليات الموجودة والقيادات السياسية، بما فيها تيار إصلاح مسار الوحدة وجمعية المتقاعدين والحوثيون، والشخصيات الاجتماعية. هذا المؤتمر مهمته (أن) يخرج بقرارات ضرورية تكون أسساً، وهي: انتخابات نزيهة، حريات عامة، شفافية، فصل الحزب الحاكم عن الدولة. هذه يجب أن تنفذ حالاً. في قضايا أخرى قد لا يكون فيها توافق فتؤخذ بالأغلبية مثل النظام الاقتصادي، مظالم المحتجين، قضايا عقائدية مثل الحركات الدينية سواءً أكانت "اثنا عشرية" أم صوفية أم سلفية، وحرية الناس هؤلاء في أن يقولوا ما يشاؤون، ولكن بشكل منظم وفي ظل قانون. ما يخص المظالم ونهب الأراضي، فهذه ينبغي أن تعالج فوراً. لا يوجد منقذ من الانهيار إلا هذا المؤتمر الوطني".
في استعادة النظام بن شملان:
2011-02-28