إخفاق مكلل بتقرير الأداء وكلمة توضيحية يتخللها هجوم مفاجئ
لم تنجز الحكومة سوى 62% من خطتها السنوية، ونسبة 11% من برنامج رئيس الجمهورية
إخفاق مكلل بتقرير الأداء وكلمة توضيحية يتخللها هجوم مفاجئ
هلال الجمرة
صاغت الحكومة تقرير أدائها لعام 2009 في كتاب ضخم، لا يتواءم مع نسبة الإنجازات التي حققتها. لقد أخفقت الحكومة في تحقيق جزء كبير من خطتها. وأكد هذا علي مجور، رئيس الوزراء، في كلمته أمام مجلس النواب، السبت الماضي، على أن حكومته لم تنجز سوى 62% من خطتها السنوية. وعلاوة على تراجع إنجازاتها عن السنوات ال5 الأخيرة، لم تنجز الحكومة غير 11% من البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية.
وقال مجور إن حكومته أنجزت 11% خلال السنة الماضية من البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية، لتصل النسبة في الفترة 2006 – 2009، إلى 43% من إجمالي فترة تنفيذ البرنامج الممتدة إلى عام 2013.
وفي كلمة ألقاها أمام النواب لاستعراض تقرير الأداء على المجلس، أقحم مجور فقرات كاملة لمهاجمة المعارضة والتعريض بها، واتهامها بالتكسب السياسي من العمليات الأمنية ضد "تنظيم القاعدة وعناصر التمرد الحوثي، والعناصر الخارجة عن القانون في الجنوبـ". مصنفاً الأحزاب السياسية المعارضة كأبرز التحديات التي تواجه البرامج التنموية، إلى جانب القاعدة والحوثيين والفعاليات الاحتجاجية في الجنوب، التي يصفها مجور بأنها عناصر خارجة عن القانون.
لم يكن السياق مناسباً لهجاء المعارضة؛ فالكلمة ليست خطاباً سياسياً، كما أن توقيت الهجوم ليس مناسباً. فخلال استعراضه لأبرز التحديات التي واجهت الحكومة عند التنفيذ، أقحم الأحزاب السياسية ليبدي أسفه مما وصفه بـ"التكسب السياسي من قضايا القاعدة وغيرها"، مطالباً إياها بـ"التفريق بين المصالح الذاتية الآنية والعمل السياسي".
اتسمت كلمة مجور بالتخبط والتضارب، فعقب إشادته بدور البرلمان، وإظهاره سمة الترفع في علاقة حكومته مع البرلمان بتأكيده أنها لا تقوم على منطق الغلبة قدر ما تقوم على الاحترام "وتأخذ بعين الاعتبار التعدد في الاتجاهات السياسية التي تشير إلى وجود معارضة برلمانية"، بدا مختلفاً في الأفكار والتفكير، وهاجم المعارضة وبدا كما لو أنه يدعو للتفريق لا للتوفيق، فقال إن مواقفها حيال التحديات الأمنية "غير منطقية ولا تخدم المصلحة العامة كونها تتهم الحكومة في الوقت نفسه بالتقصير في أداء واجبها تجاه تطبيق القانون وإحلال الأمن والاستقرار". موضحاً "أن حكومته تعاملت مع تلك المواقف بنفس طويلـ"، داعياً إياها "للرقى بمواقفها من الجانب السياسي النفعي الضيق إلى المصلحة العليا للبلد، وتأمين ظروف وعوامل التنمية الشاملة".
الدكتور علي مجور، الذي أراد أن يضع بصمة تميز حكومته عن الحكومات السابقة بإعداده تقرير أداء لكل عام، فشل في وضع بصمة أداء مغايرة لمن سبقوه. ويتهمه النواب بأنه يحذو حذو من خلفهم، بل أسوأ في الجانب الأمني، فالبلد لم يشهد انفلاتاً أمنياً مثل ما شهدته في عهده.
وبرغم الانفلات الأمني في عدد من المحافظات والنشاط الواسع لتنظيم القاعدة، إلا أن رئيس الوزراء قال إن حكومته تمكنت من تضييق الخناق على تنظيم القاعدة وموارده المالية والحد من عملياته الإرهابية وقتل عدد من أعضائه وإلقاء القبض على عدد آخر. كما يؤكد على "استكمال التواجد الأمني في جميع المديريات والتوسع في إنشاء المناطق الأمنية لدعم ومساندة أمن المديريات". الأمر الذي كان مدعاة للسخرية وسط النواب في رؤيتهم التقطع والنهب والقتل في عدد من المحافظات. وعلّق أحدهم بعد رفع الجلسة بأن "الأمن لا يستطيع الوصول إلى مناطق عديدة، وأن غالبية المحافظات أصبحت خارج سيطرة الدولة". وأضاف مراهناً على عجز الأمن عن الوصول إلى مديريات ضحيان ورازح أو أي من قرى صعدة.
يبني مجور تقييمه للأداء بصورة غريبة، فيصنف أداء الحكومة للعام الماضي بأنه "استثنائي"، مسبباً ذلك بتحديات ومعوقات يقول إن درجة حدتها ازدادت على مستوى انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، مقابل ازدياد أعباء نمو الاحتياجات المختلفة للمجتمع.
وسرد نحو 18 إنجازاً مما حققته الحكومة خلال العام الماضي، تتمثل في "إغاثة نازحي صعدة جراء الحرب مع الحوثيين بتأمين 13 مخيماً استوعبت 80 ألف نازح من إجمالي 350 ألفاً، واستكمال إعادة إعمار نحو 9 آلاف منشأة خلال النصف الأول من عام 2009 قبل اندلاع الحرب السادسة، بتكلفه 1.5 مليار ريالـ". وأضاف: الاهتمام المتزايد بتنفيذ منشآت بطولة خليجي 20 المزمع إقامتها في محافظات عدن ولحج وأبين في الأسبوع الأخير من الشهر القادم. فضلاً عن استكمال إنشاء محطة مأرب الغازية الأولى بقدرة 341 ميجا وات، وتشغيل مشروع إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال.
ولفت إلى أن الحكومة ساهمت في صدور وتعديل 15 قانوناً، والموافقة على 17 مشروع قانون معدل وجديد تم رفعها إلى مجلس النواب خلال العام. إضافة إلى مواجهة تداعيات وأضرار كارثة السيول في محافظتي حضرموت والمهرة. موضحاً الاهتمام الاستثماري وتسجيل 272 مشروعا استثماريا كلفتها 315 مليار ريال، وتشغيل 116 مشروعا ب45 مليارا.
تخلل تلك الإنجازات غموض في بعض الفقرات. إذ يشكو في التقرير من تحديات أبرزها انخفاض سعر النفط عالمياً، ما يؤكد أن الحكومة تعتمد عليه بشكل رئيسي، فيما المجلس أوصاها بالاهتمام بالقطاعات الإنتاجية الأخرى. ويقول في الإنجازات إن الحكومة حافظت على معدلات القطاعات الإنتاجية في مجالات الزراعة والأسماك والصناعة والنفط. إضافة إلى الاستمرار في تخصيص التعهدات من القروض والمساعدات الخارجية بنسبة 83%، بزيادة تبلغ 13% مقارنة ب2008.
ونفى مجور أن يكون حديثه أمام المجلس ينبئ بإعلان الحكومة لحالة من الإحباط والتشاؤم التي وصلت لها "بقدر ما تمثل نظرة تفاؤل وإصرار وعزيمة للتغلب على هذه التحديات".
********
النقيب قال إن كلمة مجور مقال سياسي وطالبه بالاعتذار للحراك، والشامي اتهمه بنفخ النار في صعدة كلما هدأت، والمقطري قال إن تقرير الأداء يحمل مؤشرات اقتصادية مخيفة إلى أبعد مدى
دع السياسة لأهلها وأخبرنا ما الذي حققته؟
استمتع رؤساء كتل أحزاب المعارضة والمستقلين بالرد على الدكتور علي مجور، رئيس الوزراء. لم لا، وكلمته مشحونة بالثغرات ومشروع خصب لأي ناقد. بدا جميع النواب متلهفين للتعقيب على الكلمة "الهشة"، وفق تعبيرهم، حتى وصل عدد المسجلين إلى 45 نائباً، وفقاً لرئيس الجلسة، حمير الأحمر.
وعلى الرغم من محاولة النائب أحمد صوفان، الذي تحدث باسم كتلة المؤتمر، تلطيف اتهامات مجور. إلا أن زيد الشامي، نائب رئيس كتلة الإصلاح، لم يرحم مجور. فبدأ بالتعليق على التقرير، وقال إن الحكومة غيبت البطالة والفقر، وهي من الأولويات، ولو أنها بدأت بالأولويات لأحسنت. كما أنها لم تستوعب سوى 10% من المساعدات التي تلقتها من المانحين، وتطالب الأشقاء والدول الداعمة بمزيد من المساعدات. مؤكداً أن الآخرين لن يساعدونا طالما ونحن لم نساعد أنفسنا. وانتقد حصر مشاكل اليمن في مثلث الإرهاب، معتبراً أنها قد "تكون مربعا أو مخمسا أو مسدسا إذا ما أضفنا لها الفساد والفشل الإداري والمحسوبية".
ووصف تقرير الأداء الحكومي لعام 2009 بأنه "تقرير سياسي لا تقرير أداء". معبراً عن بالغ أسفه أن يأتي رئيس الوزراء ليهاجم الأحزاب التي تعمل في ظل الدستور والقانون. مبيناً له أن الأحزاب السياسية هي أحزاب مسؤولة وتعمل في ظل الدستور والقانون، و"ليست أحزاباً متسولة ولا متكسبة، فالذين يتكسبون من الحروب نحن نعرفهم ورئيس الوزراء يعرفهم". كان مجور يسمع بإنصات لولا تشويش المراجعين الذين هبّوا لتوقيع توصيات شخصية.
"منذ أن وقفت حرب صعدة واللجان تعمل في الميدان فيما مجور ينفخ في النار وكأنه يريد أن يشعل الحروبـ"، قال الشامي. وطالب رئيس الحكومة بالكف عن أسلوب الشتائم. متأسياً على أن يتحول تقرير الأداء الحكومي إلى تقرير "شتائم للأحزابـ". معتبرا أن التقرير "يشكك في النوايا ويكيل الشتائم".
وخاطب الشامي رئيس الوزراء: كان من الأولى أن تأتي للحديث عما أنجزته حكومتك، وأن تدع العمل السياسي لأهله. مبيناً له دور البرلمانيين: نحن هنا نمثل ناخبينا، وأسلوب رئيس الوزراء، هو الذي أوقع البلد في مشاكل متعددة. ولاحظ أن مبررات الفشل التي تقدمها الحكومة "مكررة، وأنها تتحجج دائما بأن الظروف استثنائية والأحوال غير مستقرة، حتى احتفالاتنا هي غير عادية، وتأتي في ظروف استثنائية"، أردف الشامي.
وبشأن التقرير قال الشامي إنه لم يراجع بشكل جيد، فهناك رقم في الصفحة 35 من التقرير مرموز له ب(000)، ويتعلق بما أنفقته الحكومة في عملياتها العسكرية بمحافظة صعدة. راجياً من الحكومة تقديم خطط تتسم بالموضوعية، وعدم الوقوف عند الشكليات. وعند تفنيده الأولي لما جاء في التقرير وجد تناقضاً بينه وبين تقارير أخرى، أبرزها نسبة ما تم تنفيذه في برنامج الرئيس، فهناك تقارير حكومية سابقة تقول إنه "تم تنفيذ 85% من برنامج الرئيس الانتخابي لعام 2006، وفي تقرير الأداء قالت إنها نفذت 40%، وقال رئيس الوزراء في كلمته إنه تم تنفيذ 43% من البرنامج".
عيدروس النقيب، رئيس الكتلة الاشتراكي، لم يكن أقل حدة من الشامي، فقال إنه كان يتمنى من رئيس الوزراء أن يخطب خطابا "للتوفيق لا للتفريق، وأن يأتي لتقديم المقترحات لا لتقديم الشتائم". أما الشتائم فيرى أن "صحف الثورة، والميثاق، و26 سبتمبر، والجمهورية، و14 أكتوبر تكفي لكيل الشتائم على الأحزاب بشكل يومي".
وعرج على الحراك الجنوبي فقال إن رئيس الوزراء ليس بحاجة إلى وصف الحراكيين بالخارجين على النظام والقانون لأنه يعرف "أن نائب رئيس الجمهورية يدير حوارا معهم". ووصف كلمة رئيس الحكومة بأنها مقالة سياسية رأى أنه كان ينبغي عليه أن ينشرها في صحيفة الثورة أفضل من أن يأتي إلى المجلس ليقول مثل هذا الكلام". ويصنف الخارجين عن القانون بأنهم "من نهبوا المال العام وبسطوا على عشرات الكيلومترات من أراضي عدن والحديدة ولحج وأبين، وهم من يعتقلون الناس بالآلاف وبشكل يومي".
النقيب علّق على وصف تقرير الأداء الحكومي للمعتصمين (الحراك) بأنهم الخارجون عن القانون، قائلاً: أشعر من خلال التقرير أن الحكومة تشعر بالسعادة وترقص طرباً عندما يتم الاعتداء على أبناء المحافظات الشمالية من أبناء المحافظات الجنوبية.
واستغرب من قول التقرير بأن الأجهزة الأمنية تقوم بعملها على أكمل وجه، قائلاً: بعهد وزير الداخلية قتل أكثر من 360 مواطناً جنوبياً يتظاهرون ويمارسون حقهم. مطالباً رئيس الوزراء بالاعتذار لأبناء المحافظات الجنوبية الذين قتلوا بأيادي قوات الأمن، وأن يثبت وجود الدولة من خلال معاقبة من قاموا بقتل مواطنين من المحافظات الشمالية، لا أن يترك الحبل على الغارب.
عبدالله المقطري، عن كتلة الناصري، علّق على التقرير بأنه "كان شفافا إلى حد ما، لكنه أورد مؤشرات مخيفة ومؤشرات اقتصادية سيئة إلى أبعد الحدود، من أهمها تزايد عجز الموازنة عن العام 2008، حيث بلغت نسبة الزيادة في العجز 113%".
ونصح المقطري الحكومة بعدم "إعداد خطة خمسية رابعة على أن تعمل على استكمال الخطة الخمسية الثالثة أولاً". ولفت إلى أن مؤشرات السحب من القروض تشير إلى أن الحكومة لم تستفد سوى أقل من 50%، مؤكداً أن عدم الانتفاع من القروض لا يعزز من ثقة المانحين في إعطاء اليمن أي مبلغ قبل أن يستخدم القروض السابقة". معتبراً أن السبب في ذلك يعود إلى تدخلات المتنفذين وعدم قدرة بعض الوزارات على تشكيل وحدات للانتفاع من القروض".
النائب ناصر عرمان (مستقل) استغرب من أن تتحدث الحكومة عن أداء، قائلاً: لا ندري عن أي أداء تتحدث الحكومة، هل من أجل حل مشاكل البلاد وأوضاعها الأمنية، أم ماذا؟ وقال إنه لا يوجد في كتاب تقرير الأداء ما يجب أن يناقشه المجلس، وأن الحكومة بهذا تستغفل النواب. مطالباً الحكومة بأن تأتي بما يهم المواطن.
وأبدى خشيته من أن يكون تضييق الخناق على القاعدة الذي قالته الحكومة كما قالت سابقاً "أن تضيق الخناق على الحوثيين ثم تفاجأنا وقد أصبحوا يسيطرون على 4 محافظات".
علي عبد ربه القاضي، رئيس كتلة المستقلين، قال إن التنمية التي تتحدث عنها الحكومة ربما تكون "تنمية للحراك السلمي إلى مسلح والقاعدة إلى بعض المحافظات الجنوبية وكذا تطورات صعدة".
واستبعد القاضي أن تكون للأحزاب أية مسؤولية في ما يدور من أحداث سوى "في حال ما تكون الحكومة للشعب وليس على الشعبـ" حسب قوله، مؤكداً أن حزب المؤتمر هو وحده من يعبث بمقدرات البلد ومن يجب عليه تحمل تبعاته.
وخلافا لما قال نواب المعارضة جاء رأي النائب أحمد صوفان، فقد وصف الحكومة بأنها "شجاعة وصادقة في تقديم التقارير الدورية عن مستوى أدائها للبرلمان"، مشيراً "إلى أنها واجهت تحديات اقتصادية وأمنية ليست بالمهام السهلة التي تجعل أداء الحكومة كافيا ومتميزاً ويحظى بإشادة المجلس".
وصوّت المجلس على إحالة تقرير الأداء الحكومي للعام 2009 إلى اللجان المختصة، في ظل اعتراض النواب على إقفال حمير الأحمر، نائب رئيس المجلس، للنقاش بمخالفة صريحة للائحة الداخلية للمجلس، مكتفياً بآراء رؤساء الكتل البرلمانية أو من ينوبهم.
إخفاق مكلل بتقرير الأداء وكلمة توضيحية يتخللها هجوم مفاجئ
2010-10-26