صنعاء 19C امطار خفيفة

الوقائع تكذب القربي ميدانياً.. !

2010-08-09
الوقائع تكذب القربي ميدانياً.. !
الوقائع تكذب القربي ميدانياً..!
(إلى غسان وشيرنيه)
* منصور هائل
انتهت الرحلة قبل أن تبدأ، وكانت نهايتها فاجعة، وقد نجا جميع أفراد طاقمها بأعجوبة من مذبحة ميدانية ومن حمم الشرر المتطاير في محيط النقطة العسكرية الرابضة بمدخل كوكبان، وتمكن الطاقم من النكوص المخاتل وتجاوز العديد من المطبات والكمائن المنظورة والخفية في الطريق من مشارف كوكبان إلى بني مطر، ولم ينجرف أي طفل من أفراد جماعتنا بمن في ذلك "أيمن" وحتى "مريم"، مع غواية هدير شلال بني مطر، ليموت غرقاً في قعر بركته الموحلة القاتلة، كما حصل ذلك اليوم عندما قضى شاب (20 سنة) غرقاً، وهو الضحية رقم 39 بحسب إفادات الأهالي.
وكثيرة هي التفاصيل والوقائع المثيرة، المحيرة، الصاعقة والمروعة التي جرت في غضون سويعات من صباح الجمعة الفارطة، وتكفلت بتكذيب وزير الخارجية الدكتور أبو بكر القربي في الميدان، وهو الذي طالما صرح بأن البلاد ترفل في بحبوحة من الأمن والأمان، وأنها مفتوحة وجاذبة للزائرين والسياح والمستثمرين الذي يستطيعون إشباع رغباتهم وتطلعاتهم في زيارة أي مكان في اليمن وفي أي وقت، ولن يجدوا في طريقهم غير الأحضان الدافئة، والولائم الكريمة التي تتسابق لاستقبالهم.
ولم تنطلِ تصريحات القربي على وكالات السياحة والسفر والفنادق، ولا على الدول الغربية التي حذرت بل ومنعت رعاياها من زيارة اليمن، كما أغلقت مطاراتها بوجه طائرات "اليمنية" و..!
ولما كان العالم لا يخلو من ذوي النوايا الطيبة أولئك الذين لا يرتصف الطريق إلى جهنم إلا بهم، فقد انطلت تصريحات وأحاديث الوزير على مجموعة من السياح لا يزيد عددهم على أصابع اليد، وعلى أختنا العزيزة الفنانة القديرة د. آمنة النصيري التي صدقت القربي ولم تهتز ثقتها بكلامه إلا وهي على مشارف كوكبان.
وعصر الجمعة تكتمت ضحكة مجلجلة حين كان أحد الزملاء يتندر من صور لأربعة سياح استضافتهم صحيفة رسمية في حفلة تغطية كبيرة، وقال بأن صور تلك المجموعة تكررت في أكثر من صحيفة ومنبر رسمي، وكأنهم قطع نادرة أو كائنات قدمت من كوكب آخر، بقصد إقامة الدليل على أن اليمن كانت –ولا تزال- مقصداً للسياح.
كان صاحبي لا يعلم بما هو أعظم و...!
والحاصل أن العزيزة آمنة ومعها أفراد عائلتها الصغيرة /الكبيرة، كانوا في رحلة عائلية نظمت على شرف نجلها وحبيبنا جميعاً الطالب المبدع والفنان غسان الذي جاء من ماليزيا ليقضي إجازته القصيرة مع أمه، وحرص على دعوة واستضافة زميلته الماليزية الأقرب والأحب إليه "شيرنيه"، لتعريفها بأهله وبلاده اليمن. وكان مشروع الرحلة إلى كوكبان هو المقطع المهم والأكثر إثارة في الزيارة.
وكان يا ما كان، وقبل أن يصلوا إلى كوكبان استوقفتهم النقطة العسكرية، ومنعتهم من الدخول إلى الحصن المنيع والمقام الرفيع، لأن ثمة أجنبية مريبة لا تحمل تصريحاً كانت معهم.. ولم تنفع لإقناعهم كافة الذرائع والتسويغات، وهددوا بمصادرة جواز الضيفة، وفي الأثناء كانت آمنة تتذكر أن الوزير القربي قال بأن البلاد مفتوحة ومنفتحة لاستقبال الأجانب، فما بالكم بصديق ضيف رفه على عائلة و...!
وفي الأثناء، أيضاً، كانت رحى معركة حامية الوطيس ودامية تدور بين سيارة (مقاوتة) وعسكر، وأعملوا في بعضهم طعناً، وتقاتلوا، ما أجبر حافلة الرحلة على أن تهرول مذعورة وتلوذ بقعر أقرب منحدر.
وبعد أن فشلت كافة محاولات اختراق النقطة، نكصت حافلة الرحلة إلى الوراء، ولاحت في الأفق بارقة التعويض وتبديد مشاعر الوجوم والهلع بزيارة خاطفة إلى منطقة الشلال في بني مطر، وكان عليهم أن يعتبروا بما كان في كوكبان ويحترسوا أو يتحوطوا ويقوموا بتحجيب وتنقيب الضيفة الماليزية لتبدو وكأنها من الحيمة أو من كوكبان أو من صنعاء القديمة، ونجحت الحيلة وتمكنوا من تجاوز المطبات والنقاط والطرقات الجرداء من أية إشارات أو عبارات إعلانية عن الأمكنة والمعالم، غير تلك العبارات التي تذكر بالجحيم وأهوال القيامة والموت في كل منعطف.
وما إن حطت الرحال في محيط الشلال، وفيما كانت المجموعة تحاول التقاط أنفاسها وتمنع "أيمن" و"مريم" من ملامسة مياه الشلال، انقطعت أنفاسهم مجدداً وذعروا مرة أخرى بسماع عويل رجال ونساء كانوا يتفجعون ويندبون شاباً عشرينياً قضى في تلك اللحظة غرقاً.. وحملقوا في المكان الذي كان يخلو من أية لافتة تحذر من السباحة في بركة غرق فيها العشرات، ويخلو من أي سباح أو غواص يسارع إلى إنجاد من يغرق!
وانقطعت أنفاس جميع أفراد الطاقم، وقطعت الرحلة، وعادوا القهقرى ومعهم "شيرنيه" محجبة منقبة (مؤدبة)، ومشاعر الأسى والمرارة والانكسار تعترمهم وتخترمهم وتعتصرهم إلى آخر قطرة.
وخرج الزميلان الحبيبان شيرنيه وغسان، بما هو أكثر من ذكرى وأبعد من مشروع لـ"فيلم" ينتمي إلى عالم ما بعد السينما الذي نعرفه وعشناه، ومن غير المستبعد أن يكون هاجس توسيع معرض "حصارات" قد برق في ذهن الفنانة القديرة آمنة، والراجح أن ما حدث لن ينمحي قط من ذاكرات جميع أفراد طاقم الرحلة.
الظريف أن كاتب هذه السطور كان قد شارك كعادته، في بلورة مقترح هذه الرحلة العائلية، وأسهب في مناقشة ضرورتها وأهميتها وفوائدها وعوائدها الترويجية والنفسية والذهنية و... "الوطنية". وفي اليوم التالي، تخلف، كالعادة أيضاً، عن الرحلة لأسباب متصلة بـ"القضية"، ولكنه لم ينجُ قط من افتراس جيوش الكوابيس.
mansoorhaelMail

إقرأ أيضاً