صنعاء 19C امطار خفيفة

تجربة التحدي بين أحضان الطبيعة.. وادي صيح بني مطر(9)

كانت الساعة تشير إلى السابعة من صباح يوم الخميس 23 مايو 2024م، وهو موعد خروجي من المنزل للالتقاء بفريق المشي والتسلق (هاش)، عند نقطة الالتقاء المحددة لنا، وهي فرزة "متنة"، الواقعة على مسافة من جولة عصر.


بدأنا بالتجمع، وعند الساعة الثامنة تحركنا بالسيارات على طول طريق إسفلتية، كان عددنا 20، وكانت واجهتنا قرية "برحان" إحدى قرى عزلة مسيب بمديرية بني مطر التابعة لمحافظة صنعاء.
عند وصولنا للقرية، رأيتُ ومن على بعد مسافة أمتار، ابتسامة أحد شباب القرية، وهو الذي استقبلنا بسعادة، وكأن لسان حاله يقول: "حللتم أهلًا ونزلتم سهلًا"، وتعد هذه من الخصال الجميلة التي يتمتع بها أبناء القرى اليمنية عمومًا.
قرية برحان الجميلة
بالطبع، كنا أول الواصلين من المشائين إلى القرية، وهناك التقينا ببعض كبار السن من رجال ونساء، ممن رحبوا بنا، ودعونا إلى منازلهم.. كنا نسير مع الشاب حامد سريع (هذا الشاب الذي كانت الابتسامة لا تفارق محياه، وهو كان مرشدنا في القرية). خلال تجولنا القصير، استمتعنا بجمال برحان، وما لفت نظري هو كثرة النساء العاملات في الحقول، وأمام تلك اللوحة البديعة توقفنا أنا والمشاؤون عبدالكريم الرازحي، زيد الحمزي، وعبدالله الشرعبي، لنتأمل ذلك الجمال، ونستنشق رائحة الأرض التي تسكر الروح، وفي ذلك المكان التقطنا بعضًا من الصور التذكارية للمكان ولنا، وبينما نحن نقف على الحافة أعلى الحقول، رأينا رجلًا مُسنًا جاء مُبتسمًا، وكأنه امتلك العالم، حاملًا بين يديه مجموعة من "الكُرّث"، كهدية لنا من أرضه.. بعدها أكملنا طريقنا، وهناك تحققت أمنيتي في الاستمتاع برائحة الدخان المتصاعد من التنانير التي تعمل بالحطب، وتجهز فيها النساء الخبز والطعام.. لقد كانت رائحة لا تقاوم من وسط الريف.
قرية برحان،بني مطر(النداء) قرية برحان،بني مطر(النداء)
في هذه القرية التمست كرم وحُسن استقبال الضيوف، كان تعاملهم معنا راقيًا لدرجة أتمنى أن أزورها مرة أخرى، وأتجول بين بيوتها، وأجلس مع أهلها، وأنزل إلى الحقول، وأتأمل تلك الأرواح الجميلة التي تأسر الزائرين.
ودعنا "برحان" ورائحة الريف ظلت عالقة على ملابسنا كعطر فرنسي فاخر، ثم أكملنا طريقنا، كنا أربعة، نزلنا من القرية، بينما نزل من الجهة الأخرى بقية الفريق، الذين التقوا بامرأة كانت تصرخ بصوت عالٍ وصل إلى مسامعنا ونحن في الأعلى، وبحسب ما أخبرونا فقد كانت تقول لهم: "المنطقة التي ستذهبون إليها بعيدة.. أنتم شكلكم قرود أو جن".
المثلث الأخضر
عند الساعة العاشرة وعشرين دقيقة، التقينا جميعًا في أسفل قرية "برحان"، ومنها كنا نرى المنطقة التي سنتوجه إليها، وهي سائلة "متبع صيح". كانت المنطقة تظهر من بعيد على شكل مُثلث أخضر، ولذلك سميتها "المُثلث الأخضر".. هناك التقطت للفريق صورة تذكارية قبل أن نشرع في النزول.
لقطة بعيدة لوادي صيح( النداء) لقطة بعيدة لوادي صيح( النداء)
بدأت رحلتنا.. الحماس عالٍ، والمعنويات مرتفعة، كنت أنا واثنان في نهاية الفريق، نزلنا من بين الصخور، كان هناك نزول سهل، وآخر صعب يستدعي الحذر الشديد، وهكذا استمررنا على طول الطريق، طبعًا، واجهتني صعوبات مختلفة في النزول من بعض الصخور الكبيرة، ولكن إصراري جعلني أتخطاها دون أي أضرار جسدية، وخلال تلك التحديات كان الرازحي يحدثنا عن الطبيعة وجمالها، وعن تفكيره في اعتبار قدميه حاسته السادسة، فهو -بحسب قوله- يشعر ويسمع ويرى بهما.. توصيف رائع من شاعر يتلاعب بالكلمات، ويتقن فن التشبيهات.
استمررنا في طريقنا، وبعدها تقدمت المشائين الرازحي وبلال الشقاقي، ولحقت بمرشد طريق كان ينادينا، وفجأة اختفى المرشد، وشعرت حينها أني وحيدة وسط الصخور، لا أسمع صوت أحد، حتى الذين كانوا ورائي اختفت أصواتهم، عندها دب الخوف في قلبي، وبدأت تتوافد إلى رأسي أفكار سلبية جعلتني أرسم نهاية مخيفة لنفسي. عندها صحت باسم أحد الشباب، ولم يرد، ناديت مرة مرتين وثلاثًا، ولكن لا وجود لمن تنادي، بعدها صفرت، وفجأة ولحسن حظي ظهر الرازحي والشقاقي، فشعرت بالأمان.
أكملت طريقي معهم، كانت المسافة طويلة.. ولكن ما هوَّن عليَّ طول الطريق هو سماع خرير المياه من على بعد مسافة، كان ذلك كفيلًا بأن يجعلنا ننسى التعب.
سائلة متبع صيح
أخيرًا وصلنا إلى ذلك الصوت البديع الذي لا يمكن مقاومته، خرجنا من بين الصخور على منظر جذاب وطبيعة خلابة، كانت أمامنا جبال شامخة ومياه نقية جارية وأشجار متناثرة بين الصخور حول السائلة.
هرولت مسرعة إلى جانب الماء، ووضعت يدي فيه لتبرد، أما البقية فقد ذهبوا إلى شلال صغير ليسبحوا عنده، كان جلوسي في تلك المنطقة البهية أشبه بالخيال، ولم أكن أتوقع أني وبعد مشقة الطريق، سأصل إلى هذا الجمال.
سائلة متبع صيح(النداء) سائلة متبع صيح(النداء)
قضينا بعضًا من الوقت في بداية المتبع، وبعدها صعدنا أعلاه لنصل إلى مكان آخر أكثر جاذبية، الأمر لم يكن بالهين كما قد يتوقعه البعض، بل على العكس، فقد كان متعبًا جدًا، وأقسى ما فيه النزول من بين الصخور الجبلية. كانت هناك صخور مررنا من فوقها بأريحية، وأخرى كانت سببًا في التزحلق، ولكن لم تكن هناك أضرار. أكملنا طريقنا حتى نزلنا إلى السائلة، وهناك كانت فترة الاستراحة للفريق، منهم من ذهب يمينًا للسباحة أسفل الشلال، وآخرون ذهبوا إلى الجهة الأخرى، بينما وضعت حقيبتي بجوار صخرة كبيرة أسندت ظهري عليها، وهناك غسلت وجهي من الماء الجاري أمامي، وغسلت قدميَّ المتورمتين من كثرة المشي، ثم شربت الماء الذي معي وعصير البرتقال، بعدها حاولت أنا واثنان من المشائين السير على طول الماء الجاري بدون أحذية، ولم أتحمل ذلك، فسقطت، ومازلت أعاني من ألم في إصبع قدمي حتى الآن.
مغامرة أرض الأحلام
ذهب بعض أعضاء الفريق، عقب الانتهاء من تناول طعام الغداء، ليستطلع المكان وإمكانية المرور منه، فيما البعض الآخر لم يتحمل البقاء، وفضل التحرك إلى نفس المكان.
بدأنا بالتحرك، وقطعنا مسافة طويلة تحملنا خلالها العديد من العثرات، كانت المياه تنزل من بين الصخور، وكانت هناك صخور كبيرة نضطر الصعود والنزول منها، وأماكن لجريان الماء وشلالات صغيرة وأشجار منتشرة، كانت هناك صخور عليها طحالب تتسبب في السقوط، وهو ما حدث لي ولآخرين، ناهيكم عن الصخور الكبيرة التي اضطررت أن أتزحلق من فوقها لأصل للنهاية، وهو ما سبب لي التواء بسيطًا في اليد، ولكن مر على خير.
جزء من سائلة متبع صيح( النداء) جزء من سائلة متبع صيح( النداء)
في الوادي كانت هناك صخرة كبيرة التقينا عندها مع أعضاء الفريق الذين سبقوا للاستطلاع عن المكان، أخبرونا بأن الطريق صعب للوصول، وأنه يجب علينا العودة مجددًا إلى نفس الطريق التي جئنا منها. كانت هنا الصدمة، ولكم أن تتخيلوا بعد كل تلك المسافة والمجازفات الخطيرة، يطلب منا العودة، عندها قررنا أن نتجاوز الصعاب، ونكمل طريقنا، متحدّين كل الصعوبات التي ستقف أمامنا في هذه الطبيعة.
وبالفعل أكمنا طريقنا، ووقفنا على مناظر طبيعة لم نشهد لها مثيلًا، لقد كانت أشبه بأرض الأحلام التي لا نراها إلا بالأفلام الأجنبية، الخضرة كانت تكسو المكان بشكل أكبر من السائلة التي مررنا بها، خرير الماء يأتي صوته من كل مكان، وصوت الشلالات يُسمع بشكل كبير. كان الوادي ممتلئًا بالصخور الكبيرة التي نجدها في كل مكان نسلكه. استمررنا في تحدي الصعاب إلى أن شعرنا أن الطريق يطول ويطول، عندها شعرت بخوف كبير من أن يهبط الظلام ونحن في هذا المكان الذي لا يوجد فيه إلا الجبال والأشجار والأحجار والأفاعي ونحن. لقد كان الوضع مرعبًا بالنسبة لي، ناهيكم عن رؤيتي لآثار دماء في الأرض، مما أرعبني أكثر.. كان كل ذلك سببًا كافيًا في أن أصر على إكمال الطريق معهم من أجل الوصول إلى أقرب قرية تكون هي بر الأمان.
لم نكن نعرف المسافة التي سنتجاوزها.. وعلى الرغم من ذلك، استمررنا في تسلقنا الصخور، وتجاوز الأماكن الوعرة، وتزحلقنا، وأتذكر من المواقف الطريقة التي حصلت لنا أنه عندما كان يمشي الشاب حامد سريع أمامنا، مشينا أنا والدكتور يحيى العوامي خلفه، كان أي مكان يسلكه نسلكه، حتى صعد على صخرة كبيرة، وهناك توقف قليلًا، ونحن صعدنا بعده لنكتشف بعدها أنه لم يكن يعرف الطريق، ولكن صعد من أجل التقاط الصور. كان منظرنا مضحكًا للغاية، وعندها انتابتني نوبة ضحك.
بعدها واصلنا طريقنا، ووصلنا إلى صخرة كنت حينها أنا والمشاء خالد العقبي والدكتور يحيى العوامي، حينها جلسنا أسفلها لانتظار الرازحي ونجل خالد وأحد أبناء قرية برحان، ثم رأينا انتشار الفتيات في كل مكان، أعلى الجبل وأسفل الوادي وبين الصخور، كنَّ يمشين باحترافية عالية رغم وعورة الطريق الجبلية، خصوصًا في مناطق مرتفعة كالتي كنا فيها.. حقيقة ذهلت من ذلك المنظر الذي عكس نظرة جميلة عن المرأة اليمنية التي تكافح في كل مكان، وتحديدًا في المناطق النائية.. حيث تقطع مسافات طويلة للقيام بجمع الحطب والعشب للأغنام. كما لا أنسى وجود الأطفال في تلك المنطقة وهم أيضًا كانوا يقومون برعي الأغنام وجمع الأعشاب.
اثناء النزول من اسفل قرية برحان(النداء) اثناء النزول من اسفل قرية برحان(النداء)
من على مسافة في الأعلى تجمعت عدة نساء يسألن عنا من أين جئنا؟ وإلى أين نريد الذهاب؟ عندها أخبرهن أحد المشائين بأننا نريد أن نصل إلى القرية، فكان ردهن أننا نحتاج إلى ساعة ونصف للوصول، بعدها انتظرنا إلى أن وصل من كنا ننتظرهم، ثما أكملنا الطريق. كان عمار نجل خالد ومن معه خير رفيق للرازحي، الذي أكمل طريقه معنا، وكان خالد رفيقه هذه المرة مشى معه، وكان الرازحي يطربه بقصائده. وعلى الرغم من حالات التزحلق التي كانت تأبى إلا أن تعكر صفو رحالة الرازحي، إلا أنه كان ينهض ويرفع الآيباد الخاص به ليلتقط صورًا للطبيعة ولنا أيضًا، ولعل ذلك كان يهون عليه الألم والتعب.
أكملنا الطريق، وقد أهلكنا التعب، بعدها التقينا بزيد وعبدالله وآخرين، وأخبرونا أنه يجب علينا العودة، وكما فعلنا مع السابقين أصررنا على أن نكمل الطريق.. وحذرونا من جرف مظلم لن نستطيع المرور منه، ولكننا استمررنا في إصرارنا، حينها أعطاني المشاء زيد مصباح ضوء ليساعدنا على تجاوز الجرف المظلم.
بعدها بقي زيد ومعاذ الحسام مع المشاء عبدالكريم الرازحي، ليكملوا الطريق معًا، أما أنا فقد استكملت الطريق مع البقية باتجاه الجرف، كنت خائفة من هذه المجازفة، وتخيلت أشياء كثيرة كأن نجد حيوانًا مفترسًا، أو تسقط حجارة فوقنا ونحن داخله، أو تباغتنا أفعى ما صدقت لقت لها بشر!
كنا نمشي في مكان مرتفع من الوادي، وقطعنا مسافة لا بأس بها، عندها وفي لحظة الاستراحة لحق بنا المشاء معاذ، وأخبرنا بأنهم يحتاجون للمصباح، وذلك لتوقعهم أنه قد يهبط الليل وهم لايزالون في تلك المنطقة، سلمت عهدة المصباح لمعاذ، واستأنفنا الطريق.
جرف النمر
وصلنا جرف النمر المظلم، ولا أعلم ما هو سبب تسميته بهذا الاسم، وهناك أخذنا قسطًا من الراحة، كانت قنينة الماء الخاصة بي فارغة وأنا ظمآنة، والطريق لاتزال طويلة أمامي، وهناك اضطررت أن أترك أحدهم يعمل بي معروفًا، ويقوم شاكرًا بتعبئة قنينة الماء لي من ماء الوادي الجاري.. مع العلم أني رفضت هذا الماء، من قبل، حتى حينما أخبرني الرازحي أنه يجب عليّ أن أعبيها، قلت له الماء الذي معي سيكفيني، وحصل ما لا تحمد عقباه.. شربت وأنا خائفة، ولكن لم يكن لديَّ خيار.
بداية مدخل جرف النمر(النداء) بداية مدخل جرف النمر(النداء)
جلست أمام الجرف أتأمله وأرسم عدة سناريوهات في عقلي قبل أن أتبع البقية في المرور عبره. كانت هناك صخرة كبيرة، وبجوارها أخرى، وبينهما فتحة للدخول إلى الجرف. دخلناه، كان مظلمًا جدًا، كل واحد منا شغل إضاءة موبايله، ورغم أنها لم تكن كافية، ولكن استطعنا المرور والوصول إلى فتحة أخرى، كان يأتينا منها صوت شلال ماء.. هناك وجدنا شلالًا صغيرًا على جانبنا الأيمن، وفي الجانب الأيسر كانت توجد صخرة كبيرة وعالية، بجوارها من الأسفل توجد فتحة صغيرة تكفي لمرور شخص واحد.. في البداية تسلقنا الصخرة الكبيرة للنزول إلى الجهة الأخرى، ولكن كابتن مبخوت الماوري حذرنا من النزول خوفًا على سلامتنا الجسدية، وطلب منا التوجه إلى الفتحة والعبور من خلالها.. عندها نزلنا ومررنا من الفتحة، كانت حقيبة ظهري تعيق مروري، مما اضطرني إلى حملها كطفل صغير بين بيدي، ومررت من الفتحة، ونزلت بحذر شديد من بين صخور صغيرة كان يجري الماء خلالها.
أخيرًا أكملنا طريقنا، وتنقلنا بين طلوع ونزول، كنا نسير في أعلى الوادي على جبل مع أطفال قرية صادفناهم في طريقنا، واستمتعنا كثيرًا بالسير معهم، وهم يحدثوننا عن القرية، وعن بطولاتهم في تسلق الجبال، وعن الطلوع والنزول اليومي الذي يقومون به من أجل رعي الأغنام وجلب الحشائش للحيوانات.. كنا نسير في الأعلى وإلى يميننا وشمالنا جبال شامخة كأنها نحتت بيد فنان، بينما في الوسط كان يقع وادي "صيح" أو كما يسميه البعض وادي "المحش". كان منظر الوادي من أعلى مذهلًا جدًا، لدرجة شعرت أن هذا المنظر ما هو إلا الجنة.. الأشجار الكثيفة تكسو المكان لدرجة لا ترى إلا اللون الأخضر، والوادي أسفل منا، والمياه تجري فيه، كل تلك الجاذبية نراها ونحن في الأعلى من جهة نتجاوز الصعاب، ومن جهة نمتع أعيننا بتلك المناظر الممتعة والسالبة للألباب.
استمررنا في المشي إلى أن وصلنا إلى قرب قرية "الصيح".. كنا نمشي كملوك من يميننا الماء الجاري، ومن يسارنا أشجار البن والموز وغيرها. كان شعورًا لا يمكن وصفه، وطبيعة تبهج القلب والروح.
قرية صيح
قبل أن ندخل إلى القرية، جلسنا قليلًا على الأحجار المرصوصة على جانبي الطريق، وهناك وجدنا عند مدخل القرية تقف شجرة صبار كبيرة جدًا، وكما يبدو عمرها عشرات السنين، قال أحد أطفال المنطقة هذه الصبارة أعرفها من يوم ولدتني أمي، فقلت له قد تكون بعمر والديك، عندها وببراءة طفولة ابتسم ابتسامة جميلة.
الطريق إلى قرية صيح (النداء) الطريق إلى قرية صيح (النداء)
وأخيرًا دخلنا القرية، وجدنا الأطفال يلعبون.. حاولت اللعب معهم، ولكني فشلت في رمي الكرة على علب حديدية رُصت فوق بعضها (طلعت حوسة!). بعدها جلست، وفجأة تأتي طفلة لتخبرني أنني مدعوة لأحد المنازل، ذهبت ووجدت ثلاثًا من نساء القرية، كن يسألن من أين جئنا؟ ومن نحن؟ والجميل في الأمر أنهن تفهمن معنى أن نمشي ونمارس هذه الرياضة، وننقل فكرة جميلة عن هذه المنطقة وغيرها لدعوة الزائرين لزيارتها، وحتى لا يقول أحدكم إنهن لم يقمن بواجب ضيافتي، فهن فعلن ذلك، ولكني اعتذرت عن مشاركتهن الطعام، لأني لم أكن أرغب في الأكل.
بعدها ودعتهن، وخرجت من المنزل، وعدت مرة أخرى للجلوس مع أطفال القرية: سميرة، امتياز، عبيدة، محمد، وخديجة. وما لفت نظري هو اسم "إلسا"، هذا الاسم الذي ذكرني ببطلة فيلم ديزني الذي يحمل اسم "فروزن"، وهو اسم من الغريب أن نجده في القرى، كما وجدت هناك طفلًا يحمل اسم والدي "مقبل".
مع هؤلاء الأطفال قضيت أجمل الأوقات، تقاسمت معهم بعض المكسرات التي جلبتها معي، وجلسنا نأكلها معًا. كانت هناك مواضيع كثيرة تخص الأطفال تناقشنا حولها.. في قرية "صيح" وجدت الكرم واللطف والتواضع من النساء والرجال والأطفال، لم يشعرني أحدهم بغربة المكان بسبب لهجتي أو لأني لست منقبة، بل على العكس كانوا سعداء بنا وكأنهم كانوا ينتظرون لحظة وصول أي زائر للمنطقة.. هذه المنطقة المظلومة بسبب وعورة الطريق، حيث لا توجد طريق إسفلتية يمكن أن تتحمل مرور السيارات العادية.
وبينما نحن في القرية وعقب وصول آخر أعضاء الفريق، استعددنا لمغادرة القرية. كان الوقت بعد المغرب، وتم التنسيق من قبل بعض أعضاء الفريق مع سيارة "شاص"، تخيلوا ذلك! ركبت الشاص، وحققت طموحي في ركوبه، لأشعر بما يشعر به من يكون على متنه. وقبل الانطلاق بقليل تفاجأت بطفلات يودعنني، قبَّلن يدي، وقبلت أيديهن. في تلك اللحظات شعرت بمرارة الوداع الذي مزق فؤادي رغم أني لم أجلس معهن إلا ساعة ونصف الساعة تقريبًا. ودعتهن ولا أعلم هل سأعود مرة أخرى إلى هذه القرية، أم هذه أول وآخر زيارة لها.
انطلقنا في الطريق، كان القمر في كبد السماء يرافقنا إلى أن وصلنا إلى المواصلات الخاصة بالفريق، عندها نزلنا وعدنا إلى منازلنا.
من تجربة أدعو الجميع إلى ألا يفوت فرصة زيارة "وادي صيح"، فهذا المكان سياحي وبامتياز، كما أنها دعوة إلى المعنيين في الدولة بضرورة تبني مشروع تعبيد الطريق، لكي تكون سهلة للزائرين، وكذلك لأهل القرية.
[URIS id=51450]

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً