صنعاء 19C امطار خفيفة

من وحي الكتاب الغزير

من وحي الكتاب الغزير
قال صاحبي:
قالت عمتي إن زوجها رأى أن يطلق زوجة ابنه الذي ذهب إلى فرنسا مغتربًا ولم يعد...
كانت الفتاة فوق الشجرة، فسمعت ما كان يقول لعمها والد زوجها الذي ذهب، وكان له إلى تلك اللحظة المكثفة حوالي 20 عامًا في بلاد سمتها "ديجو"، فرفعت صوتها:
معي خل سرح بلاد تسمى ديجو
وا رب وا كريم لا تُحِيْجُه
من أعماق الشجن والشوق للحبيب الذي اغترب، قالت كلماتها المفعمة بالحزن النبيل.
سمع العم ووالد الفتاة ما رددته، فصمتا، ولم يعودا إلى نقاش الأمر مرة أخرى، حتى عاد الحبيب المغترب إما بحنينه أو بالخير يصنع به حياة أخرى هي التي دفعته للاغتراب وركوب البحر..
قال صاحبي:
تقول من أين أتت بالكلمات؟
قلت:
لا علم لي سوى أن الحنين يكبر الحزن النبيل، والحزن يجعل الحزين يقول ما لا يتوقع هو...
وقالت زعفران:
ثابت عاد بعد اغتراب استمر 50 عامًا
سمعت صوته والريح تصفر ذات مساء قارس البرودة شديد الظلمة:
وا زعفران
تجمدت أحاسيسها
ترى من يعرف وينادي باسمها في الهزيع الأخير من الليل، حتى النجوم غادرت تلك اللحظة، فلم تجد بمن تستنجد، وهي في ذلك البيت العتيق، سوى أن تلملم شتات قدميها، وتستجمع شجاعتها وتفتح الكوة:
من يشتي زعفران؟
ثابت عثمان
ثابت عثمان له 50 سنة من يوم ما ضاع، أنت جني مش إنسي
أنا ثابت عثمان
قالت زعفران:
إذا رديت على السؤال سأبدأ أصدق أنك ثابت
اسألي
يوم ما جئت تخطبني، من جاء معك؟
معي إسماعيل راجح (ابن عمه)
روح ناديه
بيت إسماعيل وشقيقه عبدالودود قريب جدًا من بيتها، وإسماعيل وأخوه تجار القرية، والقرية اسمها "المجزعة"...
انتهى الحوار القاسي العميق بفتح الباب
دخل ثابت عثمان إلى حيث كانت أمه تجلس
منذ أن ماتت كان لها 20 عامًا
كل مهاجل زعفران كانت تغني للمغترب الذي عاد بعد أن جف الضرع...
مثلت الأغنية متنفسًا عظيمًا للمهمومين الذين تركوا وطنهم واغتربوا وهاجروا
وكانت أنة النعمان الأولى والثانية عبارة عن عذابات اليمنيين في أماكن اغترابهم وهجرتهم...
استطاع الشعر أيضًا أن يعبر عن تلك العذابات
وعندما أقرأ لمحمد أنعم غالب:
يا بيتنا على التلال
إني أراه طيفًا
أتوحد بعذابات من ذهبوا نحو الشمال يبنون حياة الآخرين وتركوا وطنهم. الأغاني من أفواه النساء وقريحة الشعراء تعبر عن تلك المعاناة...
استطاع محمد سلطان اليوسفي أن يجعلنا نتماهى مع كتابه "الهجرة والاغتراب في الغناء اليمني"، استطاع أن يطوف بنا اليمن كلها، والمهاجر وبلاد الاغتراب، استطاع أن يصيغ من البالة وأغاني الاغتراب والهجرة ملاحم رائعة للإنسان اليمني الذي طبعت حياته بالعذابات التي لا تنتهي، لكنه استطاع قهرها بالفرح...
تدوي في أعماقي:
ألا شد الجمال ماعادناش جمال
إلا من باطل السخري وزوع الاحمال
و
يا طائرة طيري على بندر عدن
و
ورحت واحبابي يتفرجوا لي
أسير واتلفت مو يقولولي
أما البالة فشيء عظيم يهز الروح كالتسونامي:
وابحرت في ساعية تحمل جلود البقر
والبن للتاجر المحظوظ والطاغية
و
وعشت في البحر عامل خمستعشر سنة
في مركب "إجريكي" حازق الكبتنة
استطاع محمد سلطان، في كتابه، أن يبحر بنا في عالم تخاطفته أغاني الاغتراب والهجرة..
وكذلك أحصى للباحث والدارس والمطلع أغاني اليمنيين التي جسدت لحظات الوداع والترحال...
إنه شيء اسمه الحنين، لن تجده إلا في كتاب المجتهد الفنان محمد سلطان اليوسفي، القادم من حجرة الدرس إلى عالم الفن الغنائي، بمقدرة فذة سنراها مستقبلًا أكثر من كتاب يسجل لليمنيين غناءهم وفرحهم وعذاباتهم وكل آلامهم...
إنه الحنين إذن..

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً