صنعاء 19C امطار خفيفة

في يوم التنوع الثقافي العالمي 21 مايو: اللاهوت يختزل صنعاء بعاصمة النبي

2024-05-21
"قد سقطت المدينة. دنونا من شباك بيت اقتلعه مجنون. ألقت الشمس الغاربة أشعتها على بضع من آلات العبث المهجور، "أتذكر" قال أحدهم، وكيف للمرء في الأزمنة الغابرة أن يحيل الذئب آدميًّا، ومن ثم يرشده إلى مكنون قلبه" (العالم لا ينتهي، تشارز سيميك، ص25).
**
القراءة التشكيلية واللسانية:
الصورة: غلاف من صحيفة "لا" الحوثية، 2020، حيث تظهر الصورة خالية من التكنيك الفني معجونة بالمشهدية اليومية من الحشود والقبضات، والوجوه الكالحة البائسة، وهي تعتلف القات والمخدرات "البردقانية" وغيرها، قبضات لوجوه شائخة حتى وهي في عمر الشباب، ينحشر بينهم الأطفال، يعلو ترويسة المشهد والغلاف معًا، صورتان للقائد -النبي -القرآني، ملوحًا بيده، مبتسمًا ابتسامة ميتة كعادته عند ظهوره لإلقاء خطاباته المهرورة على مدار الساعة، تترجمه صورته التليفزيونية المعروفة-والغلاف أيضًا، فهو لا يظهر للناس إلا من خلال شاشة وخطاب وخاتم عقيق ووجه جامد كحجارة البلق الأصم!
صورتان للنبي عبدالملك في غلاف البؤس "لا"، وحشود الرب، جميعهم كأنهم خارجون من كهوف وقبور، وأخفها "الحيود"، وهي علامة فرجوية لعاصمة النبي الناطق، حيث الحشود المليونية كل يوم تكرع في الشوارع والمناسبات، بأمر القرآنيين، وشيخ القبيلة، والداعية الديني.
صحيفة"لأ" الحوثية العدد(538), 2020 صحيفة"لأ" الحوثية العدد(538), 2020
ينهمل اللساني، بالأخضر المقدس بالكتابة التي تتوسط الغلاف "عاصمة النبي"، وتعلوها أيضًا بنفس اللون: "سيد الثورة" ثم، عناوين بروباجندية بلسان نبي المعجزات: "تحرير الدريهمي، أبو جبريل يتحدى ماكرون، وفي الأسفل رئيس التحرير، يكتب: "ميلاد أمة لا ذكرى رسول"، هذه الهذيانات الكاريكاتورية ليست فقط في الصحيفة، ولكنها صورة صنعاء وصعدة، والمدن الواقعة تحت حكمهم، يتجشأها، عقب كل تفجير، وقتل وسجن، وسحل وخطاب، وضربة حيدرية، وجئناك يا قدس، والحق ساطع، ونحن جيش حيدر، و"أرضنا نار حمراء، وجونا ريح صرصر"... الخ من هذيانات اليأجوجوجين والمأجوجيين الجدد: الحوثيين.
"عاصمة النبي" في يوم التنوع العالمي!
كيف تجرأ القرآن الناطق والناطف، أن يختزل صنعاء، أقدم مدينة في التاريخ الإنساني (القرن الخامس قبل الميلاد)، إلى عاصمة بوجه أحادي: الديني -النبي في الألفية الثالثة؟ والنبي وفق أيديولوجية النُّطفة الإلهية -الآرية، ليس النبي محمد (ص)، بل هو النبي الأمي المسلح، الغازي للمدينة ناسها ومعمارها، وتفاصيل وجودها في مدفع ودبابة وبصقة وهتاف وصرخة، وحشود مليونية بختم الهوية الإيمانية عندما استباحوا صنعاء في 21 سبتمبر 2014. كانوا ومازالوا بنفس الصورة على غلاف "لا"!
في يوم التنوع الثقافي 21 مايو، الذي اعتمدته اليونسكو في 2001، عامًا للحوار والتنمية والتعايش السلمي والثقافة والفنون بين دول العالم على اختلاف ثقافاتها، وبينما يحتفل العالم بهذا اليوم، باستعراضات عالمية لفنون الموسيقى، والرقص والتشكيل، والحياة المدنية لشعوب وأقوام مختلفة، عنوانه: المواطن والمواطنة الكونية، فسيفساء كونية، بينما تغرق اليمن وصنعاء تحديدًا في قوقعة السخام الإلهي، إنسانها يعيش التمزقات البينية داخل العائلة الواحدة، تنامي المليشيات الجبائية السائبة تصنع الخراب من: حرب وقتل وتدمير ومجاعة البطن والعقل وحرية التفكير والمعتقد والضمير، اللاتعليم، اللاماء، اللاكهرباء، السجون، المخفيين قسريًا، مدن القات والمأكولات شديدة السمية، يجرد إنسانها من أبسط حقوق الإنسان: الحق في الوجود، والكرامة الإنسانية،.. الخ.
نعم، أولئك القبوريون يختزلون المدينة وأهلها بالنبي القرآني الآتي من كهف البداوة الطاعنة في الجهل والتخلف، قرآنات ناطقة لا تعمر، بل تدمر وتمعن في التدمير لما كان موجودُا، أنبياء وآلهم الأسياد، أدسمت أفواههم بمئات الآلاف من الجثث وتعمير المقابر والخرائب، مدن طليت بيوتها وشبابيكها والجدران بصور "شهداء القرآن"، بيوت لا ينجو أحد من أفرادها من الموت الساحق والمتلاحق، وإن نجا، فإنه ينجو بالمؤقت، وسيكون قبره وصورته غدًا في رياض الموت المستدام: المقابر، ولا سواها، فهي حرفتهم وفنهم الوحيد، نعم، تعمير البلاد بالجثث، ليصبح عنوان اليمن اليوم في 2024، مثلما قبله، أعوام الموت.. ليس إلا، ففي كل شبر من عاصمة النبي إلى المدن اليمنية وريفها، مقبرة "حدودها حدود القرآن"، كما تنضح خطبهم، فجنازة هنا، وجنازة هناك.
ليست سوى عاصمة للجثث:
تختزل الحوثية صنعاء المصفدة بالغالق الديني -المذهبي، والنطفة الآرية (الأطهار -المصطفين الإلهيين) بالنبي -القائد، المُدمر، الهالك للبشر والشجر والحجر، ليعيد إنتاج تاريخ الغزاة في الذاكرة الجمعية للشعوب، حيث تسطر لنا سيرهم وهم يفنون المدن، ويعنونون جنونهم الوحشي باسمهم، وهم يتماهون قولًا وفعلًا، مخلفات القرآني في عاصمة النبي: الجثث المصطفة صورها على جدرانها وأسوارها، ونوافذها، والقمريات، مشانق من صور أطفال من أعمار مختلفة.
تحاول وتمعن الحوث-فاشية، أن تجعل من صنعاء قم والنجف، بالنسخة البدائية والأكثر همجية، مدن ميسمها الممنوع باسم الرب، صنعاء الخالية من المكتبة، والمسرح، والمتحف، والرقصة، والوجه المفتوح للنساء، والأغنية، والاحتفال، كرنفالها الأوحد، النعوش، وزوامل الفواجع ورقصات الحروب، وتصفية أي مختلف حتى لو كان من النسل المطهر، فما بالكم بالشعب اليمني "الزنابيل" كما يطلق عليهم، لنرَ قائمة احتفالهم، من سمخ الأسماخ الذين أبلوا في تصنيع الجثث، علي بن أبي طالب، وسيد الشهداء، الحسين، وكربلاء، عيد الولاية (الغدير)، عاشوراء، يوم الصرخة العالمي 17 يناير، ومقتل حسين الحوثي، وذكرى والدهم بدر الدين الحوثي، 21 سبتمبر يوم الغزوة وسقوط صنعاء، المولد النبوي، والكثير من أعياد اللطم والبكائيات، و"ارحبي يا جنازة فوق الأموات"، لـ20 عيدًا لأموات طول العام مفتتحها الحوثي وآله الأطهار، ثم مليشياته التابعة له والخالية من ختم النسل الطهراني.
صنعاء النبي/ إذ يحيل الذئب آدميًا:
في يوم التنوع الثقافي لـ2024، في اليمن، وعاصمة النبي، حيث مسح المعصومون كل تنوع، واجتثوا كل مخالف لهم، فلا يهودي ولا مسيحي ولا لاديني في اليمن، ولا بهائي، ومن تبقى منهم في السجون، حيث وجوه النساء المنتقبة، بعضهن في السجون، بتهم الدعارة ونشر المجون، كانتصار الحمادي وفاطمة العرولي وغيرهما، لا أجنبي من الذين كنا نراهم يتواجدون بيننا، وخصوصًا في صنعاء القديمة -عاصمة النبي، التي لا يوجد بها سفارة، بل يفخرون بذلك مرددين: "هل كان في سفارات أيام الرسول.. في ستين داهية.. الرسول قدوتنا"، و"اعقلوا هؤلاء مؤمنون.. إنهم مجاهدون"، فالكل مماثل، ولا قانون ودستور إلا ما يخرج من عمامة نبي صنعاء.
فلا غنوة وسلم موسيقى وفرقة "حوت كل فن"، ولا شعارات تمجد الحياة وإنسانها، بل شعارات مفاتيح الموت الإلهي، وتعويذات للضحايا المجانيين باسم الجهاد الأكبر (العدوان)، مثل: "الإيمان بمبدأ الولاية قضية يرتبط بها النصر، ولاية الإمام علي (عليه السلام)، تخشى الأمة من تولي اليهودي والنصراني"، "في هذا العصر نحتاج إلى أن نتفهم موضوع الولاية أكثر من أي وقت آخر"، من كان علي مولاه ختم كل لافتة، الإيمان بمبدأ الولاية قضية يرتبط بها النصر، شهداء الغدير، شارع شهداء الغدير، الشعار الذي أزعج أعداء الأمة لأنه عمل ديني، "محمد رسول الله"، و"المشبوهون يعملون لتذليل الصعوبات أمام العدو لتنفيذ أهدافه"، "أمة تعشق الشهادة"، "المحايد هو شخص لم ينصر الباطل، ولكن من المؤكد أنه خذل الحق"، علي بن أبي طالب، "كيف تهددون قومًا يعشقون الشهادة". هذه الشعارات تلخص مفتتح ومختتم الفاشية البدائية للنبي وأنصاره وعاصمة النبي (صنعاء)، وكل المدن التي تقع تحت سيطرتهم.
هكذا أصبحت مدينة النبي منذ الغزو 21 سبتمبر 2014 حتى اليوم 2024، حيث التدرن السمعي والبصري، والروحي، "حيث الجهل نعمة، حيث يداهن أحدهم الليل على فراش الجهالة، حيث يركع على ركبتيه يصلي لملاك رقيع. حيث يلتحق أحدهم بأحمق إلى الحرب في جيش الضلالات السعيدة... حيث الديكة تصيح طوال اليوم" (العالم لا ينتهي، تشارلز سيميك، ص77).
أيحق لي أن أحلم؟!
في يوم التنوع العالمي، هل يحق لي، أن أحلم بمدينة مثل مدن العالم المسالمة، حيث التنوع الثقافي، الإيمان بالديمقراطية والحرية، بالحوار، مدينة مفتوحة على التعايش الإنساني الثقافي، إذ الدين هو الإنسان، حيث المسجد بجانبه الكنيسة والكنيس اليهودي، والبوذي، وغير الديني، وبجانبه المقهى، المسرح، السينما، ساحة للعروض التسرية، إنسان عالمي، لا تختزل في جنسك، لونك، جغرافيتك، لا تسأل من أنت... الخ.
قطف خبر:
أيها القرآن الناطق، اترك صنعاء مدينة مفتوحة، كما قالها أديبنا الراحل محمد عبدالولي، فالعالم لا ينتهي، كما قال تشالرز سيميك، وصنعاء لا يحدها قرآن ولا نبي، ولا موالاة وأنصار، اليمن للجميع، لكل البشرية.. وبس!
فكيف تشوفووووا؟!

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً