صنعاء 19C امطار خفيفة

كل ما في الأمر أننا غرباء

2024-05-19
كل ما في الأمر أننا غرباء
نص مشترك/ فتحي أبو النصر- يوسف القدرة

كل ما في الأمر أننا غرباء
والجنوب شمال الروح
(كل جميل مرعب)
ریلکه
من قال إن أزقة صنعاء القديمة تقود إلى متاهة
العتمة قالت. والبياض انتشى
الروح تضيء الخطايا الناصعات فينا
كأن تلك الأزقة عروق أجسادنا تمامًا
خفيفين نتصعّد
الأحلام الشفيفة أدراجنا التي لا تحد
تأخذنا لهفة
تقذفنا إلى لهفة أخرى
الذاكرة من بياض خالص
القلب في اللحظة الصفر
بينما القصيدة تقتفي متنهدة على وقع خطواتنا
هنا إيقاع ما دماءنا ينتزع
يختزلها إلى بخور خلف قمرية ملونة
الكون يداعب ذاته بأنفاسنا
نصدح لجدران "الياجور" بأصواتنا المذبوحة
عل امرأة من حكايات ألف ليلة وليلة
تخرج حاملة حياة بكاملها على كفيها
ربما نبكي على غياب مسن
كانت العاشقات يرقصن
بشعورهن الطويلة وعيونهن المرسومة
على وقع صدى
ندخن أحلامنا الصغيرة
ونحب كما
يجب
كل ما في الأمر أننا غرباء
ونحب كما يجب
نتذكر أصدقاء بعيدين
كل منا يشد على كف الآخر
تلتحم الخرافة في خارطة الوهم السعيد
من هنا عبرت الرغبة وكانت تنتصر الجمالية واتساع
الأبواب العتيقة مخاض وانتفاض الصرخة الأولى
فيما الأبنية تتعانق ذاهبةً إلى تماهٍ مع الأزل
ربما أبد ما يفتش الآن عن تفاصيل أخفتها الحروب
العشق حوار نسترق السمع إليه
مأخوذين برائحة التوابل
وعطر مسن يلتحي الحياة بطفولة محضة
قدنا إلى البعيد أيها الحلم
خذنا إلينا يا الله
خذنا إلينا يا الله
كم عار هذا الليل
وأذهاننا من مرايا
يتساقط عليها مطر حاف من الإرث المكبل
هنا لا نهاية للدهشة والافتراس:
عناقيد من الفل تتدلّى على صدر المشيئة
كهول يسردون التاريخ
وجع فرح بحرية تتشكل على ملامح
كأنها لوحة لـ طلال النجار
غادرت بروازها إلى انسجام مهيب
للقصيدة طينها يحبو إلى نهد السر...
للانفلات مسار يعرفه التائهون
كانت الإنارة تُمسّد الأزقة
بدموع تسرح شرود عاطفة
تركت ملحها فينا وتأوهت
خاصرة المدينة تتلوى على أوركسترا السكينة
التأمل يحيك في الذاكرة فساتين زفاف
للذين سكنوا بلاد رهافتنا
تحضر داليا رياض برشاقتها
تشاكس قطًا كأنها قطة تموء بالأقاصي
مخالبها تجترح آفاقًا من صلوات وغناء
عيونها الوسيعة أبواب براءة لا توصد
ترى من علم النشوة كيف تأتي أنيقةً
تحن إلى تراب أصيل يعترينا؟
نتوغل في سجائرنا دخانًا يطوف
نرشق الأسوار بنظرة تفضح الاشتهاء
سلام علينا يسقط من نافذة حميمة معبأة بدفء ملتاع
أصابعنا تحتك بهوى لا ينتهي
نصافح قلائد من عقيق
ولكم نود أن نهدي عاشقات مرتبكات أحجار اشتباكاتنا هذه:
العقيق مشهد التهادي
العقيق كثافة الرؤى
العقيق استراق قبلة عند أدراج الرياحين
تومض كاميرا
فتنجب طفلًا من خطيئة
انسياب من عناق لحظي
طفل تاه سريعًا في ضحكتين غامقتين
وابتسمت عيناه
كان يحش الولادة تترجرج على كنبة النثر
الأب الضال لقمان ديركي
ظلًا مخمورًا ينعش في الرحم جلال الارتعاش
يلقي بوحه الأيروتيكي على جسد الخجل
يذوب وتزهو الأرض
تخرج من نسياناتها حرائق
ترسم ثريا مجدولين أم انعكاسات موغلة
في التشظي على سراب يتمايل ابن الخطيئة
فيه انزياح متجلٍّ ونعومة وجه قصيدة في المهد
أغنية متألقة تفض بكارة العتمة
يهتز الحنين إلى أصدقاء يتماهون...
في خطانا بأمنياتهم التي تئن
فنميل إلى زقاق يؤرجح أنفاسهم
على مدى أصابعنا فتمحي المسافات
تلتحم عطور بنبض متسارع
يهفو إلى سرة المدينة:
صنعاء هويّة الذين مضوا متفككين في التحامنا
صنعاء لوحة حداثية ينضغط الزمن فيها بؤسًا
ونحن فرشاة تسرد بياضها المفتون
السوق ينطوي علينا
تفرد كولالة نوري خيالاتها حناء
يشتم تجربةً تركض بين جفنيها ورموشها الكحيلة
ذات يقظة مرت في نعاس البائعات
وهن يرفعن عيونهن بتراخٍ لذيذ
كانت تقلب أصداء جنونها الفريد
على ركبتين خاشعتين في لغة أخرى
للصنعائيين في غرفة روحها صور تتلاقى مع كرديتها
والانطلاق درب يصوغ حزنها المنسرح
ثلج بعيد يتربع على مقعد وحيد وضوء شاعريتها
تلتقط حواس الباعة وتحنطها بوداعة
تلتفت إلى هياج يطرّز وشاح الأنوثة
الهدايا تختارها من بين أرواح كثر
بينما تلمع ضحكة ترفرف على سماء وجهها
ها هي الشمس إذن تعامد على حكاياتنا المسدلة
على العامري كان متروكًا لريح
يدور حول الجوهر غير معصوب البهاء
يغمرنا بزيت الفرح ويعمدنا بصور مأخوذة بالإدراك
كائن ألفة يبوح أشباهًا تناهت في القدم
يسجل في كشكول حساسيته غيومًا عالية
يتقدمنا إلى سلالم تجن وتشهق
يلامس التشكيلات بجلده المكتنز به
يؤول اللحظة اتساعات تجيء بغتةً
يندفع بنا بوميض أصابعه إلى الهيولى
يختلق عوالم ليس الزمان مكانها
ينفتح بشهية على حمى ريما قاسم
يجسد ماء التحليق لأجنحة تفرد صراعاتها
مع القبيلة والحداثة
مع الإرث المكبل والهواء الطلق
يا لحبات المانجو وابتهاجها على طاولة تتنهد
ريما بنت الانفراط ومرضعة التألق
تنسحب من داخلها إلى داخلها
وتخرج مأهولة بالحضور
اللوحات بناتها يترصدن سيرة المارة
يختزلن دمعات ازرقاق فتتورد المخيلة
هكذا نعود إلينا مصابين بالانعتاق
نقاسم المتعبين فول طيبتهم
ندعو ربًا قريبًا أن يترك الآمال بعافية دون خدوش
صار الألم يمضغ وحدتنا
نقعد على الإسفلت ببراءة غزاة
جاؤوا يكتشفون فضيلة التجاعيد الجائعة
تخيل معنا أيها الشباك:
عجلات الضحك تدهس قمرًا يرمي ظلاله على أدعية
متسولات يرفعن سقف بحتهن إلى حبيباتنا البعيدات بحنو
فيما يطهون دمنا المنثال على رائحة بصل وزعتر
والزيتون يعيدنا إلى أن الجنوب شمال الروح
أما طعم الجوافة فيتسلل إلى طفولة سنشربها غدًا بالتأكيد
يا لأقدامنا تجتاز الطريق الطريق
مخبول بأنواع شتى من الفراديس
وخيالات لا يتسع العالم لها
نجرد الحكمة من حكمتها غير آسفين
نكشط عيون المعدمين جحيمًا منتشيًا ببرده وسلامه
نميل حدّ نبتة غافية تبزغ بين حجارة عتبة منسية
الشجن طعام الأبجدية
وكل ما في الأمر أننا غرباء
غرباء يتفقدون بصيرتهم وحدس يسوقهم
نحو تكوينات لها وقع خرير الصفاء في عطش المتجلي
أينك يا فيروز "أنا عندي حنين ما بعرف لمين"
الطيرمانة طير تحجر في تحليقه
واحتضن ربيعه الناضر ذات تفتحات صباح خجول
صاغها الجمال
تهمس لنا بفرح الروح
تربك خزامًا متسلقًا فيتدلل عليها
المطر البضّ يستنطق الشرفات فينهبنا
نذوب في رشاقة صمتها
وهي تنصت إلى موسيقى الريح
نشعل شمعدان الأمومة في عناقها
فنشتم ملمس "يا روح لا تحزني يا قلب ضلك.. هني
زوار جينا على الدني والعمر بخره نهار"
لنكتب
لنكتب الدم في أصابع القصيدة
أيادينا تشتبك
الحب يفيض
ولاب توب طلال الطويرقي
حديقة تزهر أغاني وقبلات
فيما كأس ترتقي بنا
كم من الضحك كنا نحتاج لكي ننجو؟
الليل الذي جمعنا على عود
ليل انتهز فرصة المطلق الخفي وأسقطنا فيه
ليل جاء من بياض عيون الحبيبات البعيدات
ليل بأجنحة لامرئية
ليل كأنه سرة الإجابة للسؤال الطلق
ليل فظيع الاكتمال
ولذا كان على الموت أن يقطفنا به
ثمة ما يدبك في قاع الروح
ثمة ما يجعلها ممسوسة
ثمة ألم يصر على أن يكون فرحًا
صوت فيروز والأعشاب الغافية
وتسهدات العشاق خلف الشبابيك
النهار يسلم مفاتيحه لأول موجة
تحتضن الشمس
فيما إيمان الإبراهيم على نعاس
كأنها النار طفلة مدللة
كذا تدلل قطعة الشوكولا
تندلع من جوف القلب
تغفر لأولئك فيتكاثرون كزنابق في ممشاها
كان وتر يتنهد
وصوت يتشرح شوقًا
وفضاء لحتى يشبه الدرك الأسفل من روحها
وثقة التواء ناعم في ارتعاشة الحجز
وكثافة للجلال
إیمان معنى أبيض يغلقنا في الـ هناك
متسعة ووفيرة أشجار تعرش في يقينها
تمسك الشك وتلوي عنق الفرع بأنفاسها المتصاعدة
رمانة ضوئية للحدس هي
ترد للمخيلة عافيتها
وتمطر ضحكات على قلوب من تحب
أشياء لا يدركها الجبل تفرحها
تعشق أن ترقص بين ذراعي الليل
كما داليا رياض التي مازالت تشاكش قطها
أن يصنع لها صديق عقدًا من عتمة مرصعة بنجوم
أن يخبرها القمر عن اقتراب فرح ما
تفرحها رمال ممتدة على مرمى البصيرة
وسماء تبدو كبيت آمن
كما هبة عصام الدين
تتسلق غيومًا كأسرة لا تخدع أحلامها
لا تدخن ولا تشرب قهوة صباحية
ولا تعول على صديقها الذي من طين
زهو الكاميرا
كثيرًا ما شكلته
ولم يكن الطين مرة واحدة كما شاءت
تعجبها حيرتها تجاهه
تحب الاختلاف الكبير الذي بينهما
الأرض مساحة لهما معًا وتحفظ ذلك من اختارته
مازالا يلعبان معًا قصة قديمة
ومازالت تفرح به كذلك
الشجر الناعس لا يفضي إلى النسيان
الكلاب أكثر حلاوة من الكلاب العادية
مآذن تجوع وتجوع
وقباب معصورة بريقنا الشارد الذهن
وما من جنون إلا ونحن عشه المشحون
الحبشيات للسهر والحظوظ مثقوبة
وهنالك صباح ديكة يستطيل في بسمة محمد خضر
هذه البسمة كيف لها تذيب أخطاءنا الصغيرة هكذا؟
الإيقاعات مقرونة بأحفاد لامرئيين
يتقدموننا إلى دمع الورد
الشراشف كأنها الفزاعات
والهواء بارد وثمة أغصان متشابكة
بينما جهاد هديب يجرع كؤوسه دفعة واحدة
ومن وراء الزجاج يحدق إلى الندى
ثم يلامسه برقة فنسكر
قيل لنا إن حمدان القرمطي مر من هنا
وأن وضاح اليمن قد شكل رماده
من زقزقات هذه الطيور
الطيور التي رأيناها على حد خناجر
تلمع في أيدي راقصين غامضين
كانت صدوعًا في كعكعات ثقيلة
وأسئلة تأتي بها الريح
وكما يليق... بهذياننا
أفقنا مرتين في الغيبوبة
فالوجوم دهشة الوعي
الذين مضوا ازدحموا في التيه
أما نحن شركاء الذي لا يقال حين يقال
حيث للجحيم نشوة
والمغفرة أنثى تغني -وحيدة- لنفسها
فيما يبدو أن أحمد الفلا
لن يهدأ في تقليم أظافر الكارثة المجلجلة
إذ إن مشاعر قتله سرحت في كحاتنا
وعلى نوافذ القلب كوابيس سكبها البرد عند الوداع
شواردنا مبجلة والحنين إلى الشك
يطرز خفقًا لا يتهاوى
للصمت مذاق اللامتناهي
فلنتشبث بمهرجان النجوم الرشيق
في رواق الفندق إذن
والكؤوس التي تدور على الجماجم
وجلجلة الضحكة الآتية من جهة علي حبش
كان بها كل البروق وخلاصة الشهق اللطيف
وطيور تناقر البعيد بموال قمحي
علي التعيس كعاشق أخير
علي الذي "هجموا عليه الجبناء
وحين بصم على ديوانه وأهدانا إياه كان يبكي
علي الذي آخى الفقد منذ الهاوية
في الليل تمامًا.. حملتنا أرواحنا باتجاه عدن
نتبع شرارة خفية
أصابت جوانية اللحظة التي من شهب
غيمة معلقة بين الجبال كان الباص
ومطر يتساقط بدلال لئغمة أنثى تدرك أنوثتها فينا
كنت عاليًا وعلى
تداعب الوقت وهسيس دمك يرفع أمنيات
للذين ناموا في يقظتهم
كنا نقلب الأرض بحثًا عن آثار رامبو
بحثًا عما تشطى منا
حدقنا في صمت المرايا وحزن لا يؤول
فأصابنا الذهول
لفحتنا شمص سبقتنا إلى هناك
فانفردنا كسعاة في الأسئلة
انفتحت تحت جفوننا طرق رامبو
وكانت رائحته تحلق كطيارة ورقية
تحت جلده البركاني كنا كثيرين
الله كريم تعلمها رامبو في عدن
ولقد كان صمته رهيبًا وهو يتركز للبحر
بما نسته زرقته ذات قصائد
* شاعر فلسطيني يقيم في غزة
* شاعر يمني يقيم حاليًا في عدن

صنعاء -الخميس 18 مايو 2006م

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً