صنعاء 19C امطار خفيفة

السلطة الزمنية والسلطة الروحية في الإسلام

العلاقة بين السلطة الزمنية والسلطة الروحية لا تنفك تضغط بثقلها على نظم الحكم منذ المراحل المبكرة للتجمعات البشرية ونشوء الدول القديمة وحتى الوقت الراهن، فيما قَدَّم الإسلام نموذجًا ضافيًا لتلك العلاقة تتجاوز حالة الصراع المزمن بينهما إلى علاقة أكثر تكاملية وتميزًا.


كان الرسول الأعظم محمد بن عبدالله، يجمع بين السلطتين الزمنية والروحية، فهو إلى كونه رسول الله ونبيه المُوحَى إليه، القائد السياسي الأول للمسلمين.. واستمر الخلفاء الراشدون الأربعة في الجمع بين هاتين السلطتين كتجسيد خلاق لروح الإسلام في كونه دينًا ودنيا.
وحتى في المراحل اللاحقة للخلافة الراشدة، في العصور الأموية والعباسية والعثمانية، والدويلات المستقلة عن سلطة الخلافة المركزية، ظل الحاكم يجمع بين هاتين السلطتين، في استلهام تاريخي لم ينل منه القِدَم ولا البلى للتقاليد الأكثر تبجيلًا وقداسة، والتي كان عليها المسلمون في صدر الإسلام.
وفي العصر الحالي، يظل الحكام المسلمون الأكثر حرصًا على الظفر برضا رجال الدين لتدعيم سلطتهم الزمنية، وفق مقولة ابن خلدون "المُلك بالدين يبقى والدين بالمُلك يقوى".. لتتمظهر تلك العلاقة في تحالفات وثيقة بينهما، لعل أشهرها القائمة في العربية السعودية، بين سلطة آل سعود السياسية، ومرجعية مشايخ الوهابية الدينية، وهي علاقة لا تنفك حاضرة بقوة حتى الآن.. بموازاة حرص حكام مصر المتعاقبين، على نيل رضا السلطة الدينية للأزهر الشريف، بخاصة في الأمور المصيرية والحاسمة.
مفهوم "الخلافة" كتعبير عن تلازمية السلطتين الزمنية والروحية عند سنة المسلمين، يقابله مفهوم "الإمامة" عند شيعتهم، وإن خضع الإمام لشروط أشد تعقيدًا من تلك التي للخليفة، بخاصة عند الشيعة الاثنى عشرية التي تقتصر السلطة الروحية فيها على اثني عشر إمامًا، آخرهم الإمام الغائب الذي سيعود لقيادة المسلمين آخر الزمان وفق معتقدهم..!
أمام معضلة "الغيبة الكبرى" لإمام الزمان، وموجبات قيام نظام الحكم على أسس دينية، تفتقت الذهنية الشيعية عن مفهوم "ولاية الفقيه"، إذ يستمد مالك السلطة السياسية مشروعيته من المرجعية الدينية للفقيه، لتتولى الأخيرة مهام توجيه السلطة السياسية، كما في نظام إيران الآن، وهو النموذج الذي تسعى إيران لتعميمه على المنطقة العربية.
العلاقة بين السلطتين الزمنية والروحية في المجتمع الإسلامي، شابها نوع من الصراع، إلا أنه لم يصل مطلقًا إلى حالة طلاق تام، بخلاف المسيحية التي عانت انفصالًا حادًا بين سلطة الكنيسة الروحية وسلطة الملك الزمنية "دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر".
ضدًا على ذلك، شهدت نظم الحكم في المجتمع الإسلامي، نموذجًا متفردًا تحوطه سمات التكاملية والتفاعلية بين السلطتين، أبرز شواهدها، أن الخليفة المسلم كان عندما يبعث واليًا لأحد البلدان، يرسل إلى جانبه قاضي القضاة والمحتسب، في مؤشر بالغ الدلالة لحالة من تقسيم العمل الخلاق بين السلطتين لا الطلاق القسري والانفصال التام بينهما.
ومع عدم انتفاء إمكانية قيام الصراع في المجتمعات على بواعث دينية صرفة، إلا أنها تظل محصورة على المجتمعات متغايرة الأديان، فيما النزاع في المجتمعات المغلقة المتماثلة في بيئتها الدينية وموروثها الثقافي، يغلب عليه سمة الصراع على السلطة الزمنية باعتبارها المسار السريع للوصول إلى الثروة، وإن جرى تغليفه بطابع ديني مذهبي أو طائفي، لا سيما حينما يأخذ فيها الصراع طابعًا مسلحًا عنيفًا، عوضًا عن توسل الأساليب السلمية للوصول إلى السلطة، كالانتخابات وعديد أساليب ديمقراطية، لا تتعارض مع الإسلام، ولا تعدو أن تكون تطويرًا حداثيًا لمفاهيم الشورى وأهل الحل والعقد.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً