روي في تاريخ العرب "كتاب المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، أن (ذا جدن) من أقيال اليمن (حمير)، والقيل: (تبع) أو (ملك) أو (حاكم). وفد إليه رجل من بني كلاب، وكان (ذو جدن) على سطحه فقال له (ثب) أي (اجلس) بلغة حمير، لكنه (قفز) فهلك. وهناك رواية أخرى للاصمعي: عندما كان (ذو جدن) مارًا بموكبه من ظفار مملكة حمير رأى رجلًا من بني كلاب واقفًا على صخرة، فقال له ذو جدن: (ثب) فما كان من الإعرابي إلا أن رد عليه سمعًا وطاعة، فوثب من على السطح، أو الجبل أو التل الصخري، فهلك.
تعجب (التبع)، وسأل عنه، فقالوا له: إن (ثب) في لغته تعني (اقفز)، وهي بلغة حمير (اجلس)، والوثاب هو الفراش في لغة حمير، وأقرب معنى للكلمة (اجلس واسترح)، وظن الأعرابي أنك أمرته بالقفز من على التل. فقال(ذو جدن): ليست عربيتنا كعربيتهم، وأطلق القول من (ظفّر حمّر)، أي من يريد أن يأتي أو يعيش في ظفار (عاصمة الدولة الحميرية)، فليتعلم اللغة الحميرية أو لغة أهل اليمن، وإلا فإنه لا محالة هالك.
لا جرم، إن الخطأ الكبير الذي وقع فيه التحالف، هو أنه لم يحسم الحرب في أشهر وفقًا لتقديراته، وإنما طالت الفترة حتى وصلنا إلى ما نحن عليه من خسائر، ودمار، وانعدام رؤية لحل، بعد أكثر من ثماني سنوات من حرب ضروس، داخلية -داخلية، وخارجية -داخلية، تجاوزت سنوات الحرب العالمية الثانية، فكل ما شاهدناه، ولمسناه من نتائج حتى الآن في الجانب العسكري السعودي -الإماراتي، ليس سوى تشكيل مليشيات، ونخب، وأحزمة أمنية من ناحية، وجيش شرعية محدود التسليح موصوم بالأخونة، والإرهاب من ناحية أخرى، فكلما تقدم في جبهات الحرب قصفه الطيران، وكلما بقي في ثكناته لا يسلم أيضًا من القصف، ناهيك عن القصف الخاطئ على المدن، والقرى، والذي ذهب ضحيته -حسب تقديرات دولية معنية- أكثر من ثلاثمائة وخمسين ألف قتيل من المدنيين، وضعفي العدد من الجرحى، معظمهم يعانون من تشوهات وعاهات مستديمة، إلى جانب تدمير البنى الأساسية. علمًا أن ضحايا الحرب قد يزيدون كثيرًا، حسب إحصائيات داخلية.
وبين هذا وذاك ثمة (حكومة أمر واقع) في العاصمة (صنعاء)، وحكومة شرعية في العاصمة المؤقتة (عدن)، إلى جانب سيطرة مليشيات محلية مدعومة إماراتيًا، وكذا تواجد فرق عسكرية من التحالف على السواحل و الموانئ والمدن الجنوبية من المهرة شرقًا حتى جنوب الحديدة غربًا، مما يعد أحد العوامل الرئيسة لإطالة أمد الحرب.
وتبين أن الأمور تسير صوب مخطط لحروب داخلية يمنية -يمنية، توازيًا مع مصالح إقليمية، ودولية.
وأصبحت الحرب تأخذ بعدًا آخر بعد أن اكتسب أنصار الله (الحوثيون) قدرات عسكرية تشمل صواريخ، وطائرات مسيرة، وتطويرها ليصل مداها إلى العاصمتين (الرياض) و(أبوظبي)، واليوم إلى الكيان الصهيوني المحتل (إسرائيل).
ومن البدهي، إن الحروب لا تحسم عادة من الجو، بقدر ما تكون إسنادًا للحسم على الأرض. وعليه، فإن مثل هذا الأمر يعد أيضًا من العوامل المؤكدة لإطالة أمد الحرب وتقسيم اليمن.
حقيقة، إن دور التحالف العسكري العملياتي كان مخيبًا للآمال خلال مرحلة ما قبل الهدنة التي تشهد حاليًا معارضة في تجديدها من قبل جماعة (أنصار الله)، إلا بتنفيذ جميع الشروط التي طرحت من جانبهم للمبعوث الأممي (هانز غروندبيرغ) السويدي، والمبعوث الأميركي (تيم ليندركينغ).
وإذا ما عدنا إلى تطورات الحرب، لوجدناها عبثية مع مرور الوقت، ناهيك عن بروز مليشيات محلية للتحالف مدعومة إماراتيًا، لم تستجب إطلاقًا إلى تنفيذ بنود (اتفاق الرياض 1 و2)، حتى بتواجد (مجلس القيادة الرئاسي) في (عدن) الذي وصل من (الرياض) إلى العاصمة المؤقتة (عدن) لمباشرة عمله لمرحلة انتقالية جديدة يوم 19 أبريل 2022م.
علمًا أن مجلس القيادة الرئاسي مكون من رئيس وسبعة أعضاء بدرجات نواب رئيس، ثلاثة منهم قادة (مليشياوية) ومحافظان برتبتي (لواء) وعضو مجلس نواب ومستشاران للرئيس (عبد ربه منصور هادي) الذي سلم السلطة باستقالة مفاجئة في 7 أبريل 2022م، وبصورة غير دستورية وقانونية، ويعتبر بحكم (المقال) بوجه غير شرعي كرئيس دولة، حسب المشرعين.
أما بالنسبة لأعضاء مجلس القيادة الرئاسية رئيسًا ونوابًا للرئيس، قلما يجمعهم التعاون، بل ينقصهم الانسجام والتوافق في السياسات، بل إن تواجدهم عبارة عن تأدية مهام مؤقتة.
ويسود الاعتقاد أن تواجدهم في العاصمة المؤقتة (عدن)، وبعبارة أدق لا يعدو أن يكون مسكنًا أو مهدئًا للأوضاع في مناطق تواجد التحالف، وذي صلة بترتيب مؤقت لأوضاع وأطماع إقليمية ودولية في الجزر والموانئ اليمنية.
على صعيد آخر، هناك مآخذ على الهدنتين السابقتين اللتين لم تثمرا حتى الوقت الراهن بحلول ناجعة بالنسبة للوضع الأمني الداخلي ومعيشة السكان.
وفي السياق نفسه، تتواجد فرقة عسكرية سعودية في محافظة المهرة، ومما يزيد الطين بلة تواجد عسكري أجنبي أيضًا في كل من شبوة والمهرة، حسب شهود عيان.
في واقع الأمر، إن تواجد التحالف العسكري السعودي -الإماراتي في المناطق الجنوبية، مدعومًا بمليشيات محلية ممولة إماراتيًا، إنما يكرس السيطرة على موانئ، وجزر يمنية في البحر الأحمر وبحر العرب، بحماية يمنية بالأجر، وبالذات أرخبيل (سقطرى) و(ميون)، وموانئ (المخا) و(عدن) و(شقرة) و(بلحاف) و(المكلا) و(الشحر) و(نشطون) و(سيحوت) و(دمقوت) و(حوف) و(قشن)... الخ، بحجة تأمين الممرات البحرية الاستراتيجية، ومكافحة المخدرات والتهريب والإرهاب على امتداد السواحل اليمنية من جنوب الحديدة حتى المهرة، وبدعم وتنسيق لوجيستي أميركي -بريطاني وإسرائيلي.
إن كل ما يحدث للأسف الشديد، تدفع ثمنه (اليمن) أرضًا، وإنسانًا، وجغرافية، يقابله موقف أنغلوساكسوني أميركي -بريطاني مخيب للآمال، من منطلق سعيه الرامي لصياغة المنطقة بما يحقق تنفيذ مشروع القرن الإمبريالي الصهيوني الساعي للهيمنة العالمية: التجارية والاقتصادية من خلال تأمين الممرات المائية الاستراتيجية والجزر والموانئ لمرور ناقلاته النفطية والغازية والتجارية، وقطع الطريق على الصين كمنافس اقتصادي قادم لا محالة خلال العقود القادمة.
الجدير بالتنويه، أن أفضل وأدق ما يمكن التعبير عن التحالف العسكري في اليمن، هذا البيت من الشعر:
المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار حقًا، إن الإجراءات المتخذة من قبل التحالف العسكري السعودي -الإماراتي، مخالفة لميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن التي تدعو كل الأطراف والدول الأعضاء إلى أن تمتنع عن اتخاذ أي إجراءات من شأنها تقويض وحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية.
الجدير بالذكر أن مثل هذه الانتهاكات لن يقبلها الشعب اليمني المعروف بطبيعته، وتاريخه الرافض لكل معتدٍ آثم على سيادته وسلامته الإقليمية، فالتاريخ عبر، وعلى من دبر واستسهل، أن يعي حكمة تبابعة (ملوك) اليمن "من ظفّر حمّر".
وما أشبه اليوم بالبارحة، فإن أتى من أتى طامعًا إلى اليمن، فلن يعود إلا مهزومًا ممرغًا بالتراب، طال الزمن أو قصر، ومن أتى أخًا أو صديقًا أو ضيفًا أو مستثمرًا بموجب القانون، فعلى الرحب والسعة. ولله العزة والمنعة.