صنعاء 19C امطار خفيفة

لمن يقام الدعاء وتقرع الأجراس في سائر الأوطان؟

إن الكفاح في سبيل الحق، ودرء الظلم، من المثل العليا.. فالتضحية لذة الحياة متى ما كان الأمر يقتضيه الواجب الوطني.
إن الأوطان لا تباع، ولا تشترى، كما أن التدخلات الخارجية، والانتماءات والأيديولوجيات الهدامة، ومحاولة فرضها بقوة السلاح على شعوب عزلاء، تعتبر نوعًا من الفاشية والإرهاب الفكري ودمار الأوطان.


الوطن هو الأم الرؤوم، ودونه الموت، كما أن التضحية لمواجهة احتلال أو حكام طغاة واجب وطني مقدس انطلاقًا من مفهوم راسخ، أن الأوطان ليست إقطاعيات وسخرة واستعبادًا أو رهنًا لمحتل.
إن حب الوطن من الإيمان، فالوطن يجب أن يدافع عنه جميع أفراد الشعب حاسرين ودرعًا من عدو خارجي أو من أي ظالم مستبد.
ويهول الموقف ويستعصي الحل على فئات سياسية سوى أن تتقاتل في ما بينها، وتفرض نفسها بقوة السلاح استئثارًا بمقدرات البلدان على حساب حقوق الشعوب المغلوبة على أمرها، وبالتالي فإن مصيرها الحتمي هو السقوط الذريع.
حقًا، إنها مأساة الشعوب عندما تنقلب أحزاب البلدان على نفسها، وتنصاع لتدمير أوطانها، وتجعلها صيدًا سهلًا للأعداء من خارج الحدود، ومجالًا لتنافس طمع الطامعين.
إن ما نشهده اليوم في كثير من البلدان العربية، هو خلاصة تراكم فتن وفساد وحروب في بنية النظام العربي العميق طوال أربعة عقود سادها عدم الاستقرار والأمن والأمان، أوصلت المجتمعات العربية إلى ما نحن عليه اليوم من تيه، وإملاق، وسقم.
حقًا، كان عزاؤنا الوحيد في اليمن، أن الشباب تسنموا المسؤولية في مؤتمر الحوار الوطني (2012-2014م)، الذي أفضى إلى "مخرجات الحوار الوطني"، ثم ضم إليها "اتفاق السلم والشراكة"، لبناء يمن جديد، ينعم بمواطنة متساوية، وعدالة اجتماعية، وكان النموذج الأمثل
المرتجى لليمن، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فبعد أن تعرض الشباب في جميع الساحات للحرق والقنص، ومرت الأيام، وانعقد مؤتمر الحوار الوطني، ونجحت الحوارات، واستحق الشباب النياشين على صدورهم بكل جدارة واستحقاق، وارتقت تضحياتهم إلى مستوى أبطال رواية "لمن تقرع الأجراس؟،" للروائي العالمي "أرنست هيمنغواي"، وإذا بالمشاكل تعود من جديد، تمثلت باختراقات حزبية وتدخلات إقليمية ودولية سافرة عمدت إلى إثناء مسار ثورة الصدور العارية، وإذا باليمن تقع في حرب ضروس استغرقت أكثر من سبع سنوات، سببت دمارًا وخرابًا هائلًا في البني الأساسية، وراح ضحيتها الآلاف من الشهداء بقصف العدوان.

ومن هذا المنطلق، نؤكد أن استمرار الحروب وقتل شعوب آمنة جريمة لا تغتفر. وما نود توضيحه، أن وضع اليمن صار على حافة الهاوية، بل على كف عفريت، فإما أن يراجع اليمنيون أنفسهم، ويعودوا إلى طاولة المفاوضات، ويقفوا معًا لإنقاذ اليمن واستعادة ما أخذ عنوة برًا وبحرًا وجوًا، وإما الانصياع لرغبات العدو وتثبيت سيطرته على سيادة البلاد، وتفتيتها، ونهب تراثها، وثرواتها، وموانئها، وجزرها، وفرض الوصاية عليها بذريعة محاربة الإرهاب، والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
قصارى القول، إن لنا عودة إلى التاريخ، فإنه رغم الإحن والمحن، لن يستسلم الشعب اليمني للعدوان، فتاريخنا منذ أكثر من ستة آلاف سنة كله تضحيات في سبيل الحق ودرء الباطل، وسيظل يضحي في سبيل الوطن وسائر الأوطان العربية الشقيقة.. إن اليمن على مر التاريخ عودتنا أن تنهض كالعنقاء من رماد جسدها، لتأخذ حقها في مسار الحياة بكل إباء واعتزاز.

وعلى صعيد آخر، إن من أهداف الاستعمار الصهيوني هو تنفيذ المخطط المرسوم لمنطقة الشرق الأوسط، المتمثل بتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، ليسهل فرض سيطرته على المنطقة، بالتماهي مع صفقة القرن التي تتضمن التطبيع مع العدو الإسرائيلي المحتل لفلسطين، وشق مشروع "قناة بن غوريون" الموازي لـ"قناة السويس"، بدءًا من الهند ثم الخليج، مرورًا بـ"إيلات" وصحراء النقب إلى البحر الأبيض المتوسط، وكذا الحد من التنافس الاقتصادي لجمهورية الصين الشعبية وشركائها.


وكل الشعوب العربية أمل بأن ترفع صوتها عاليًا أمام العالم الحر في الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية والدولية، وأمام كل شعوب العالم المحبة للسلام، والتأكيد بعبارات مدوية: "كفى قتالًا ودمارًا، كفى تدخلات خارجية في شؤون بلداننا وانتهاك سيادتها وسلامة أراضيها واستقرارها، ووحدتها الوطنية".
ومن الجدير بالذكر، أن فلسطين المحتلة تتعرض لهجمة إسرائيلية وغربية شرسة، وكأن العالم يعيش في أدغال غابة، يحكم بقانون الغاب، فمن معه مخالب يبطش ويقتل كيفما يشاء.
ونحن على ثقة أن في فلسطين شعب الجبارين، رجال شجعان ومقاتلون أشاوس بمقدورهم اصطياد الوحوش بكل ما ملكت أيديهم.
وهناك رجال من أشقائهم العرب، سيقفون معهم بالمرصاد جنبًا إلى جنب لمواجهة العدو الإسرائيلي الصهيوني الغاشم، واستعادة الأراضي الفلسطينية المغتصبة مهما طال الزمن أو قصر.
ولحسن الطالع، جاء وقوف كل من مصر والأردن في الوقت المناسب، حيث وجهتا صفعة لصفقة القرن بالتصدي للتهجير القسري من غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية إلى كل من سيناء والأردن. وبالتالي، أحبطتا ما كان مخططًا له في المشروع الصهيوني الرامي إلى تصفية القضية الفلسطينية على حساب مصر والأردن، وتأكيدهما الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني الشقيق الذي يتعرض لحرب إبادة (هولوكوست) على أراضيه، وذلك في كل محفل، وعلى كل منبر إقليمي ودولي، والضغط باتجاه إيقاف الحرب الإسرائيلية الغاشمة، وفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية وتبادل الأسرى، والالتزام بتجنب القصف على المستشفيات والمساكن وتدميرها على رؤوس أصحابها من المدنيين، والتحذير من التمادي في تلك الممارسات غير الإنسانية والأخلاقية التي من شأنها جر المنطقة بأسرها إلى اتون حرب لا تبقي ولا تذر.
وختامًا، اؤكد أن التضحيات في سبيل الأوطان من عدوان خارجي على الأمة، هي من يجب أن ترصع ذكراها، بأحرف من نور، على صفحات التاريخ المجيد، وإن المضحين في سبيل الحق هم المقاومون الشجعان، وأيقوناته في كل الأزمان، وهم من يجب أن تقام عليهم الصلوات ويرفع لهم الدعاء عند كل صلاة، وهم من تقرع لهم الأجراس وتعزف لهم أناشيد البطولات باختلاف الملل والمعتقدات والأديان في سائر الأوطان.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً