كان النظام في صنعاء يحتكر استخدام ورقة الدين ويتلاعب بها، ويستفيد من تحالفاته مع الجماعات الاسلامية لتوسيع دائرة هيمنته وتصفية خصومه، وبالدرجة الأولى الحزب الاشتراكي اليمني، أكان قبل الوحدة أم بعدها، حيث استوعب «النظام» الجماعات الاسلامية الحركية العائدة من افغانستان، وعمل على تسمينها في أحضان «الفرقة الاولى»، واستفاد من خبراتها في تفخيخ المنشآت والسيارات، وتفجير الفنادق والمنازل، وفي الاغتيالات، وتجلت تلكم الاستفادة، في حدودها القصوى، أثناء انجاز الفصل التمهيدي الأسود من الحرب التي بلغت ذروتها في 7/7/1994.
وبعد الحرب تلخبطت الأمور، وتبدلت خارطة التحالفات، ولم ينفسح المجال أمام «امراء» الجهاد ليقيموا إمارتهم الاسلامية في عدن وعلى أرض الجنوب كورثة موعودين للاشتراكي.
واستمر «النظام» على عادته القديمة من غير أن يحسب أي حساب للخسائر الناتجة عن التصفيات السابقة.
وكما كان بالأمس راح يكرر نفس اللعبة ولجأ إلى «العلماء» المخضرمين في موالاته بصنعاء.
وإلى جانب «العلماء» راح يؤلب الجماعات السلفية وخطباء الجمعة. ولم يتردد هؤلاء في إطلاق أكثر من «فتوى» لمهاجمة المعارضين الجنوبيين «الانفصاليين»، وسوغوا للنظام دعمه وتسليحه لجماعات الدفاع عن الوحدة: كتائب الموت.
وتنادى المشائخ والعلماء والسلفيون إلى إجتماعات حاشدة منذ مايو الماضي وأفتوا بأن «الوحدة فريضة شرعية واجبة»، وأيدوا فتوى الشيخ الزنداني والشيخ صادق الاحمر ودعوتهم إلى حمل السلاح للدفاع عن الوحدة، وقالوا إن «الوحدة نعمة إلهية عظيمة»،... إلخ. ولم يدر بحسبان هؤلاء «وكبيرهم الذي علمهم السحر» أن السحر سوف يرتد على الساحر، وأن مناخات ما بعد حرب 1994 قد ولدت كوكبة من «العلماء» والمشائخ والأمراء المؤزرين بآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول والأتباع من المشائخ والعلماء.
وأصدر «علماء» الجنوب أكثر من فتوى مضادة على الفتاوى الصادرة من العلماء في صنعاء، وانتقلنا من عهد الثورة والثورة المضادة إلى عهد الفتوى والفتوى المضادة.
وخرجوا ببيان «الموقف الشرعي» حول التظاهرات والحراك السلمي بالاستناد إلى آيات من الذكر الحكيم.
وقالوا: «إن الوحدة باطلة، وفاسدة، ولا يجوز الدفاع عنها، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، و«الحكومة الباغية مخالفة للشرع»، و«من قُتِل مدافعاً عن أرضه وماله ونفسه وعرضه فهو شهيد»، و«من قُتِل دون ماله فهو شهيد».
وأستندوا إلى أهل العلم، كالأمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- وشيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله- وجميع المراجع التي أستند إليها «علماء» صنعاء.
واعتبروا المظاهرة «معاونة»، و«الظهير» ملاك حسب قوله تعالى: «والملائكة بعد ذلك ظهيرا». التحريم ورجعوا إلى المظاهرات في قصة موسى، وأفتوا بمقاتلة الظالمين الناهبين لأموالهم وأراضيهم وممتلكات الجنوبيين من الأعيان والسلاطين، وممتلكات دولة الجنوب و... إلخ.
والحاصل أن مؤسسة الفتوى لم تعد مركزية، كما صار أمر توظيفها واستثمارها حكراً على صنعاء أو على الحاكم فيها.
والأنكى أن الجماعات المتحاربة ستخوض معارك ضارية ومهلكة من صعدة إلى عدن مروراً بصنعاء.
وإزاء كل هذه المعطيات التي تقطع بأننا نتخبط في أسوأ حقب الانحطاط يتوجب القول بأن «النظام» الحاكم يتحمل، أكثر من غيره، كامل المسؤولية عن هذا الانجاز: المذبحة.
mansoorhaelMail
والفتوى المضادة.. ؟
2009-07-30