الإهداء: إلى روح الأستاذ الشهيد الصديق/ محمد عبدالملك المتوكل.
إليه: سياسي مخضرم، ومثقف وطني يمني عميق الغور في البحث في بنية الثقافة الوطنية اليمنية.. عرفته صديقًا وسياسيًا وإنسانًا كبيرًا منفتحًا على الآخر، من أهم خصائصه وصفاته أنه رجل سلام، وحوار، راكم ثقافة سياسية مدنية نجد تجسيداتها في سلوكه اليومي، فضلًا عن خبرة معرفية وثقافية عميقة بالإنسان والحياة.. كان دائمًا في صف الحداثة الفكرية، ومع تحديث المجتمع، وهكذا كان في علاقته مع بناته وابنه، ومع جميع من حوله.. اتفقنا واختلفنا في التفاصيل التي يقبع فيها الشيطان، وحتى في بعض القضايا الجوهرية، فكان يخرج منها سويًا متوازنًا حاملًا مشعل راية النور والحوار والوطنية اليمنية.
محمد عبدالملك المتوكل، مثقف وسياسي وطني يمني، علمته تجربته في الحياة خلاصة ما هو جميل وينفع الناس، ويمكث في الأرض، رحل عن حياتنا شهيدًا برصاصات غادرة مجهولة الهوية، والأجمل أنه غادرنا رافضًا للتعصب المذهبي والطائفي والسلالي.
لروحه الرحمة والسلام والخلود مع الشهداء والصديقين والصالحين.
لقد صعد نجم الشيعة السياسية المعاصرة، وبقوة، بعد الثورة الإسلامية الإيرانية، وتأسيس النظام السياسي الإسلامي الإيراني، على قاعدة "ولاية الفقيه"، كتخريجة لأزمة أيديولوجية الإمامة، التي تقوم عقيدتها المذهبية على احتكار السياسة والسلطة في المذهب الاثني عشري (الجعفري)، وهو المنصوص عليه في الدستور الإيراني الذي تقرأ فيه حالة من الوحدة، بل الاندماج بين القومي الإيراني "الفارسي"، وبين الديني المذهبي، حيث المذهب يخدم ويكرس الوجود والرؤية القومية الإيرانية، في امتدادها الأيديولوجي/ السياسي/ المذهبي التاريخي، أي القومية الإيرانية "الفارسية"، أولًا، وقبل كل شيء، والمذهبية (الدين)، ثانيًا، ولا انفصال بينهما..
فمن أجل احتكار السلطة والدولة والثروة في المذهب الاثني عشري، في إيران، تم التخلص بالتصفيات، وحتى عمليات القتل المتلاحقة، من القوى السياسية الوطنية والتقدمية الإيرانية المعارضة للتعصب المذهبي "الطائفي"، والتي شاركت في الثورة، وكانت أساس انتصارها، وصولًا للتخلص من التيار المدني الإسلامي العلماني (اليسار الإسلامي)..
وبهذا المعنى، وفي هذا السياق من القراءة والتفكير، يمكنني اعتبار قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الأساس المذهبي/ الطائفي، واحدًا من أهم العوامل والمحفزات المساعدة والمشجعة، لتوسيع قاعدة صعود ظاهرة "الأصولية الإسلامية المعاصرة" في منطقتنا، إلى جانب عوامل أخرى، منها "الوهابية السياسية"، فضلًا عن عوامل ودوافع سياسية أيديولوجية، دولية، تخدم مصالح الأطراف الاستعمارية، تحت صيغة: "صراع الحضارات/ صراع الأصوليات الدينية"..
ولذلك لا غرابة أن تلتقي وتتوحد الأصولية الإسلامية (السنية/ الشيعية)، مع المصالح الغربية الاستعمارية، والصهيونية، ضد أي مشروع سياسي مدني ديمقراطي "علماني"، أو حتى استبدادي، ومن أجل ذلك، أي "التمكين" في الوصول إلى السلطة، توحدت الجماعات الإسلامية الشيعية المختلفة (حزب الدعوة، وغيره من الجماعات والأحزاب، والمليشيات الشيعية) مع الجماعات السياسية الإسلامية السنية، للانقلاب على نظام صدام حسين (البعث)، للوصول إلى التمكين، ولو اقتضى ذلك الاستنجاد بالاستعمار الأجنبي (أمريكا وبريطانيا)، وعلى حساب غزو واحتلال بلد عربي وإسلامي، كحالنا مع العراق، وهو الذي -في تقديري- أتى على ما تبقى من المعنى القومي العربي، بعد ذهاب السادات إلى القدس لعقد صفقة "سلام" منفردة (كامب ديفيد، 1979م)، مع الكيان الصهيوني، وعلى حساب القضية الفلسطينية، وجاء احتلال العراق -وقبله احتلال صدام الكويت- و"عاصفة الصحراء"، ليكشف عورتنا القومية أكثر فأكثر، وما نعيشه اليوم على مستوى السياسة والفكر والواقع، هو الاستمرار الذاتي والموضوعي لتلك الانهيارات، والانقلابات "التمكينية"، المتعددة الأسماء، التي أوصلت الاستعمار الجديد (السياسي/ الاقتصادي والعسكري)، إلى أكثر من بقعة من الأرض العربية!
وحين نتتبع تاريخ التجربة السياسية الإسلاموية العربية المعاصرة على الأقل منذ النصف الثاني من عشرينيات القرن الماضي، وما بعدها وحتى اليوم، سنجد هذه الثلاثية قائمة بين كل منها بدرجات متفاوتة، وبتعبيرات متباينة، وفي أزمنة وأماكن مختلفة، على أن ما يتشابه ويتوحد ويتكامل في ما بينهم (سني وشيعي)، هو غلبة البعد الأيديولوجي المذهبي "الطائفي"، والتكفيري، الديني، والسياسي، تحت غطاء أنه "الصحيح من الدين"! في صورة احتكار فكرتي الخلافة/ الإمامة، في ما بينهما، مع فارق أن الخلافة عند السنة بالبيعة (الشورى)، والاختيار من بين أصحاب الحل والعقد، "القبلية العشائرية"، وفي نطاق محدود، وهو ما كان تاريخيًا، "السقيفة"، وهي عند أغلبية فرق الشيعة، تنحصر في "وصية خفية"، أو "علنية" (أقول أغلبية وليس الجميع)، وللمعتزلة رأيهم المتميز والمستقل في هذه المسألة، والذي يؤكد على حرية الاختيار "إرادة الاختيار" بالفعل وبإعمال العقل بين الناس ووفقًا لمصالحهم..
فقد وجدت القوى والجماعات والحركات السياسية الإسلاموية المختلفة في تاريخ الفكر الديني والفقهي، بغيتها في الجهاد "الخروج"، باعتباره "سنام الإسلام"، بعد تحويله إلى فكرة وقضية مقدسة بعد تقديمهم تأويلاتهم الخاصة لذلك الفكر الديني "التراث الفكري والفقهي/ الديني"، كل من موقعه (سني، شيعي)، وجميعهم يعيدوننا إلى الماضي "الفردوس المفقود"! الذي يقيسون به الشاهد على الغائب لأن جميعهم لا مستقبل أمامهم، سوى صورة ذلك الذي كان "الماضي"، في حدوده "الطائفية"، العصبوية الضيقة، الخاصة بكل جماعة على حدة (سنة/ شيعة).
ولذلك نجد أنفسنا ما نزال قابعين عند "سقيفة بني ساعدة"، وفي زمن حروب "الجمل" و"صفين"، و"النهروان"! وفي وعند سؤال كسول/ ميت منتزع من حفريات القراءة التاريخية الماضوية، للسياسة والسلطة، وبناء الدولة، تختصره عبارة: من الأحق بالإمامة والخلافة، وعند ثأر الحسين بن علي رضي الله عنه! "كربلاء"؟! ومازالوا على تلك الدعاوى البدائية "القروسطية" يختلفون، بدليل ما نسمعه اليوم، عن "الإمامة" و"الولاية" في صورة "الهاشمية السياسية"!
وكأننا لم نتحرك خطوة واحدة للأمام، من أكثر من 1200 سنة! ولذلك لا نرى مستقبلنا سوى بالعودة الدائمة إلى ذلك الماضي، وهو الأمر الذي اختصره شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني في قوله الشعري الأثير والخالد: "لماذا الذي كان مازال يأتي؟ لأن الذي سوف يأتي ذهب"، وهي إشكالية ماضية وراهنية، والكارثة أنها ماتزال قائمة ومستمرة في تفكيرنا النظري والسياسي، وفي سلوكنا العملي؛ أفرادًا وجماعات، وحتى أنظمة حكم سياسية/ أيديولوجية، فهذا البعد الأيديولوجي/ الطائفي ستجده حاضرًا وماثلًا في البنى الفوقية، وتحديدًا في بنية القضاء، وفي التشريعات ذات الصلة بالمجتمع، وبعلاقة العبد بربه في جميع الدول العربية، يسارية، وقومية، وإسلامية، وبأشكال مختلفة، وإلا كيف نفهم استمرار خطاب التكفير، و"الردة"، وكيف نفسر تبرير وشرعنة علماء دين رسميين قتل المفكرين المعارضين حتى تطليقهم من زوجاتهم، وسجنهم عبر المحاكم الرسمية، والمدنية المعاصرة، بسبب آرائهم الفكرية والثقافية والسياسية، ومن خلال وعبر بنى مؤسسات قضائية رسمية (فرج فودة، نصر حامد أبو زيد.. إلخ)، بل شرعنة عمليات القتل بما يشبه الفتاوى الرسمية من قبل بعض علماء دين رسميين، وما خفي -في غيرها- (مصر) أبشع..
الاختلاف فقط في درجة حضوره وتمثيله وتأثيره في كل بناء فوقي على حدة، هو في السعودية، غيره في مصر، دورًا ومكانة وتأثيرًا، وهو في تونس، غير حضوره في المغرب، وهو في البنية الفوقية في دولة اليمن الشمالية التاريخية -الإمامية- غيره في إمارات وسلطنات ومشيخات دويلات الجنوب اليمني في ظل الاستعمار، وهو في البناء الفوقي في دولة اليمن الديمقراطية، غيره في دولة الجمهورية العربية اليمنية (صنعاء)، وهو في السعودية اليوم غيره قبل عقد من تطورها السياسي المعاصر، ومن هنا الجدلية الملتبسة تاريخيًا وراهنًا، بين البناء الفوقي والبناء التحتي في كل المنطقة العربية، في علاقتها بالمذهبية والطائفية، وبالدين -ناهيك عن دور وتأثير الأعراف والتقاليد/ جرائم قتل المرأة باسم الشرف- ومكانته ودوره في ممارسة السياسة، بل حتى الاجتماع، وهو الذي قطعًا ترك أثره السلبي، على تطور الفكر السياسي، والديمقراطية، بل حتى على العلاقات الاجتماعية، وبالنتيجة على تطور البنية التحتية (قوى الإنتاج/ وعلاقات الإنتاج)، بهذه الصورة أو تلك،
فالسعودية في نهجها السياسي الجديد، تحاول أن تعيد رسم جدل العلاقة إلى سويتها الطبيعية والواقعية، بين البناء الفوقي، والبناء التحتي، بما يخدم توجهاتها السياسية الراهنة، مع الاحتفاظ بالطابع السياسي الاستبدادي الدموي للحكم، بدليل حملات الإعدامات التي لم تتوقف للمعارضين السياسيين، مع مساحة معينة من الحرية الاجتماعية، في صورة "هيئة الترفيه الاجتماعية"، بعد أن ظل البناء الفوقي متأخرًا، ومغلقًا على نفسه، أو بتعبير أدق متخلفًا عن البنية التحتية (المادية) (صناعة النفط/ البتروكيماوية)، تحولات العلاقات الاقتصادية والمالية، ذات الطبيعة الرأسمالية الحديثة "التابعة"، التي لا تتوافق مع الأيديولوجية السياسية الوهابية (الماضوية/ شبه الإقطاعية)، في صورة ما نشاهده من تحولات وتطورات في الإدارة السياسية والاقتصادية، ومن حراك نسبي على صعيد البنية الاجتماعية/ العلاقات الاجتماعية تحديدًا، وفي بنية الفكر السياسي والاقتصادي الجديد في إطار البنية الرأسمالية العامة "التابعة"، وهو ما نقرؤه في سياق ما يجري ضمن ما تسميه السعودية "خطة 2030م"، وتحديدًا في البعد العلمي، والتعليمي، والترفيهي، وفي الموقف من المرأة، وعلى مستوى الموقف من الدور الأيديولوجي والسياسي للمذهبية الوهابية "الطائفية السياسية"،
في الوقت الذي تعود بنا سلطة صنعاء "أنصار الله"، من الجمهورية إلى "الإمامة" و"الولاية"، أي إلى ما كانت عليه السعودية قبل أكثر من ثلاثة قرون، وإلى ما كانت عليه الإمامة الهادوية اليمنية قبل قرون سحيقة، في محاولتهم اليوم التماثل السلبي، مع الهادوية السياسية، ومع التجربة الطائفية الإسلامية "الخمينية" الإيرانية، والتجربة العراقية الطائفية الفاشلة، على مستوى البناء الفوقي، الأيديولوجي المذهبي، في أسوأ نماذجهما في التعبير عن أزمة السلطة والدولة، وعن أزمة الفكر وأزمة الواقع، الذي نجد تجسيده في بلادنا في صورة "الهاشمية السياسية". وهو في تقديري قمة الفشل المريع في إدارة السياسة، وفي الإدارة المالية والاقتصادية، وبالنتيجة الفشل في بناء الدولة.
اليوم نحن أمام معادلة: المليشيات، والسلاح، والطائفية والقبلية والمناطقية والقروية، في مواجهة النظام والدولة المنشودة، وضد المصلحة الحياتية للشعب المقهور والموزع على خارطة الجغرافية اليمنية (شمالًا وجنوبًا)، وهذه المعادلة البائسة هي القائمة من ثماني سنوات عجاف من الحرب، والهدن الحربية السلاموية الفارغة من المعنى.
إن كل ما يجري يعيدنا إلى ما قبل المجتمع الحديث، بل حتى إلى ما قبل الشعب الواحد، وإلى ما قبل الدولة حتى في صورتها التي كانت قائمة إلى قبل ستة عقود من الزمن!
فإذا كانت التجربة الإيرانية المتقدمة على مستوى البنى الرأسمالية/ المادية، وعلى المستوى العلمي والصناعي والاقتصادي والتكنولوجي "النووي"، الذي ورثته عن الدولة "الشاهنشاهية" السابقة "الرأسمالية"، تجد نفسها اليوم مع "ولاية الفقيه"، في أزمة حادة في العلاقة بين البناء الفوقي، والبناء التحتي، في صورة الاعتراضات الإصلاحية الداخلية (من نفس بنية النظام)، حيث ترتفع أصوات إصلاحية من داخل بنية النظام السياسي الإيراني الضيقة، مطالبة بسرعة إجراء إصلاحات سياسية وديمقراطية واقتصادية، ودينية، كما نسمع تلك الأصوات من قاعدة المجتمع الواسعة، وفي المعارضات النقدية الجذرية الحادة من نقائض النظام، فكريًا وسياسيًا، وهي معارضات واسعة تواجه بالقمع والحصار والقتل، والإعدامات، فكيف بنا ونحن في حالة أدنى من مستوى التطور العلمي والصناعي والاقتصادي والعسكري والتكنولوجي، والاعتراضات الداخلية فوق سقف أي توقع أو احتمال؟!
ومع ذلك تصر الجماعة الحوثية "أنصار الله"، على تجريب المجرب... تجريب ما أثبت الواقع والحياة خطأه في اليمن، وفي غيرها من البلدان، والنموذج العراقي الأكثر ثراء ماليًا واقتصاديًا، وتقدمًا على مستوى الصناعة العسكرية، وعلى مستوى العلم، وفي تاريخ بناء الدولة، يجد نفسه في هذا الوضع الصعب، من العودة للبدائية، والتخلف، ومن الإفقار المنظم والممنهج، ومن الفوضى، ومن انعدام الكهرباء، ومن تدني "الخدمات الاجتماعية الأولية"، بفعل سلطة الفساد السياسي، والفساد الاقتصادي، باسم الدين "المذهبية/ الطائفية"، بعد أن أعاد النظام السياسي "الطائفي"، "نظام المحاصصة الطائفية"، "الفيدرالية الطائفية"، العراق إلى ما قبل خمسمائة سنة وأكثر، من تاريخ العراق الذي كان، فضلًا عن تاريخ العراق الحديث والمعاصر، وهو النظام الذي هندسه وركبه، بول بريمر، "المندوب السامي" للعراق بعد الاحتلال، وزلماي خليل زاده، سفير أمريكا الثاني للعراق، بعد غزوه واحتلاله، فهل مطلوب منا في اليمن، السير في هذه الاتجاه الخطأ والكارثي؟!
لقد اشتغل الأمريكان من بعد غزوهم واحتلالهم للعراق، وبمساعدة الجماعات الإسلاموية المدعومة من الأمريكان، وإيران والسعودية، (شيعة/ سنة)، على إفراغ العراق من مقومات بناء الدولة، ومن أشكال الحداثة والتحديث، ولذلك فإن غزو واحتلال العراق جاء وكان تنفيذًا لاستراتيجية الصهيونية المسيحية العالمية المتطرفة، لأن من يسيطر على العراق "البوابة الشرقية للعرب"، هو بالضرورة من يتحكم بمنطقة الهلال الخصيب، وبالجزيرة العربية، وكان رأي نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني (اليميني المتطرف)، في حديث مع آرييل شارون، "إن الولايات المتحدة الأمريكية غزت واحتلت العراق، أولًا وقبل أي شيء، من أجل اسرائيل"، أي كان الهدف إخراج العراق من معادلة الفعل القومي العربي، والأهم تدمير العراق كدولة، وتفكيكه كمجتمع لصالح أمريكا وإيران، والكيان الصهيوني.
ولذلك سارعوا إلى إصدار قرار/ قانون حل الجيش العراقي الوطني، أحد أهم أركان وجود الدولة، وبعدها السيطرة على مواقع الثروة (النفط)، وتدمير المتاحف والمناطق الأثرية، وصولًا إلى إصدارهم قرار/ قانون "حل حزب البعث/ اجتثاثه"، وهو قانون فاشي، وفي المقابل تشجيع العراقيين أفرادًا وجماعات على العودة إلى المذهبية والطائفية والقبلية والعشائرية، والأهم تسهيل ودعم الجماعات "الطائفية"، على تشكيل مليشياتها المسلحة الخاصة "الحشود الشعبية"، يقابلها ويناظرها في بلادنا، ضرب وتصفية الجيش الوطني اليمني، وتصفية قياداته المتميزة بالاغتيالات المختلفة، ومنع استعادة الدولة، وتشكيل "النخب"، و"الحزم المليشوية"، القروية والمناطقية والقبلية، وغيرها من الأذرع المسلحة لخدمة الأطراف الخارجية ضدًا على وحدة الجيش الوطني، "طارق عفاش"، أنموذجًا.
إن القراءة المعمقة لكل ما يجري في اليمن، والعراق، وليبيا، والسودان، ولبنان، وسوريا، تقول لنا: إننا أمام مهندس واحد لكل من السيناريوهات المختلفة لتفكيك وتدمير البلدان المشار إليها، كمقدمة لتنفيذه على صعيد كل المنطقة العربية.
ومن هنا هندسة "بول بريمر" و"زلماي خليل زادة" لنظام الحكم في العراق في صورة "الفيدرالية الطائفية"، وبالاتفاق مع المليشيات الإسلاموية المسلحة، وجعل السلاح أداة لحل الخلافات السياسية والمجتمعية، وإنعاشهم القبلية والعشائرية، والطائفية السياسية، وجعل الدور السياسي الأبرز لهم في قمة السلطة، والدولة "مجتمع اللادولة"، حسب تعبير بيار كلاستر، بعد تغييب دور الأحزاب المدنية التاريخية الحديثة، تحول معها السلاح، ليس إلى أداة للحكم (تحتكره الدولة الرسمية)، بل إلى أداة لاستدامة الحرب في قلب المجتمع، والسلطة، ووسيلة للتحكم بالقوة على المجتمع، بفرض منطق التغلب، والغلبة بالقوة والشوكة والعصبية، وهو الحاصل في العراق اليوم، عبر "الفيدرالية الطائفية"، وهو ما يحاولون فرضه كنموذج -في زمن قادم- على كل المنطقة العربية، ومنها اليمن، بهذه الصورة أو تلك.
وهنا تبرز أمامنا بوضوح أزمة استمرار الثلاثية الاستبدادية الطائفية في صورة: فكر سياسي مشوه مضطرب ومرتبك، وفي شكل أيديولوجية طائفية، وقوة عسكرية/ مليشوية" جهادية"، منتشرة من إيران، إلى العراق، إلى اليمن، وإلى لبنان، مع مراعاة للخصوصية اللبنانية، ومن جدل هذه العلاقة الثلاثية المأزومة على صعيد كل قطر، وفي علاقة لا تنفصم بالبعد الإقليمي (إيران)، نرى تكرس جدل هذه الثلاثية، في علاقة تبعية من الوكلاء، للكفلاء، الخاسر الأعظم فيها هو الشعب، والدولة المغيبة، على صعيد كل بلد، بدرجات متفاوتة، وهو ما نشير إلى خطورة استمراره في كل ما نكتب.
اقرأ أيضاً على النداء: الحوثيون.. بين السياسي والأيديولوجي والعسكري (1-3)