بعد ثماني سنوات من الحرب والحصار، أصبح التدهور المستمر في مجال القطاع الصحي في مدينة تعز، وسط اليمن، أمرًا لا يطاق، وبات يخنق شرائح مختلفة من المجتمع هناك. وهو ما يستدعي استجابة سريعة وفعّالة من الأطراف المعنية في البلد وخارجه، بحيث يكون من شأنها رفع الحصار عن المدينة، مع ما يترتب على ذلك من تطبيع لشؤون الحياة وعودة للخدمات.
وخلال الأشهر القليلة الماضية تواترت التقارير المحلية والدولية عن اتساع دائرة الأمراض المزمنة والأمراض الوبائية المعدية في أوساط سكان مدينة تعز وريفها، مع ارتفاعات باهظة في تكاليف خدمات التطبيب والأدوية، وتكاليف التواصل، عبر الطرق الوعرة، من المدينة إلى غيرها من الوجهات والعكس. وأضحى ذلك مترافقًا مع جشع وابتزاز لدى بعض مقدمي هذه الخدمة الحيوية، رغم تدني جودة تلك الخدمة وسوء المعاملة وبيروقراطيتها.
فقد أدى حصار المدينة من طرف السلطة الحوثية المسيطرة على ضواحيها وأطرافها منذ العام 2015، إلى تسرب الكوادر الطبية إلى صنعاء وإب والحوبان، نتيجة لانعدام الأمان والاستقرار، وصعوبة الوضع المعيشي داخل المدينة المحاصرة. وأصبحت المدينة تعاني من غياب ذوي الخبرة في تخصصات مهمة كالباطنية، والأعصاب، والجراحة وغيرها.
هذه المعاناة اليومية في ما يخص القطاع الصحي وغيره من جوانب الحياة، هي ما يدعو المواطنين في تعز بشكل يومي إلى طرح السؤال الصعب أمام مبرمي هدنات السلام في اليمن منذ أبريل 2022، والمتعلق بعدم تطبيق بنودها الخاصة بتعز، رغم الانفراجة التي حظيت بها، ولو جزئيًا، بعض المدن اليمنية الأخرى كصنعاء التي فتح مطارها، وارتفع عنها شبح الضربات الجوية وما كان يصاحبها من أحزان وقلق وعدم استقرار في أوساط المواطنين.
وسنعرض في هذا التقرير عينة لأصوات شرائح مختلفة من سكان المدينة، مشفوعة بالإحصاءات والبيانات الصادرة عن جهات رسمية ومدنية.
تسرب الكوادر الصحية
حدثنا المواطن نشوان الحاشدي عن أسباب هذه الأزمة الصحية، بقوله: "إن هذا الحصار الطويل قد أدى إلى نزوح الكوادر الطبية من جهة، ومن جهة أخرى زاد من حدة انتشار وتوسع الشريحة المصابة بالأمراض المزمنة كالقلب والضغط والسكر؛ حتى إن مرض السكر بدأ يظهر على الشباب نتيجة بقاء المدينة تحت طائلة القصف والقذائف والهموم، وتدهور الوضع المعيشي، والصعوبة البالغة في الحصول على أساسيات الحياة، مع ما يعانيه الموظفون من انقطاع الرواتب. كما أن الجلطات والذبحات الصدرية التي غالبًا ما تصيب الأشخاص فوق سن الأربعين، قد أصبحت الآن تهاجم حتى من هم دون الأربعين من العمر".
وتتفق امتياز الزبير، مدربة ومرشدة أسرية، مع الحاشدي، في أن الحصار أثر على المستشفيات في تعز بشكل سلبي، إذ إنه، وبسبب تدهور الوضع الأمني، أصبح من الصعب التعاقد مع أطباء ذوي كفاءة عالية أو استحضار أطباء من الخارج. والخبرة الواقعية تؤكد ذلك، فالمستشفيات في صنعاء وعدن وإب يتوفر فيها كوادر طبية مناسبة، بينما تعز تعتمد على طبيب واحد أو اثنين متخصصين في مجال الأعصاب، وطبيب واحد متخصص في الجراحات الصعبة، مما يجعل الضغط كبيرًا على هؤلاء الأطباء المتوفرين.
وتؤكد امتياز أنه "وبسبب الحصار أصبح السفر مشقة طويلة ومرهقة ماديًا ومعنويًا سواء إلى عدن أو صنعاء أو حتى الحوبان، عدا عن القلق والتوتر طوال الطريق بسبب الخوف من التعرض لحادث أو التعرض للتعسف أو الإهانة من النقاط التفتيشية، والأمر يتكرر بكل دخول أو خروج من المدينة".
والأكثر تضررًا من طول الطريق ووعورته، هم المرضى، بخاصة أولئك الذين يحتاجون عمليات جراحية طارئة، أو حالتهم الصحية متدهورة. فالسفر عبر الطرق البديلة المتوفرة أخطر من المرض ذاته.
شبح الموت يجوس خلال الديار
إيمان علي، معلمة بمدرسة حكومية، تقول: "يبدو الأمر كأن وباءً مخيفًا يجتاح المدينة، فخلال أقل من أسبوعين ماتت صديقتي الشابة بسبب الحمى، وتوفي طالب في الصف الثالث الثانوي، ومات طالب آخر بعمر الـ12".
وقد روى لنا المواطنون أن الحمى هذا العام مخيفة جدًا، وأعراضها أكثر شدة من العام الماضي.
ويشير الأهالي إلى أن الأمر يبدأ بحمى شديدة وغثيان وشعور بالضيق، وهذه الحمى لا تجدي معها أي مهدئات أو محاليل طبية مهما كانت نوعيتها، بعد ذلك يعاني البعض من الإسهال والترجيع حتى تضعف المناعة بصورة شديدة، ويحدث نقص حاد للصفائح الدموية. قد ينجو البعض من هذه المحنة، غير أن الملاحظ أن الوفيات، في أوساط فئات عمرية مختلفة، قد أصبحت هذا العام أكثر عددًا من العام الماضي.
وتسترسل إيمان في وصف الحال بقولها: "لا يتوفر في المدينة أي مراكز متخصصة لعلاج هذه الحميات، وحين تسوء حالة المريض ويضطر أهله لنقله إلى المستشفى، فإن ذلك يكون بداية معاناة من نوع آخر؛ فتكاليف الرقود في المستشفى لثلاثة أيام فقط تتعدى الـ500 ألف ريال، ليموت المريض آخر المطاف، وتسكن حركة الأهل في ظل مأتم حزين".
الإحباط يحيط بالجميع
من يجري مقابلات من هذا النوع الذي نقوم به، سيلتمس شعورًا طاغيًا بالإحباط من الوضع الصحي، بخاصة في المدينة. فكثيرون صرحوا لنا أن المستشفيات تحولت إلى وكالات تجارية لتحصيل العائد المادي دون أي حسبان لحالة المريض الصحية، مع غياب الكوادر الطبية المؤهلة، وما يصحب ذلك من تشخيصات طبية خاطئة. والأدوية التي يصرفها من يتولون الخدمات الطبية غالبًا ما تكون مهدئات ومحاليل طبية قد تكون نتيجتها موت المريض خلال أيام.
يقول هشام قائد، معبرًا عن ذلك الإحباط: "تنتهي حياة المريض والجميع عاجز عن مساعدته، أصبحت المدينة تعيش مع أخبار الموت الذي لا يفرق بين كبير أو صغير. وفي ظل الحصار الذي نعيشه، وشح الخدمات الطبية وانعدامها، نقف مكتوفي الأيدي؛ يمرض أمامنا أخ أو أب أو أم أو صديق، ولا نستطيع أن نقدم له أية مساعدة".
طفولة مسروقة
قابلت شهد؛ الفتاة اليتيمة التي لم تتجاوز التاسعة عشرة من عمرها، وحدثتني بصوت خفيض وقلب منكسر مقهور. تحكي شهد قصتها قائلة: توفي والدي خلال السنوات الأولى من الحرب، برصاصة قناص، منذ أن فتحت عينيّ على هذه الحياة، كانت أمي هي معتمدي وسندي في هذه الحياة؛ والأمر ينطبق على أختي المكلومة بهذا الفقد، وكذلك على أخي الأصغر الذي لم يعرف والدي أبدًا، فقد ولد بعد موت والدي بعدة أشهر. كانت أمي تكافح بكل ما أوتيت من طاقة لتوفر لنا حياة كريمة رغم صعوبة الحياة في تعز.
سكتت شهد للحظات قبل أن تكمل: قبل أسبوعين بدأت أمي تشكو من الحمى، زارت أكثر من طبيب، أجرت الكثير من الفحوصات الطبية، وصرفت الكثير من المال، أخبرونا أن الصفائح الدموية منخفضة جدًا، دون معرفة سبب الحمى والانخفاض للصفائح، تناولت أمي الأدوية، ولم تنخفض حرارتها أبدًا، حتى المهدئات لم تفدها بشيء. وخلال أيام تدهورت حالتها وأصبحت عاجزة تمامًا عن الوقوف على قدميها، باتت ليلتين في المستشفى، ثم فارقت الحياة في منتصف اليوم الثالث. حتى الآن مازال الشك هو الشعور الغالب علينا حول حقيقة مرض أمي، فأحيانًا كان من يتولون علاجها يخبروننا أنها تعاني من حمى الضنك، وأحيانًا كانوا يقولون المكرفس (شيكونغونيا). أمي كانت على ما يرام وبصحة جيدة تمامًا قبل أسبوعين، لكنها ماتت دون أن تلقى أية مساعدة طبية. كل ما حدث أننا صرفنا كل ما نملك في المستشفى، وفقدنا أمي أيضًا.
رحيل دون وداع
حين سألنا هبة سالم عن تجربتها مع حصار تعز، أخبرتنا أنها وأختها تعيشان، حاليًا، في صنعاء رفقة زوجيهما وأطفالهما، بينما والدتهما لاتزال في تعز مع أختين لم تتزوجا بعد، وإخوتها. تسرد لنا هبة القصة فتقول: قبل ثلاث سنوات كانت أمي مريضة جدًا، وتعاني من تجمع السوائل في الرئتين. وبسبب الحصار ورداءة الخدمات الصحية في تعز، ساءت حالتها جدًا، وأصبحت تعيش معاناة حقيقية، للأسف لم تتحمل كثيرًا؛ وتوفيت بعد سنوات من المعاناة. حين أبلغونا بوفاتها سافرت أنا وأختي وأطفالنا مباشرة إلى تعز، على أمل أن نلقي عليها النظرة الأخيرة قبل دفنها. استغرق سفرنا أكثر من 9 ساعات من صنعاء إلى الحوبان، وصلنا الحوبان حوالي الساعة الخامسة عصرًا، أخذنا سيارة (صالون) وبدأنا نسلك طريق الأقروض لدخول المدينة، كانت الطريق وعرة وخطِرة، وفي المساء أصبح سلوكها نوعًا من المغامرة؛ فكل شيء حولنا معتم. لكن لم يكن أمامنا أي خيار آخر.
وتردف قائلة: في منتصف الطريق حدث انقلاب شاحنة نقل محملة بالبضائع، وأقفلت الطريق تمامًا، انتظرنا داخل السيارة في منطقة جبلية معزولة طوال الليل، كان لدينا أطفال، وحالتنا النفسية سيئة جدًا، وصلنا إلى تعز حوالي الثانية بعد الظهر من اليوم التالي. وكانت أمي، حينها، قد شُيعت ودُفِنت، وحرمنا حتى من إلقاء النظرة الأخيرة عليها.
صمتت هبة للحظات لتتحدث مجددًا: في وقت مبكر من هذا العام أبلغنا بإصابة أختي التي تعيش في تعز بالحمى. حدث الأمر بشكل مفاجئ. ورغم عرضها على أكثر من طبيب وأخذها الأدوية المقررة لها، فإن حالتها لم تتحسن. سافرنا إلى تعز مباشرة، وبقينا إلى جانبها عدة أيام، وطفنا بها المستشفيات. غير أن حالها كان يزداد سوءًا. وأخيرًا دخلت في غيبوبة، وتم نلقها إلى العناية المركزة بالمستشفى الجمهوري، مكثت عدة إيام ثم فارقت الحياة. حين ودعتها الوداع الأخير شعرت أني أودعها وأودع أمي، وحمدت الله أنه لم يحرمنا توديعها هي أيضًا. وحتى الآن لم نعلم ما نوع الحمى التي أصابت أختي، فكل يوم كانوا يخبروننا بأمر مختلف.
أمراض مزمنة وحميات
لا توجد إحصائيات معتمدة وشاملة حول الأمراض المزمنة في محافظة تعز، مع أن الحرب الممتدة والحصار الطويل قد زادا من حدة الأمراض غير السارية في هذه المحافظة، كما أكد لنا كثيرون من العاملين في القطاع الصحي.
ويرى الدكتور عبدالله القياضي، نائب مدير مكتب الصحة لشؤون التخطيط، أن غياب الإحصائيات المعتمدة يرجع إلى الأضرار التي أصابت هياكل المعلومات والإحصاء الخاصة بالنظام الصحي. وقد تعرضت أنظمة التخزين والإحصاء الآلي للنهب أو السرقة. هذا؛ إلى جانب انشغال مقدمي الرعاية الصحية بالتركيز على الخدمات الصحية الأولية الملحة، لما لها من الأهمية والضرورة في هذا الظرف الاستثنائي.
ويشير القياضي، مع ذلك، إلى بعض المبادرات الإيجابية في هذا الصدد، ومنها أنه رغم ضعف الإمكانيات، فإنه تم إنشاء وحدة الأمراض المزمنة.
أما مشكلة الحميات، فإنها قديمة؛ فهي تؤرق القطاع الصحي في تعز منذ العام 2006، حيث استوطنتها بعض الأمراض، وخصوصًا تلك المنقولة بواسطة البعوض. غير أن الأمر قد شهد تفاقمًا ملحوظًا أثناء فترة الحرب، نتيجة وجود العديد من المنازل شبه المدمرة، وخزانات المياه المهملة، ومناطق مواجهات قتالية لا تستطيع فرق الرش الوصول إليها، الأمر الذي أدى إلى تحولها إلى بؤر لتجميع الأمطار وتوالد البعوض.
أضف إلى ذلك أن مدينة تعز كانت تعتمد على 70 من الآبار من مديرية التعزية التي مازالت تحت سيطرة الحوثيين، ويستحيل جلب الماء منها، الأمر الذي جعل السكان يلجؤون إلى تجميع المياه في أوانٍ مكشوفة، كما أن مياه الشرب المتوفرة ليست نظيفة، وهو ما أدى إلى انتشار حالات الإسهال والحميات وأمراض أخرى عديدة.
وقد صرح لنا الدكتور ياسين عبدالملك، مدير إدارة مكافحة الأمراض والترصد الوبائي، بأن عدد حالات حمى الضنك في مدينة تعز منذ بداية العام 2022، بلغ 11432 حالة، بينها 17 حالة وفاة. تصدرت مديرة صالة عدد الحالات بـ3299 حالة، تليها مديرية المظفر بـ3175 حالة، وتأتي مديرة القاهرة في المركز الثالث بـ2879 حالة، بينما تتوزع بقية الحالات على المديريات الأخرى.
كما أوضحت الدكتورة لبنى شهيد سلام، رئيس قسم الباطنية في هيئة مستشفى الثورة، أن أقسام الهيئة استقبلت خلال الأشهر الثلاثة الماضية ما يقارب 3500 حالة حميات، منها حوالي 2200 حالة اشتباه بفيروس كورونا، فيما يتم ترقيد 100 حالة في قسم الرقود الباطني، بينهم 6 حالات تم نقلها إلى قسم العناية المركزة، وقد بلغ عدد الوفيات حتى الآن 3 حالات، والعدد مؤهل للارتفاع.
ووفقًا للدكتور سهيل الإرياني، أخصائي طب المجتمع والوبائيات، فقد بلغ متوسط عدد الحالات المسجلة في محافظة تعز خلال أسبوع واحد 9890 حالة، توزعت كالتالي: 1826 حالة التهاب الجهاز التنفسي العلوي، و870 التهاب الجهاز التنفسي السفلي، بينما سجلت حمى الضنك 970 حالة، و827 حالة انسداد مجرى الهواء، و263 حالة أنفلونزا، و263 حمى التيفوئيد، وتوزعت بقية الأرقام على حالات مرضية مختلفة.
إحصاءات ومواقف لمنظمات حقوقية
أصدرت منظمة رايتس رادار تقريرًا بتاريخ 23 يوليو 2022، وثق أن ضحايا الحصار في تعز منذ منتصف 2015 إلى 2022، تجاوز عددهم 10 آلاف مدني، بينهم 2720 قتيلًا، يضاف لهم ضحايا الحصار الممنهج من فئة الأطفال المصابين بسوء التغذية بعدد يزيد عن 27440 حالة، بمن فيهم الوفيات، فضلًا عن ذوي الأمراض المزمنة المتضررين بشكل مباشر من الحصار، والبالغ إجماليهم 3634 حالة.
وقد وثّق التقرير المذكور آنفًا أنواع الضحايا والاعتداءات الحوثية بمحافظة تعز، طوال الفترة التي يغطيها التقرير، والتي بلغ إجمالها 285445 حالة، تنوعت بين ضحايا القصف والقنص والألغام والقتل عند الحواجز، إضافة لضحايا انعدام الأكسجين، وضحايا الحوادث المرورية الناتجة عن سلوك طرق بدائية بديلة، وكذلك وفيات مرضى السرطان والفشل الكلوي الذين تسببت ظروف الحصار في وفاتهم، إضافة لضحايا سوء التغذية الحاد من الأطفال الذين يمثلون النسبة الكبرى من هذه الإحصائيات المفزعة.
وتشير الإحصاءات الموثقة، التي يوردها تقرير منظمة رايتس رادار المذكور أعلاه، إلى مقتل ووفاة 2720 مدنيًا في تعز، بسبب الحصار المفروض عليها منذ صيف 2015. وتشير، أيضًا، إلى أن عدد ضحايا سوء التغذية من الأطفال، طبقًا لكشوفات رسمية موثقة، بلغ 274482، منهم 12 حالة وفاة. أما ضحايا القتل والوفاة بسبب الحصار، فإن الرجال تصدروا النسبة الأعلى بعدد بلغ 1831، تليهم فئة الأطفال بعدد 470، ثم النساء بعدد 225 امرأة، ثم رابعًا المسنون من الجنسين بعدد 194 حالة قتل ووفاة.
وطبقًا للتقرير نفسه، فإن عدد الجرحى والمصابين نتيجة الانتهاكات المذكورة أعلاه، قد بلغ 7329 جريحًا ومُصابًا، وهو رقم لا يشمل ضحايا سوء التغذية، وكذلك لا يشمل ذوي الأمراض المزمنة (سرطان وفشل كلوي)، والبالغ عددهم 3634 شخصًا، وقد توفي منهم خلال سنوات الحصار التي يغطيها التقرير، 664 شخصًا.
أما بالنسبة لضحايا الطرق الوعرة، فقد ذكرت منظمة أطباء بلا حدود أن الطرق الوعرة تشكل عائقًا أمام محتاجي الرعاية الصحية في عدد من المحافظات، ومنها تعز؛ فقد بلغ عدد الوفيات في مستشفى تعز الحوبان التابع لمنظمة أطباء بلا حدود في محافظة تعز، ومستشفى عَبْس الذي تدعمه المنظمة نفسها بمحافظة حجة، 36 أمًا و1529 طفلًا (بينهم 1018 وليدًا)، بين عامي 2016 و2018.
وذكرت، في تقرير آخر لها، عن الرعاية الصحية في مدينة تعز، أن "الضرر الملموس في المدينة بات هائلًا من دون أي أملٍ بمستقبل أفضل"، ولأن مدينة تعز ذات موقع مركزي، ديموغرافيًا وجغرافيًا، فإن تدهور الأوضاع الخدمية فيها ينعكس سلبًا ليس على المدينة والمحافظة فحسب، بل على جميع المناطق المجاورة لها أيضًا.
والملاحظ أن الأطراف المتورطة في حالة التردي التي آلت إليها الأوضاع في هذه المدينة، لا تعنى كثيرًا بالشأن الإنساني في المدينة، بل تستخدمه لتحقيق أهداف سياسية وسلطوية تصبو إليها. وهو ما يجعل المنظمات الحقوقية المحلية والدولية تستشعر الخطورات الكارثية لإهمال ملف حصار مدينة تعز مع أهميته المركزية إنسانيًا، ومن منظور بناء السلام في البلد.
وفي هذا الصدد، ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية، في تقرير لها بتاريخ 29 أغسطس 2022، أنها ضمن قائمة تضم 15 منظمة حقوقية، تطالب الحوثيين بفتح الطرق الحيوية في تعز على وجه السرعة، وذلك من أجل ضمان حرية التنقل ووصول المساعدات الإنسانية.
توصيات
لتخفيف المعاناة على سكان مدينة تعز المحاصرة منذ ثماني سنوات، وفقًا لما تظهره القصص الإنسانية والأرقام في هذه التقرير، فإننا نننوه على ما تطالب به المنظمات الحقوقية والأصوات الإنسانية الخيرة، وهو أن الواجب الذي يمليه الضمير الإنساني الحي، يستدعي القيام بالآتي:
- فتح المنافذ الرئيسية الشرقية والغربية والشمالية لمدينة تعز المغلقة منذ عدة سنوات، والسماح بمرور وانتقال المسافرين والبضائع من وإلى مدينة تعز عبر المنافذ والطرق الرئيسية، أسوة بباقي المدن اليمنية.
- تسهيل دخول المساعدات الإنسانية والأدوية والبضائع التجارية إلى مدينة تعز للتخفيف من التكلفة العالية للخدمات الطبية، والارتفاع المبالغ فيه لأسعار المواد الغذائية الأساسية. وبصورة محددة، يجب رفع كافة أشكال العوائق والعراقيل أمام دخول هذه المواد؛ ومن ذلك الإجراءات التفتيشية غير المبررة والإجراءات الروتينية المعقدة التي تؤخر دخول تلك المساعدات والبضائع أحيانًا لأسابيع، هذا إن لم يتم منع دخولها من الأساس تحت مبررات واهية.
- على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أن يضغطوا على كافة الأطراف المتنازعة بشكل جدي وحازم لوقف الحرب والدخول في حوار يفضي إلى اتفاق سلام شامل. ويجب ممارسة الضغط الكافي لإجبار جماعة الحوثي على رفع حصارها على مدينة تعز، والتوقف عن زراعة الألغام، والسماح بمرور السكان ودخول المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية من وإلى مدينة تعز وعبر منافذها الرئيسية.
مياسة النخلاني: كاتبة قصصية وروائية من تعز. حصلت على المركز الأول في مسابقة السرد اليمني (حزاوي)، فئة الرواية المخطوطة 2022، عن روايتها "البيت الكبير"، والمركز الأول في مسابقة منى الشافعي للقصة القصيرة للمهجرين 2018 (الكويت)، عن قصة "في محطة القطار"، والمركز الأول في مسابقة القصة القصيرة التي تقيمها محطة بي سي إكسترا 2013، عن قصة "ليلة باردة". لديها رواية مطبوعة بعنوان "لقاء قريب"، ونشرت لها قصص ومقالات ثقافية في مجلات ومواقع عربية مختلفة.