صنعاء 19C امطار خفيفة

المرأة اليمنية.. إقصاء وتمييز!

معاناة الرجل والمرأة في اليمن كبيرة، ومعاناة المرأة بوجه خاص أكبر وأقسى. القيم والمعتقدات والعادات والتقاليد كلها تنتقص من حق الأنثى، وتتسم الممارسة الواقعية بقدر غير يسير من الدونية والاضطهاد.


نجت المرأة من الوأد الجاهلي في مناطق معيّنة من شبه الجزيرة، وفي تاريخ محدد، ولكن الوأد القيمي والأخلاقي مستمران، وقد امتدا وانتشرا إلى عموم المنطقة العربية.

عندما تلد المرأة أنثى لا ينظر إليها كمن تلد ذكرًا. في المجتمع والأسرة الابن الصغير له الأمر والنهي على أخته الأكبر منه سنًا. لا مكان للبنت غير المنزل، فليس لها أن تلعب خارج المنزل كأخيها الذكر، أما العزل والحجاب، فيلازمانها في سن مبكرة حتى قبل البلوغ. تظل لازمة "ناقصة عقل ودين" ترافقها طيلة حياتها، وهي تفسر كل معاني ودلالات الانتقاص.

في الريف اليمني، وبخاصة في مناطق معينة، تُحْرَم الفتاة من الإرث، ولا تُزَوج خارج القبيلة، أو حتى خارج الأسرة؛ خوفًا من انتقال المال، أما المدن، فالحرمان من الإرث يتم بقدر من التحايل والاسترضاء.

زواج الصغيرات شائع في مختلف مناطق اليمن، والكفاءة سيف مصلت على الرقاب، وهو سائد في التراتب الاجتماعي، وبالأخص إزاء أبناء الخمس، والحرف المحتقرة، وبين الأسر المتفاخرة بأنسابها.

ربما كان الواقع والتراتب الاجتماعي هو الأشد فداحة وغبنًا؛ فابن المزين: الحلاق، أو الجزار، أو الحجام، أو...، أو... يصعب عليه أن يتزوج من أسرة ذات انتماء قبلي، أو نسب رفيع.

للأمثال الشعبية، والحكم المتوارثة دور كبير في تكريس التمايز والانتقاص؛ فأخطر شتيمة قد تؤدي إلى الاقتتال نحو: "يا مكلف"، "يا مرة"، "يا شوفة"، وكلها ألقاب للمرأة تستخدم كشتيمة مهينة.

للدكتور الأديب والشاعر الكبير سلطان الصريمي، مبحث أكاديمي عن الأمثال الشعبية، دوَّن فيه العديد من الأمثال الشعبية الماسة بكرامة المرأة ومكانتها، كما أن الإرث العربي في مستوى النخب والمفكرين يلعب دورًا سالبًا في تغذية النظرة الدونية للأنثى، ومسألة الصراع حول الإمامة منذ الصراع من أجل من هو الأحق بالإرث، حاضر بقوة.

حاجج العباسيون أبناء عمومتهم العلويين بالقول:

أنى يكون وليس ذاك بكائن

لبني البنات وراثة الأعمام؟

وللقول جذر قبلي:

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

للأستاذ أحمد الوادعي كتاب مهم "حقوق المرأة اليمنية بين الفقه والتشريع"، يتناول الكتاب الحقوق السياسية للمرأة في التشريعات اليمنية -الجمهورية العربية اليمنية. كما يتناول حق المرأة في القضاء، ومسألة الحجاب، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مع المقارنة بأوضاع المرأة في اليمن.

الكتاب مبحث مهم، متقصٍّ، دقيق، ومستنير. والحقيقة أن الواقع الاجتماعي الاقتصادي الثقافي شديد التخلف، والجهل، مصدر قسوة القيم والعادات والتقاليد، وهو ما يدركه الباحث والمحامي الأستاذ أحمد الوادعي (شفاه الله).

يقول: "والحق أن وضع المرأة، وحجم دورها في حياة البلاد، لن يُحسم على صعيد النصوص مهما حسن فهمها". ويرى أن "النصوص ليست منبتة الصلة عن الحياة والواقع، وليست عبثًا لفظيًا بأية حال، بخاصة في بيئة كبيئتنا نصية، إذا جاز التعبير".

وينتهي إلى القول: "إن قضية المرأة ونقصان حقوقها هي مسألة اختلال اجتماعي، وليست اختلالًا في النصوص". والواقع أن الاختلال شامل وعام، وإن كان الاختلال المجتمعي أساسًا.

درس الباحث وقارن بين الدساتير الدائمة في الـ"ج. ع. ي"، دستور ثورة سبتمبر 1962، وقارنه بدستور ما بعد نوفمبر 1970، واقفًا مطولًا إزاء المادة 17 من دستور 1962، والمتعلقة بالمساواة: "واليمنيون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة بلا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللغة، أو العقيدة، أو المذهب".

ويشير إلى أن مشروع دستور 1970 بعد حركة 5 نوفمبر، يؤثر الإيجاز. مادة 19: "واليمنيون متساوون في الحقوق والواجبات العامة بدون تمييز". مضيفًا في المادة 34: "النساء شقائق الرجال، ولهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة، وينص عليه القانون".

والإحالة إلى الشريعة والقانون ليست بلا معنى، فهو يتضمن موقفًا تمييزيًا ضد المرأة بالفصل بين حقوق وواجبات الرجل، وحقوق وواجبات المرأة؛ فالمرأة في التشريعات اليمنية لا ينص على حرمانها من تولي الوظائف السياسية نظريًا، ولكنها في الواقع العملي بعيدة عن الوظائف السيادية: رئاسة الدولة، عضوية الهيئة التشريعية، القوات المسلحة والأمن، عضوية المحكمة الدستورية العليا، ولكنها قد تبوأت مراكز وزارية في الشمال والجنوب، وإن كان بشكل محدود، وفي وزارات معينة.

يقارن الباحث بين وضع المرأة في الميثاق الوطني، ويدرس الرؤية الفقهية لتوليها القضاء، والنظرة للحجاب، ويدرس إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة، مقارنًا بين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في هذه القضية، والتشريعات التمييزية ضد المرأة في التشريعات اليمنية، وأيضًا في الممارسات الواقعية، بغض النظر عن التشريعات نفسها.

معروف أن بعضًا من المناطق اليمنية لاتزال ترزح تحت وطأة الأعراف القبلية، والقيم السائدة العتيقة، بعيدًا عن القوانين والتشريعات والقضاء، فالتمييز بإنكار أو تقييد تساويها في الحقوق مع الرجل، يمثل إجحافًا أساسيًا، ويكون إهانة للكرامة.

التيارات شديدة التمييز والقهر ضد المرأة، يربطون هذا الحق بمجالات معينة في التطبيب، والتدريس، ويربطون الخروج بوجود المحرم، ولا يبيحون اختيار الزوج، مشترطين موافقة ولي الأمر، وفرض الحجاب الذي لا يفرضه شرع، ولا يقبله عقل، ويعتبر التمييز حطًا من كرامة الإنسان، وتعطيلًا لطاقة من طاقات المجتمع، وقدرةٍ من قدراته.

كما يناقش الأستاذ الوادعي جعل فصل العلاقة بين الزوجين من حق الزوج وحده، وجعل الوظائف الكبيرة حكرًا على الرجل، أو فرض الحجاب الذي هو عرف أكثر منه شرعًا.

يلاحظ الباحث أن الكثير من الدساتير تقرر مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في صلبها، كما فعل الدستور اليمني في الشطر الجنوبي سابقًا، في المادة 36، والدستور الدائم للجمهورية العربية اليمنية لسنة 1971، المادة 11، والأهم أن ينصص على المساواة في التشريعات.

وحقًا، فإن هنالك قوانين تلبي جانبًا من حقوق المرأة في الـ"ج. ع. ي"، مع وجود جوانب قصور وتمييز في قوانين أخرى. وفي الجنوب صدر في العام 1974 قانون أسرة، رقم 1، تبنى مطالب المرأة. وأقر قانون الأسرة المساواة في الحقوق والواجبات، ومثل أهم تشريع أسرة في الوطن العربي بعد قانون الأسرة التونسي.

والمشكلة أن القوانين، بغض النظر عن السلبي والإيجابي فيها، تظل في وادٍ، والواقع في وادٍ آخر؛ بمعنى عدم التغيير العميق في الواقع، وتحديث المجتمع، ونشر الوعي، وتجاوز مخلفات عصور الظلام والقيم والتقاليد والعادات، وتبقى معلقة يسهل الانقضاض عليها، وهو ما حصل في اليمن وأفغانستان.

في تسعينيات القرن الماضي، دار حوار واسع حول دية المرأة التي كانت حينها سبعمائة ألف ريال يمني، في القانون رقم 16 لسنة 1994، بعد أن كان مائتين وخمسين ألفًا، وقام المحامي الفقيد حسن مجلي بخوض معركة ضد التشريع، وجرى تعديل مهم في المادة، ولكن المكاسب التي حصلت عليها المرأة إبان الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر، ذهبت أدراج الرياح، بالارتداد عن مكاسب الثورتين والوحدة.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً