صنعاء 19C امطار خفيفة

يستطيع حزب الإصلاح أن يتصدى، وهو يتصدى فعلاً، لتيار يسيئ إليه وإلى الدين والحياة.. سن الزواج والمراهقة الشائخة

2009-04-02
يستطيع حزب الإصلاح أن يتصدى، وهو يتصدى فعلاً، لتيار يسيئ إليه وإلى الدين والحياة.. سن الزواج والمراهقة الشائخة
يستطيع حزب الإصلاح أن يتصدى، وهو يتصدى فعلاً، لتيار يسيئ إليه وإلى الدين والحياة.. سن الزواج والمراهقة الشائخة - عبدالباري طاهر
منذ أشهر انشغل فقهاؤنا ومشرعونا في مجلس النواب وخارجه بقضية زواج الصغيرة. في بلد مهدد بالانقسامات والتمردات القبلية والطوائفية والجهوية، ويصل الفقر فيه مستويات قياسية، وتتآكل ثرواته وموارده وهيبة الدولة في آن، وتشير تقارير دولية إلى توقع فشل دولته، وتردي أوضاعه العامة! في هذا الوقت يحتدم الجدل ويتصاعد من حول زواج الصغيرة لكأن زواج الصغيرة الحل السحري لمشاكل بلد تعجز عن حماية الأمن والسلام والاستقرار وحماية السواح، وتوفير لقمة الكفاف لأبنائه أو تشغيلهم.
لا يدرك فقهاؤنا الأجلاء «الموقعون» والدعاة والوعاظ منهم أن زواج الصغيرة ليس قضية القضايا حتى يتحرك فريق منهم لتجميع التوقيعات وكأن ركناً من أركان الاسلام قد أنهار أو لكأن الحياة لا تستقيم إلا بإباحة زواج «الأطفال». يحدد القرآن الكريم سن الزواج بالبلوغ «وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح»، سورة النساء آية 6.
وقد اختلف الفقهاء في تحديد سن الزواج، فقد يكون بالسنين وقد يكون بالعلامات. كما اختلفوا أيضاً في تحديد السنين فالتحديد بالسنين والعلامات موضع خلاف. والقضية في عصرنا الراهن وربما قبلة بأزمان متطاولة زاخرة بالتطور والتغير.
 إن قضايا المجتمعات قد تعقدت وتطورت، وتنوعت العلوم والمعارف البشرية بحيث لا يجوز للمفتي أن يتناول القضايا بالعودة للرأي الفقهي المجرد، أو «الكتاب وحده»!
قضية زواج الصغيرة لم تعد محصورة في حق الأب والجد أو الإباحة والمنع، فللقضية أبعاد مختلفة وعلاقة بالطب ورؤية الطبيب. فالطبيب المختص هو الذي يقدر مدى الأضرار البدنية والصحية. ولعالم الاجتماع دخل كبير أيضاً في دراسة الآثار الناجمة والمترتبة على زواج الصغيرة على المجتمع والأسرة والحياة الزوجية. ويمكن لعالم النفس أيضاً أن يكون صاحب رؤية واختصاص للآثار المترتبة على مثل هذه الزيجات.
 قضايا الزواج في عصرنا ليست خاضعة لمنطق «الحلال والحرام» فقط، فهناك قضايا الصحة والعلاقات الاجتماعية والنفسية وأثر الزواج على الخلفة والتوافق. ولابد من أخذ الحكمة العظيمة من الزواج ببناء أسرة آمنة مطمئنة وسعيدة، فتحصين الفروج، والحفاظ على النّسل، ووضع لبنة قوية في صرح المجتمع والأمة.
ويتساءل الدكتور الباحث عبدالمؤمن شجاع في دراسة مهمة عن تحديد سن الزواج عن الحكمة من الزواج في الفقه. فللزواج حكم بالغة، وغايات سامية، ويحددها في:
1- بقاء النوع الانساني، وحفظه من الفناء واستمرار الحياة البشرية وحفظ الأنساب.
2- تحقيق نعمة الله تعالى وامتنانه على عباده.
3- التحصين للزوجين من الوقوع في الرذيلة وكسر حدة التوقان إلى الاتصال الجنسي.
4- ترويح النفس وتحصيل الموانسة بين الزوجين، فذلك يؤدي إلى راحة القلب وتقويته على العبادة.
5- تنمية الشعور بالمسؤولية لدى الزوجين كلٍ فيما يخصه، وحصول التعاون فيما بينهما والقضاء على النزعة الأنانية لديهم.
بديهي أن الصغيرة لا تمتلك الرشد الكافي للعشرة ومسؤولية بناء أسرة سعيدة فضلاً على المعاشرة السليمة والسوية.
ومثل هذه القضايا لا يستفتي فيها الوعاظ والمرشدون أو الفقهاء بل إن الطبيب غير المختص لا يكون مرجعاً في هذا الشأن.
والسؤال الجائر والفاجع لماذا يتحرك الزنداني والتيار السلفي في الاصلاح عندما يحدد سن الزواج بسبعة عشر عاماً؟ فكل البلدان العربية والاسلامية تحدد سناً معيناً للزواج لا يقل عن ستة عشر عاماً، وحتى في العربية السعودية فإن وزارة العدل تتعاون مع جهات حكومية لتحديد سن زواج الصغيرات بحيث يتم منع زواج الفتاة التي لم يتجاوز سنها الرابعة عشر، وهو اجتهاد بشري في قضية مدنية.
وقد أشارت بعض الصحف السعودية إلى أن النظام المزمع إقراره يأتي بناء على دراسات واحصائيات وبحوث علمية أكدت مخاطر وأضرار الزواج المبكر وما ينجم عنه من مشاكل وآثار اجتماعية أبرزها كثرة حالات الترمل والطلاق بين الزوجات الصغيرات المتزوجات من كبار السن.
وفي اليمن لو أُجريت دراسات عن الأضرار الصحية والاجتماعية لزواج الصغيرات والمآسي الناجمة عن هذه الزيجات، خصوصاً في الأرياف، لاكتشفنا الفجائع.
إن الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان وفي المقدمة كتلة المؤتمر الشعبي ذي الأغلبية، والمستنيرين من حزب الاصلاح، وما أكثرهم، وكتل الاشتراكي والناصري والبعث والمستقلين، مدعوون للتصدي لتيار زواج الصغيرة في مجتمع يشهد تجارة الأطفال ويضطر الأباء تحت وطأة الجوع إلى المتاجرة بأبنائهم.
إن التعديل الذي تقدم به النواب غاية في القسوة والتوحش. فهو يقدم الطفولة مشترطاً اشتراطات لا معنى لها مثل «ألا يدخل بها إلا بعد أن تكون صالحة للوطء»، وينسون المثل اليمني الأقوى من اشتراطاتهم البائسة: «من عقد رقد». ثم أن العقوبات التي يفرضها تعديلهم للمادة 15 والمحددة بمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن ثلاثة أشهر أو الغرامة، شاهد على مدى الاستهانة بالطفولة والتسامح في اغتيالها.
في زواج الصغيرة اليوم لا يحتكم إلى الفتوى الفقهية المجردة فقط وإنما يكون راي الطبيب المختص وعالم الاجتماع والنفس أهم الف مرة من مجرد البحث عن الإباحة أو التحريم «المسبق».
إن التعديل المقترح المقدم من البعض على المادة 15 «وكسة» كبيرة ترتد بالتشريع اليمني سنوات إلى الخلف. فهي لا تأخذ بعين الاعتبار أصول الشريعة الاسلامية القائمة على أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، أو المقاصد الشرعية، أو إدراك أن التمييز ضد المرأة والانتقاص من حقها جريمة. فاستهداف المرأة في التقنين اليمني لدى تيار سلفي يضع اليمن في مواجهة مع الحياة والعصر والدين. فالمادة ال6 من الدستور اليمني تنص على وجوب التقيد بالاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهود والمواثيق الموقع عليها (من الدولة اليمنية)، وهي تحدد سن الطفولة بما يصل إلى سن البلوغ. وتجرم تزويج الصغيرة لانه يحرمها من حقها في الطفولة وفي التعليم بل وفي الحياة.
ولنا أن نسأل لماذا يخفت أو يغيب صوت هؤلاء الدعاة ولا يتنادون لمواجهة فساد كبير يصل حد الحرابة عندما يختطف الأطفال أو يباعون في الحدود كالسلع والمواشي؟! لماذا لايتصدون لنهب أراضي الناس والاعتداء على ممتلكاتهم في الجنوب؟ لماذا لا ينطقون بكلمة واحدة في قضية تحريق أجسام طالبي الرزق في السعودية.
في الندوة التي أقامها مركز التدريب والتأهيل قدَّم المحامي القدير أحمد الوادعي ورقة، وقدم الأستاذ عز الدين سعيد، وبلقيس اللهبي مقترحات لمواجهة محاولات تعديل المادة 15 من مشروع القانون.
 المأساة أن العالم، بما في ذلك عالمنا العربي باستثناء اليمن والسعودية، قد حسم هذه القضايا قبل عشرات ومئات السنين. بل إن القوانين اليمنية في الجنوب والشمال سابقاً قد حددت سن الزواج بما لا يختلف عن البلدان العربية والاسلامية.
 تتجه العربية السعودية الآن لتحديد سن الزواج حسب صحيفة «اليوم» السعودية (3/10/2005)، ستكون اليمن الدولة الوحيدة في العالم التي تتفرد بتشريع يبيح تزويج الصغيرة.
لابد من مقاومة الداعين إلى حرمان الفتاة من التعليم وانتهاك طفولتها بحرمانها من حق الاختيار. تعطي الشريعة الاسلامية للطفل بعد البلوغ حق رفض تصرف ولي امره في ماله إنْ رأى ضرراً، وهو أمر يتفق عليه المشرع الاسلامي، فكيف حال الصغيرة عندما تكتشف بعد البلوغ وبعد الإنجاب أن ولي الأمر (الأب أو الجد) قد زوجها بمن تكره أو بمن يضاررها؟ «المعدلون» يعطونها الحق في الفسخ، وكيف تفسخ بعد ضياع العمر ومن يعول أطفالها وهي الطفلة المحتاجة للإعالة؟
 اتحاد النساء وصحفيات بلا قيود وبرلمان الاطفال والجمعية الوطنية للمرأة ومنتدى الشقائق ومنتدى الاعلاميات، ومنظمات حقوق الانسان والعفو الدولية وحقوق الطفولة، ونقابة الصحفيين واتحاد الأدباء والكتاب والشخصيات العامة ورجل الدين المستنير، اضافة إلى الاحزاب السياسية، وبالاخص الممثلة في مجلس النواب، مدعوون لإحباط محاولات تعديل المادة الخاصة بتحديد سن الزواج.
ويا هؤلاء الأخلاق الفاضلة لا تُحمى بتزويج الصغيرة وإنما بتنشئتها النشأة الصالحة, بتعليمها, بتربيتها على الفضيلة والحرية وحق الاختيار والعدل والمساواة.
يستطيع المؤتمر الشعبي العام صاحب الأغلبية والأستاذ وزير العدل, وهو صاحب المبادرة, أن يتصديان للتعديل المرعب. كما يستطيع حزب التجمع اليمني للاصلاح أن يتصدى, وهو يتصدى فعلاً, لتيار يسيئ إلى نفسه وإلى الاصلاح وإلى الدين والحياة والعصر.

إقرأ أيضاً