17 أمام 17: أزمة توضح كيف يشرع لليمنيين - منى صفوان
*هذا المقال مهدى للقوى التقليدية الرجعية
مرت من أمامه قاطرات النفط، وصفقات الفساد، والتصفيات السياسية، وأغلقت ملفات القتل العمد، والتهجير والحروب الطائفية، ولكن عندما فتح مشروع زواج الصغيرات لم تمر الجلسة بهدوء.
في البداية اعتصم خمسة من نواب البرلمان يحتجون على إقرار مادة تحدد سن الزواج ب17 سنة، فهم يجدون أن هذه المادة ضد الشريعة، وبدأت حملة لإعادة قانون زواج الصغيرات للقاعة، وهو القانون الذي حسب ساعتها كانتصار حقوقي هنئ عليه البرلمانيون من قبل الحقوقيين وممثلين عن برلمان الاطفال باسم أطفال اليمن.
ولكن حركة الضغط ممن هم ضد، والتي لم تكن ضمن قائمة من تم تهنئتهم، حركت الموضوع خلال هذا الاسبوع، وهذا جعل الامر يدور حول سؤال من الذي يشرع لليمنيين، وكيف؟
إن البرلمان الذي يضم قوى تقليدية محافظة وهي مؤثرة بقوة، فيه أيضا برلمانيون حقوقيون يعتنقون ثقافة مختلفة، وكلاهما يستندان على الشريعة! شوقي القاضي برلماني حقوقي يؤكد أهمية أن يكون الرد على من يقودون حملة الضد باسم الشريعة، أن يرد عليهم باسم الشريعة، ولكن النقاش العام للقضايا عندما يتجه فقط ليدور حول مبررات الشريعة وحججها هل يضعف هذا القضية أم يقويها؟
المعلومة المحايدة تقول إن اليمن صادقت على اتفاقية حقوق الطفل التي فيها تحديد لسن الطفولة ب18 سنة، دون أن يكون هناك تحفظ يمني على المادة، لكن معلومة محايدة أخرى تقول إنه يوجد تعريف قانوني موحد للطفل اليمني، وهو سن 18، ففي هذه السن يمكنه استخراج بطاقة شخصية، ويكون له هوية قانونية، ويحق له التصويت في سن 18 سنة. لذلك فإن الطفل قبل هذه السن يكون حدثاً ويعامل في القانون كحدث، وبحسب رأي المحامية فاطمة الحرازي فإن زواج من هم أقل من السن القانونية 18 سنة بحسب القانون المقترح، هو تزويح لحدث.
والقانون المرفوع للجدل يمكنه تزويج الاطفال في سن 17 سنة، لكن لماذا 17 سنة تحديدا، مادام هو اقل من سن الطفل اليمني القانوني بحسب القانون اليمني؟
رأي القاعة كان هو الحاسم وليس المرجعية القانوينة، فقد تم اختيار هذا الرقم فقط لانه خضع للمساومة، من هناك يؤكد البرلماني القاضي ذلك، فالرقم خضع لما يشبه المبايعة في القاعة التي طرحت فيها عدة أرقام منها 15 ومنها 10، فتم الوصول الى حل وسط، في ما يشبه "المبايعة".
هذه المعلومة تبني رأيا حول كيف يتم التشريع لليمنيين؟
وهناك حقيقة يواجهها الصحفيون في نهاية كل جلسة، إنه لا توجد معلومات حول طريقة أداء وعمل البرلمان، إنه قلعة حصينة بلا شفافية معلومات. ويصعب أن يعرف اليمني كيف يتم تقرير مصيره في قاعة مصمتة أمام الصحفيين، وبرغم محاولات الاختراق لصحفيين تحت ضغط الدافع المهني الذي لايدعمه قانون، إلا أن محاولات علي الضبيبي وأحمد الزكري وهلال الجمرة، بقيت محاولات لا تعكس توجه الصحافة اليمنية أو السياسة اليمنية.
الغموض هو العبارة التي تلف جلسات البرلمان الذي يقدم بخبر رسمي، والغموض هو ما لف الجدل الاخير حول الزواج المبكر الذي سيقنن ويشرع لتقليد اجتماعي.
الغموض كان مزدوجا، تغيب معلومات على أعضاء البرلمان الذين عليهم أن يصوتوا لمادة ليس لديهم المعلومات الكافية حولها، وعن مضاعفتها ونتائجها، وغموض وتقصير معلومات حول ما يدور داخل القاعة.
ففى صباح الاثنين بث خبر عن إصدار فتوى ل17 عالما دينيا يدعمون حركة الضد داخل القاعة، وحتى مساء الاثنين لم تكن المعلومات واضحة إن كان البرلمان سيصوت على المادة صباح الثلاثاء أم لا.
وبقي تحرك المجتمع المدني تحركا أعمى، لا يعرف من أين يبدأ ومن هو المؤثر وما هو السقف الزمني! هل نسير بمسيرة غدا او نطلب لقاء مع المؤثرين في البرلمان؟ ولكن ما هو المجتمع الحقوقي المؤثر في هذه القضية والمتأثر بها؟
هنا برز اسم المدرسة الديمقراطية، والتي يقترب عملها الحقوقي من النمط الكلاسيكي، وأحيانا التقليدي المحافظ، بمعنى أنه قد يكون في هذه المدرسة صاحبة مشروع برلمان الأطفال من يزوج بناته باكرا، ورغم ذلك فقد قادت مسيرة لطالبات المدارس لشكر النواب فور إقرار المادة، وهي التي دعت يوم الاثنين للقاء لمنظمات المجتمع المدني الرسمية والمستقلة.
هذا العمل المكثف للمدرسة الديمقراطية خلال هذه المرحلة كانت وراءه الناشطة الحقوقية بلقيس اللهبي، في ظل غياب نشاط مواز لهذا الموضوع في المنظمات الحقوقية تحديدا المنظمات المختصة بحقوق المرأة.
أي إن تحرك المجتمع المدني هو تحرك شخصي لأشخاص متحمسين يأخذون في مستوى تفكيرهم القضايا العامة بحماس شخصي، وليس أجندة منظمة لمنظمات عليها أن تكون السياج الآمن لانتهاك الحقوق باسم القانون والشريعة. كثير من المنظمات اكتفت بإصدار البيانات.
ولكن كان هناك تحرك رسمي من قبل اللجنة الوطنية للمرأة؛ المنظمة الحكومية التي تعمل عملا مكتبيا وليس ميدانيا بحسب طبيعتها، وكان تحركها مشكورا من قبل مراقبين في منظمات أجنبية، وتحت المستوى المطلوب عند من يطالبون بالأكثر من داخل القاعة وخارجها.
اللجنة الوطنية هي عضو في شبكة شيماء المشاركة في حملة الزواج المبكر التي تشرف عليها وتمولها أوكسفام. هذه الحملة تتحرك منذ سنوات، واللجنة الوطنية التي تمثل الحكومة طرحت مشروع تعديل القانون منذ عام 2000، وتعمل منذ سنوات للضغط من اجل التعديل، وناشدت رئيس الجمهورية خاصة بعد حادثة الطفلة نجود وخلعها من زوجها، ان يتم التصويت على المادة، ولكن السؤال غير البريء الذي يطرح: لماذا أقر المؤتمر الشعبي الان المادة وصوت لها، رغم اعتراض شيوخ الإصلاح؟ وليكون هذا السؤال واضحا "هل للازمة السياسية المتعلقة بالانتخابات ومقاطعة المشترك لها علاقة ما، وصلة بالأمر".
سيترك السؤال دون علامة استفهام ليكون معفيا من الرد، ولكن هذه القضية التي سخر لها الدين، اتضح ان كثيرا من علماء الشريعة يعانون جهلا اجتماعيا ومعلوماتيا طبيا وتنمويا. فعندما قدم د. نجيب غانم ورقة بحثية عرضها في يونيو 2008 في ورشة عمل لمجلس النواب، نظمت ضمن حملة السن الآمنة للزواج التي تشرف عليها أوكسفام، اتضح عند عرض الورقة للنائب الإصلاحي، أن هناك معلومات طبية كانت ضرورية للنواب الذين ينفردون بقرار التشريع، وهي معلومات مهمة خاصة لذوي الخلفية الفقهية المجردة، ليمكنهم التعامل مع مثل هذه النصوص القانونية.
كان ممن اقتنع بهذه المعلومات النائب عبدالرزاق الرقيحي عضو لجنة تقنين الشريعة، وهي أهم لجنة في المجلس. فهذه اللجنة هي التي تقول إن كانت النصوص القانونية توافق الشريعة أم لا، وإن كانت حلالا أم حراما؟
هذه اللجنة مكونة من 7 علماء منهم 5 مؤثرون يرأسهم عبدالملك الوزير ومنهم عبدالرزاق الرقيحي وعباس النهاري ومحمد مرعي وعارف الصبري الذي صمت في الازمة الاخيرة.
هذه اللجنة هي نواة مجلس النواب الذي يشرع لقوانين يجب ان تتفق أيضا مع ما يصادق عليه اليمن من اتفاقيات حقوق إنسان ومنها اتفاقية حقوق الطفل، والتي لم يرجع لها أثناء إقرار هذه المادة، ويجب أن تتفهم اللجنة متطلبات التنمية وحاجة المجتمع. وهذه اللجنة هي رجالية فقط.
الاحزاب التي يضمها البرلمان ذات افق تقليدي وبعضها يحتفظ بقوى رجعية، وهذه القوى هي من قادة حركة الضد، ولكن القوة الأكبر وهي للمؤتمر الشعبي العام، هو هذه المرة مع إقرار المادة بسن 17 ضد فتوى ال17 عالما، وضد من يعارضون من نواب البرلمان المتشددين، والمؤتمر برئاسة سلطان البركاني مع المادة، والبرلمان برئاسة يحيى الراعي المؤتمري صوت للمادة.
ولكن ها هو دور الاحزاب الليبرالية واليسارية "الاشتراكي فقط" دور صامت. فالاشتراكي مع إقرار هذه المادة، الاشتراكي مع القوانين المنصفة للقانون، ومع الحقوق، ومع قوانين منصفة للأسرة، لكن لا توجد قوة مؤثرة للاشتراكي في القاعة التي تحدد مصير اليمنيين القانوني.
وهناك نواب حقوقيون أشهرهم شوقي القاضي يتزعمون في كثير من الاحيان حملات ضد قوانين غير حقوقية كهذه. والقاضي هو نائب إصلاحي، ولا يعني ذلك أن توجه حزب الإصلاح في البرلمان هو توجه حقوقي، وهنا يحمل المجتمع المدني الحقوقي تهمة التراخي خاصة المنظمات الرسمية "اتحاد نساء اليمن واللجنة الوطنية للمرأة والمجلس الأعلى للأمومة والطفولة".
مع أنه كان هناك تراخ من منظمات غير رسمية لها سمعتها الحقوقية القوية، لكن هذا التراخي إن حدث بالفعل قد يكون مبررا، لأنه لم تكن هناك معلومات مؤكدة يمكنها ان تزيد مستوى العزم.
ورغم ذلك لعبت الصحافة لعبتها، وهي المخولة بنقل المعلومات، وبوصفها مؤثرة في مجريات السياسية، ومراقبة للتشريع، ولكنها أدارت عجلة الجدل. الجدل فتحته الصحافة ووصل لحد الرد بين الشيخ والصحفية.
فعندما ردت بشرى العنسي على مقال محمد الحزمي في موقع نيوز يمن الاخباري، قام الحزمي النائب البرلماني الرافض لسن تحديد الزواج، بالرد على مقال الصحفية المشتركة في حملة تحديد السن الآمنة للزواج، و كان رده منصبا حول انه لايجوز الرد على من يفقه بقلم من لايفقه.
فالفقه هو المعلومة الوحيدة التي يستند عليها برلماني يشرع لملايين اليمنيين، وعلى الصحافة أن ترد بسلاح الفقه، وهذا الفقه هو الدائرة الضيقة التي جر لها المجتمع المدني والصحافة طويلا في قضايا فرعية شغل بها عن قضيته الرئيسية، تماما كما حدث في موضوع المشاركة السياسية التي سحبت للدائرة الفقهية بعيدا عن متطلبات التنمية والديمقراطية والاتفاقيات والحاجة الآنية، وأيضا وجد انه لا تعارض شرعيا مع مطالب حقوقية كالمشاركة السياسية، وعند هذه النقطة كان السجال لسنوات.
المعلومة التنموية هي التي تغيب عن الجدل، وعن تشريع قوانيين تضرب بعمق "عجلة التنمية" التي تورد هكذا في السياق الرسمي للاخبار.
المعلومة التنموية تقول بوفيات الامهات، بأنه من أعلى المعدلات، وتقول بتسرب الفتيات من التعليم من عدم مشاركتهم المجتمعية، ومن تزايد المواليد ناقصي الوزن والتغذية، إذن مستوى التشريع وطريقته تتفق تماما وتراجع مؤشرات التمنية.
لايشرع لليمنيين ليعجلوا بتنميتهم، ولا يوفر القانون بيئة تنموية، وأصبح كارثة مجتمعية، في غياب توازن سياسي وغياب النواب الليبراليين الذين يدعمون تحديث المجتمع وتنميته، برغم ان هناك حزبا يساريا.
إن من يشرع هم من طرف واحد "اليمين المحافظ واليمين المتطرف"، لذلك يسير المجتمع نحو التراجع، وهناك رجعية في ثقافته، ورجعية في عاداته، هذا التفسير يدعمه التأزم الأخير الذي حدث، فهناك تقليد وتعود اجتماعي معين يتمثل في تزويج الصغيرات، وهو ضد التنمية وضد الحقوق وضد التشريع أيضا. بدليل من علماء شريعة ايضا، ولكن هناك من يحارب لتشريع وقوننة هذه العادة الرجعية.
إن البرلمان اليمني هو ذكوري، وهناك برلمانية واحدة وهي بالمناسبة طبيبة نساء وولادة، وهي في كتلة المؤتمر الداعمة للقانون، د. أوراس ناجي التي لم يسمع أحد صوتها، وصوتها وحده لا يكفي.
هذا البرلمان يشرع لليمنيين واليمنيات فقط بأصوات الرجال، ومازالت المشاركة السياسية مرفوضة، ولا يشرع فقط في غياب النساء، بل في غياب التيار التحديثي والليبرالي، وفي غياب ثقافة نسوية.
ووجود برلمانيين حقوقيين ينتمون لأحزاب يمينية، لا يعني وجود كفة اليسار، وهم يتفقون مع التيار اليميني المحافظ "الديني المتشدد" باستخدام ذات السلاح/ الدين أيضا، ويكون المجال مفتوحا لتعارض النصوص.
الدين الإسلامي بحسب دستور الجمهورية اليمنية، هو مصدر التشريعات، لكن هناك علماء دين يختفلون في ما بينهم خارج البرلمان وداخله، هذه المادة لقانون زواج الصغيرات وضحت بعض نقاط الخلاف المعلن عنها.
عصام القيسي كباحث في الفقه الإسلامي نسف ما يستند عليه في زواج الرسول بعائشة بحديث شكك بعمرها، والعالم الزيدي زيد المحطوري وجد أنه استثناء، وعبدالرزاق الرقيحي البرلماني وعضو لجنة تقنيين الشريعة، وهي اللجنة الأهم في التشريع للقوانين، اقتنع بما طرحه غانم، ووجد أن زواج الصغيرات ضد الدين الإسلامي.
هذا القانون جلساته لم يستطع صحفي كعلي الضبيبي أن يغوص في تفاصيلها، ولكن كان واضحا لما يجري داخل تلك القاعة. الجدل الذي دار في الداخل، وصل صوته للخارج، فوصلت معلومات أن الراعي كان شخصيا ضد حركة الضد، وأن الشيوخ تحركوا لجمع توقيعات ل17 عالم دين للوقوف ضد برلمانيي الجلسة الذين أقروا انتصارهم القانوني لأطفال اليمن، وقد شكك شوقي القاضي بمعرفة من وقعوا على الفتوى بما تخوض به المادة، وطرح احتمال التغرير بهم.
جلسات البرلمان المشرع الرئيس، وفي مجريات السياسة اليمنية المؤثرة، يحكمها الحرج، فيمكن جمع التوقيعات ببساطة في جلسة ضد قانون حتى لو كان منصفا باستخدام الحرج احيانا، يبدو هذا عشوائيا لكن ايضا أقر سن الزواج عشوائيا.
هكذا يشرع لليمنيين وتسير مجريات حياتهم، تزداد وفيات الامهات التي تعتبرها الناشطات أهم القضايا السياسية، أهم من قضية صعدة والانتخابات، والأحزاب لا تهتم لمثل هذه المؤشرات التنموية، اليمنيات اللواتي مع كل حمل يهددهن الموت لانعدام الرعاية الصحية ولتكرر الحمل ولزواجهن المبكر ليس أهم من قضاياهم المصيرية، ويمكن أن يسن قانون يشرع لقتلهن.
قانون يشرع لجريمة هو شيء يحدث بسهولة، لان هناك من لا يعلم، من داخل القاعة او خارجها، ومن يعلم لا يؤثر، والمجتمع الحقوقي الذي يمتلك المعلومة تأثيره خارج القاعة، قد لا يصل لداخلها، ومن داخل القاعة يسيرون جلساتهم بمعزل عما تطالب به قضايا حقوقية أو معلومة تنموية، أو تفسيرات دينية مختلفة.
monasafwanMail
17 أمام 17: أزمة توضح كيف يشرع لليمنيين
2009-02-26