جمع منتدى "حوار" ممثلي الأحزاب الرئيسية، لتقديم مداخلات رئيسة في فعالية هي الأولى من نوعها, اتخذت من هدف البحث عن حلول لحراك الجنوب الشعبي عنوانا، وبحث أيضا في التداعيات. ولكون الأحزاب عادة ما تقوم بدورها المألوف في تبادل الاتهامات وتوجيه اللوم لمسؤولية أخف, عرضت ورقتان للدكتور محمد عبد الملك المتوكل والصحفي نبيل الصوفي، وجهتيْ نظر تقتربان لتكونا محايدتين. أما المحامية عفراء حريري فكانت هي صوت الحراك الجنوبي أكثر من كونها ممثلة لمنظمة حقوقية.
المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني عامة كانت مدعوة من خلال مداخلة الدكتورة رؤوفة حسن للبحث عن حلول للأزمة، لأن ما يحدث في المجتمع هو مسؤولية هذا المجتمع. وحاولت الدكتورة رؤوفة إبعاد الاتهامات المباشرة واللوم القاسي عن الأحزاب التي وجد الكثيرون أنها خذلت الجنوبيين والشارع عامة، كما قالت عفراء حريري، التي تحدثت بحماسة الشارع الملتهب، والذي ليس علينا أن نكبر أخطاءه، بحسب عيدروس النقيب، في كلمته عن الاشتراكي. فقد مثل النقيب هذا الحراك كطفل يتعلم المشي، لذا من الطبيعي أن تكثر عثراته في إشارة واضحة لبعض الشعارات الانفصالية التي ترفع والتي تؤكد ما ذهب إليه رئيس كتلة الاشتراكي البرلمانية من أن هذا الكيان السياسي الوليد ليس موحد الرؤى والمواقف، ولكنه يؤكد أن هذا الحراك منذ وقت مبكر جدا. ولعل من أخطاء السياسة أنها لم تنتبه له في الوقت المناسب قبل انفجاره.
الشارع الجنوبي المحتقن كان حاضرا بقوة في ندوة حاولت الاقتراب منه والغوص في عمقه كمحاولة أولى, بما يحمله هذا من مخاطر استحضار مآسي الماضي التي تحتفظ الأحزاب بأوراقها القديمة لاستخدامها في مكايداتها وحواراتها وضغوطها السياسية. فالتذكير بمن الذي سفك الدماء وقتل وحارب وظلم، لم تعد مجدية في تاريخ مشترك للأحزاب, التي تقاسمت الظلم.
ولعل الشعور بالظلم يميز الجنوبيين عن غيرهم من المظلومين، كونهم خسروا دولة كانت توفر لهم أدنى شروط الحياة الكريمة التي فقدوها اليوم. ويضيف النقيب في كلمته معترفا أنه لم يكن يمثل الدولة الفضلى أو جمهوريه أفلاطون. لكن برغم أخطاء الاشتراكيين إلا أنهم يؤكدون أنهم كانوا يحققون لمواطنيهم دولة مستقرة وقانونية وذات قضاء نزيه وعادل وقانون محترم، أي أن مقومات الدولة كانت قائمة في الجنوب التي خسرها بعد الوحدة وهو ما أشارت له الكلمة التي قالت إن إحباط الجنوبيين ليس وليد اللحظة.
وحدة مشاكل
ولكن يبدو أن اليمن في مايو 90 وحد مشاكله أيضا. وهذا التعبير الملخص لرؤوفة حسن يشجع في البحث عن حلول. والدكتور المتوكل يجد أن الوحدة اقترنت بالديمقراطية، وأن الحراك الحاصل اليوم في الجنوب سببه أن الجنوب الذي توحد مع الشمال خرج من المعادلة وأن الحرب مزقت وثيقة العهد والاتفاق, وأقصي الجنوب وموظفوه، وتوزعت أراضيه على المتنفذين، وتحولت الديمقراطية إلى ديكور.
نعم، هناك أكثر من رؤية لما يحدث في الجنوب، وأكثر من تصور للحل, كما قال المتوكل، وهذا ما يدعو لتفاعل القضية أكثر ودخولها منبر الحوار من خلال فعاليات نوعية ينوى "حوار" وغيره من المنظمات تكرارها، كما قال عبد الرشيد الفقيه، رئيس المنتدى، في افتتاح الندوة.
ولكن هل تتحول القضية الجنوبية إلى أيديولوجية معارضة سياسية, ويكون الصراع على المستقبل أجدى من الصراع على الماضي، كما قال نبيل الصوفي، الذي وجدت "الحريري" كلاما محايدا, لأن "الصوفي" قال إن وثيقة العهد والاتفاق من الماضي, والصراع على الماضي لم يعد مجديا.
المؤتمر لا يفوّت مناسبة إلا ويكرر للاشتراكي أنه دخل الوحدة مجبرا وهاربا ومحملا بصراعات يناير, ليعيد الأزمة إلى الصراعات التي لم يتخلص منها الحزب. لكن احمد الميسري اعتبر في كلمته عن المؤتمر الشعبي العام، إدارة الدولة السبب الرئيس في المشكلة. مضيفا أن ثقافة أبناء الجنوب وحدوية, وأن الحراك اليوم لا تستطيع السلطة ولا المعارضة أن تسيطر عليه, وأن تعيين وكيل في الضالع أو وزير من أبين لا يحل المشكلة. متهما اللقاء المشترك بأنه يدفع السلطة لمزيد من الأخطاء. ممثل المؤتمر كان متحررا من أثقال السلطة وبروتوكولاتها، وكان يحاول الاقتراب أكثر مما يود الشارع أن يسمعه؛ لذا قال: "ليسقط النظام من أجل أن تبقى الوحدة". مضيفا أن على الجنوبيين أن يتحرروا من عقدة "ابن الشمالـ". مختتما حديثه بأنه مستعد للقتال دفاعا عن الوحدة.
"إن الحراك يجري باسم القضية الجنوبية، وهي قضية سياسية تعبر عن التاريخ السياسي للجنوب ضمن المشروع الوطني, ويجب أن لا ننظر للجنوب باعتباره جهة جغرافية، بل هو مشروع سياسي". هذا مما قاله أمين عام الاشتراكي، مؤكدا أن سلطة ما بعد الحرب لم تستطع أن تملأ الفراغ، فما نشهده اليوم فهو فراغ لمشروع وطني تم التآمر عليه في حرب 94, وبالتالي فإن الحراك تعبير عن ثقافة سياسية تاريخية كانت تضع الجنوب كمحرك للمشروع السياسي التاريخي, وأن الحراك تعبير عن خلل ناتج عن تدمير مشروع الوحدة، وأن الجنوب منهوب بفعل سلطة لم تقدم مشروعا وطنيا بعد حرب 94.
وإن كان الإصلاح قد أكد اعترافه بأن القضية الجنوبية هي قضية حقيقية، فإن عبد الناصر باحبيب، رئيس الدائرة السياسية للإصلاح في عدن، يرجع أهمية القضية إلى كونها نتاج "اندماج" نظامين اقتصاديين مختلفين، حيث لم يراع الاختلاف الاقتصادي الحاصل، ولم تردم الفجوة بينهما، واستمر ذلك الخلل بإصدار قوانين وتشريعات مضرة بالعاملين الجنوبيين عسكريين ومدنيين، واعتماد أنظمة وهياكل أجور انعكست بشكل سلبي على أوضاع أبناء الجنوب الاقتصادية. فالقضية بدأت بعد قيام الوحدة اليمنية مباشرة.
حل واحد
الحلول التي طرحت تباينت. ولم يكن هدف الندوة الخروج بحل واحد جاهز للتطبيق, لكنها أكدت على أهمية دور المجتمع المدني والمنظمات لضمان بقاء سقف الحوار مفتوحا, الذي يعد هو الحل الأمثل لمناقشة كل الخيارات الموجودة.
منتدى "حوار" يحرك الجنوب
2008-02-16