صنعاء 19C امطار خفيفة

تمتلئ سجون مديريات أمانة العاصمة بأعداد غفيرة من الباعة المتجولين في انتهاك سافر للقانون.. موسم الفيد في صنعاء

2008-01-30
تمتلئ سجون مديريات أمانة العاصمة بأعداد غفيرة من الباعة المتجولين في انتهاك سافر للقانون.. موسم الفيد في صنعاء
تمتلئ سجون مديريات أمانة العاصمة بأعداد غفيرة من الباعة المتجولين في انتهاك سافر للقانون.. موسم الفيد في صنعاء
- «النداء» - خاص:
تلقى يوسف علي البرار ضربتين موجعتين هذا الأسبوع، احداها أشد من الأخرى، وهوالضعيف جسمه وحاله.
فيما كان يرتب البرتقال على عربيته، عند مدخل شارع هبرة الفرعي من جهة شيراتون، صباح الخميس الفائت، دهمته مجموعة (بينهم مسلحون) من البلدية وسحبته إلى سجن مديرية شعوب. وأول من أمس كانت الضربة الثانية: هجمت عليه المجموعة نفسها إلى عمق الحارة، وهو يسير بعربيته ذات الكفرات الثلاثة، وبطشت عليه نصف البضاعة.
حاول يوسف، وهو الشاب المعدم الذي يعول أسرة كبيرة، أن يتوارى عن أنظار البلدية بين الحارات، لكنه كان هدفها الأول في كلتا المرتين. وتبدو حالته هذه الأيام بالغة التعاسة «خسارة في خسارة». في الهجمة الأولى خسر يوسف كل بضاعته التي بقيت في الشمس طوال النهار حتى خاست، أما هو فقد أمضى ما يقرب من 14 ساعة داخل غرفة الإحتجاز، ولم يفرج عنه إلا في التاسعة ليلاً، بعد أن دفَّعته مبلغاً. وطوال ساعات الإحتجاز والمغدور به يفكر في بضاعته وعربية الناس «كان حسي عند العربية لا يشلوها هي حق الناس. أما البضاعة (ثلاث سلال برتقال) فقلت خلاص روحّت».
صباح الاثنين الفائت هرع يوسف وراء الطقم الذي أخذ منه نصف البضاعة، إلى إدارة المنطقة، وحين وصل منهكاً أخذ يترجاهم إعادتها ويقطع لهم الأيمان المغلظة أن «قيمتها دين». لكن دون جدوى. في تلك اللحظة كان موفد «النداء» قد وصل إلى المكان، وبدت إحدى غرف المديرية عاجة بمختلف أنواع الخضروات والفواكه. وشاهد كيف يؤتى بالناس إلى هناك، وكيف تمتهن إنسانياتهم وبضاعاتهم.
غرفة الاحتجاز صغيرة لكنها مفروشة بالسجاد، وقيل لـ«النداء» إن هناك غرفة أكبر ولكن في البدروم. وحين حاول المراسل التأكد من ذلك ظهر أن الباب المؤدي إلى السجن الأسفل مغلقاً بقفل. ووصلت للتو دفعة جديدة من 5 شباب، ودُفع بهم إلى جوف الغرفة ذات الفتحة الضيقة جداً في أعلى الباب.
كانوا مبهوتين وعلامات الاستغراب ترسل من كل وجه، وأفاد أحدهم، على تردد وخوف، أنهم اختطفوا من داخل مخبزهم الكائن جوار المستشفى العسكري: «قلك ليش عربية التوزيع واقفة عند الباب». لقد أخذوهم جميعاً لهذا السبب وحبسوهم لأجله. ومن الفتحة الصغيرة بدا طاقم الفرن (خمسة عمال) جالسين بأدب على ناحية من الغرفة وقد خلعوا أحذيتهم عند الباب احتراماً لـ«المفرشة». واعتذروا عن الحديث الصحفي حتى لا يكثف الجنود من تعقبهم: «احنا مساكين مانشتيش صحافة ولا مشاكل مع الدولة».
أما يوسف الذي شخبط ذكرياته على جدار الغرفة، فكان يطمر الطارود الطويل بثوب مرفوع إلى أسفل الركبة، ويبحث عن وساطة لاسترداد بضاعته، وأكد لـ«النداء» أنه «مصروع وخاسر 7000 ريال اليوم».
يؤدي رجال البلدية المكلفون مهمتهم بمنتهى القسوة، وتبدو أمانة العاصمة على مدار النصف الأخير من يناير الجاري كما لو أنها تقوم بواجب وطني ضد هذه الفئات المطحونة.
تكثف السلطة المحلية جهودها لاستئصال هذه الفئات من شوارع صنعاء وحاراتها، بهدف تنظيف العاصمة، وعلى مدى سنوات وهي تقوم بذلك. لماذا لم تتنطف المدينة؟!
ما يحصل لهذه الفئات من ابتزاز يومي وتنكيل جسدي ونفسي يضع السلطة المحلية وأهدافها في زاوية الشك المريب.
المؤكد أن أموالاً طائلة تجنيها إدارات المديريات وفرق الضبط الميدانية من هؤلاء المقبوض عليهم. إنها تستدفع المخالفين آلاف الريالات عند كل مرة يقبضون عليه، ويكون مصير أي ممانع عن الدفع الإحتجاز والسجن، ومع وجود سندات التحصيل الرسمية إلا أنها لا تستخدم في غالب الأحيان.
لا يوجد رقم محدد للغرامة، ولا يكتفي بالحبس بدلاً منها (وهو إجراء غير قانوني أصلاً) ولكن أيضاً يدفع. وحصلت «النداء» على سندات تحصيل رسمية بمبالغ مالية متفاوته، غير أن قيمتها الحقيقية مضاعفة، فضلاً عن سجن صاحب السند لساعات وقد يمتد لأيام. لقد تثبتت الصحيفة من ذلك.
 الأحد الماضي اقتادوا خالد حسن أحمد من وسط حارة «فروة» واحتجزوه قرابة أربع ساعات داخل غرفة، ولم يفرج عنه إلا بـ«3100» ريال، وحين طلب منهم السند وجدها 2000 فقط. (لاحظ أصل السند). وقال خالد إن شخصين آخرين احتجزا وأطلقا معه، هما أيضالما نفس المبلغ واستلما نفس السند. إنها حملة جباية تطلقها أمانة العاصمة ضد هؤلاء الناس المنهمكين.
هناك حالات كثيرة من هذا النوع. أما عبدالفتاح إسماعيل فإنه لم يتسلم شيئاً من هذه السندات. ويعتقد أنه كان سيئ الحظ: «أنا سلمت 3700 ريال ولا في سند ولاهم يحزنون»، قال ذلك. وهذا الأخير اختطفوه من داخل سوق «هبرة» وركموا به إلى البدروم المكتظ بالإنسانية. وأضاف عبدالفتاح أنه بقي في الحجز من الساعة 11 ظهراً إلى الثالثة عضراً، وهو المريض بالربو «إذا ماشي حد يدِّور بعدك عاتجلس بقعتك».
ناس كثيرون اعتقلوا لمرات، وبعضهم تأخذه سيارة الحملة لمسافة وتتركه، إذا ما كان جيبه مليئة وأصابعه جاهزة للعد. ذلك يتم يومياً وبصورة اعتيادية وباديةً للعيان. وفي نظر كثيرين من الضحايا فإن الغرامة أهون، في كل صورها، من أخذ البضاعة أو تكسيرها، لأنهم يتكبدون عشرات بل مئات الألوف نتيجة ذلك.
في مطلع أسبوع الحملة، وربما في اليوم الأول منها، سحق الجنود المكلفون كل شيء، وحطموا وصادروا كل شبر زائد على واجهة الشوارع. يحكي أحدهم أنهم كانوا يدهسون عربيات الباعة بالشيولات حتى يسووها بالأرض.
وتمتلئ سجون مديريات أمانة العاصمة يومياً بأعداد هائلة من المواطنين، أغلبهم من محافظات اليمن الأسفل «ريمة، عتمه، إب، تعز، الحديدة، وصاب، الضالع، المحويت»، وغيرها.

إقرأ أيضاً