قد يبدو الأمر هزليا أكثر مما يجب حينما نتخيل معا هذا المشهد:
وزيرة حقوق الإنسان، ووزيرة الشؤون الاجتماعية، وعضوة مجلس النواب وإحدى القاضيات المندرجات في سلك القضاء، فلنتخيل معا هؤلاء النساء المعينات في مراكز قيادية في الدولة والمتسنمات مناصب حساسة وإشكالية، كوزارة حقوق الإنسان وهيئة القضاء وغيرها من المواقع ذات الحل والربط،، فلنتخيلهن ذاهبات لاستخراج جواز سفر أو بطاقة إثبات هوية، فيرفض طلبهن بحجة أنهن "حريم"، ويشترط على كل منهن الإتيان بمحرم ينوب عنها ويشهد بموافقته على استخراج جواز لها، ولا يهم في صفات هذا المحرم قدرته العقلية أو إمكانياته العلمية والعملية أو سنه، فربما الوصي الذكر لم يتجاوز الخامسة عشرة، أي مازال في سن الطفولة القانوني، ومازال تحت كفالة أم تعتني به؛ فما سبق ليس مهما في نظر قانون الهوية والجنسية والقائمين عليه، يكفي أن يذيل توقيع المحرم الوصي تحت جنس "ذكر" ليصبح له الحق أن يحجب الكيان الاعتباري والإنساني عن المرأة وينوب عن حضورها المادي والمعنوي. بل والمهزلة أنه يغدو وصيا على امرأة قد تكون متجاوزة له في العمر والمكانة العملية والعلمية والاجتماعية، وفي أحيان كثيرة هي متحملة مسؤولية حياته وإعاشته، ولكن هذا كله لا يشفع لها ولا يمنحها الأهلية في قوانين الجنسية وهيئة الهجرة والجوازات ومراكز استخراج بطاقات إثبات الهوية ولا في عرف العاملين فيها. وتقابل النساء في هذه الأماكن بكل عنت ويعاملن بتمييز وانتقاص مجحف، حينما استخراج وثيقة من الجهات السالفة.
وحينما نضع المسألة في محك السياق المنطقي والحقوقي تقع القوانين اليمنية ومخرجات سلوك الدولة وجهاتها التنفيذية في مأزق والتباس شديد، حيث وأنه إذا كانت النساء السالفات أعلاه يتقلدن أعلى المناصب ومواقع القرار في مؤسسات الدولة، ونائبات عن الشعب ولسان حاله في مجلس النواب والشورى، وذلك بما كفله لهن الدستور وغالب القوانين، وكإنجاز لدولة الوحدة والديمقراطية، كما يطرح في خطاب الدولة، بينما يأتي قانون الجنسية لينفي ما سبق ويهدم هذا الإنجاز ويناقض الدولة ودستورها وقوانينها ويعتبر النساء لسن أهلاً، ولا يملكن شخصيات اعتبارية مستقلة ومواطنة كاملة كما نص عليها الدستور وكفلتها لهن القوانين التي أوصلتهن إلى المناصب العليا ومواقع القرار ونائبات عن الشعب كما ذكرنا.
قد يتبادر إلى خاطر البعض أن النماذج التي سيقت كعينة للنساء لا يندرجن تحت المعاملة الانتقاصية لقانون الجنسية وقادرات بالأوامر العليا على استخراج جواز سفر وإثبات هوية خلال دقائق؛ غير أننا نتحدث عن قوانين وعن الشخصية القانونية بعيدا عن الاستثناءات الوقتية والوساطة التي لا ترسي أحقية دائمة ولا ترسخ لقوانين وحقوق مواطنة كاملة، ولن يكنّ بمأمن ولن يسقط عن هؤلاء النساء الندّيات والمستثنيات ما لصق بعامة النساء اليمنيات من امتهان وانتقاص في شخصيتهن القانونية المكتملة وحقهن الاعتباري كمواطنات وحقهن الإنساني بشكل عام.
وعليه يتوجب على الدولة إنهاء هذا التناقض الصارخ بين تطبيقات قوانينها ومخرجات توجهاتها الديمقراطية والتحديثية، بل والإسراع في إصلاح الخطأ الذي تمارسه جهات إثبات الهوية وقوانينها متجاوزة النصوص الدستورية التي تؤكد على المساواة أمام القانون لجميع اليمنيين، إناثا وذكورا، ملحقة (جهات الهوية) حيفا وانتهاكا بالنساء يتنافى ويشوه تدابير وتوجهات بناء الدولة الحديثة والتي تظهر تباشيرها في حضور النماذج النسائية أعلاه وكثيرات غيرهن في مواقع القرار والمناصب العليا وتصدير الدولة لخطاب يرافقه بعض الفعل الذي يؤكد حرصها على هذا التوجه والإنجاز. وكذلك على النساء الفاعلات والعاملات والمتصدرات في ومواقع القرار وغيرها من المناشط السياسية والاجتماعية، ألاّ يتواكلن سادرات في ما تكفله لهن مواقعهن من خصوصية واستثناء في المعاملة بل عليهن على الخصوص أن يتصدين لهذا الظلم الفادح ويأخذن على عاتقهن المبادرة بإنهائه بما توافر لهن من مقدرات وإمكانيات بحكم وضعهن الندي والاستثنائي ويبدين مسؤولية ومصداقية في تبني قضايا النساء؛ لأن حضورهن الاعتباري والفعلي حضور رامز لكل النساء وسيكون تقاعسهن ونكوصهن رامز سلبي لا نتوخاه فيهن ولا نتمناه... وحديثنا ممتد.
hudaalattasMail
حنايا
2008-08-08
حنايا - هدى العطاس