احتفال فقير بمناسبة غنية بالمآثر.. ليته لم يكن! - نادرة عبدالقدوس
الاحتفال (الصغير) الذي نظمته السلطة على عجل بمناسبة الذكرى الأربعين ليوم الاستقلال الوطني للجنوب اليمني من ربقة الاستعمار البريطاني صباح يوم الخميس 29 نوفمبر في ستاد 22 مايو، بمدينة عدن، أكد لل "المفتّح " والأعمى أن الغرض من تنظيم الحفل، سد الطريق على المعارضة لكي لا تقيم احتفالها بنفس اليوم في هذه المدينة الشاهدة على تاريخ نضال أبنائها وأبناء اليمن عموماً من أجل الحرية لكل اليمن. ولعل السلطة ظنت أن تنظيم الاحتفال بهذا اليوم العظيم، الذي له معانِ سامية عند أبناء عدن بدرجة أساسية وأبناء الجنوب تحديداً وأبناء اليمن عموماً، سيشفع لها عندهم.
فلو كانت نية السلطة حسنة، لكانت شكلت لجنة خاصة للاحتفال بهذا اليوم الأغر في وقت مبكر جداً وليس قبله بأيام! وما ظهر عبر شاشة التلفاز أثناء نقل الفضائية اليمنية لوقائع الحفل يؤكد للقاصي والداني مدى تفاهة الحفل الذي لم يلِق بالمناسبة، ومدى سخرية السلطة بها وما رأيناه كان مشهداً لأطفال يلعبون أو يمارسون تمارين رياضية، ليس إلا!!
أربعون عاماً على استقلال الجنوب.. أهكذا يتم الاحتفال بهذا اليوم الذي كان من المفترض التهيئة والإعداد له بشكل جيد ولأشهر عديدة؟ وللتأكيد على ما نقول، فقد أعلنت السلطة قبل أيام على تنظيم الاحتفال في ساحة العروض في خور مكسر لنفاجأ بتغيير المكان إلى ستاد 22 مايو.. لأنها أي السلطة كانت (عاملة حسابها) على استعراض كرنفالي بسيط من طلاب وتلاميذ المدارس ومجموعات من عمال وموظفين وجنود وضاربين على الطبول وراقصين وكلمة رئيس الجمهورية والسلام.. إلا أن إصرار المعارضة على تنظيم الاحتفال بهذا اليوم واختيار ذات المكان دفع السلطة إلى تغيير المكان تحسباً لأي طارئ، خاصة أن الساحة مفتوحة وربما تحدت المواجهة غير المتكافئة بين الطرفين (بين عسكر السلطة المسلحين ومواطنين عزل من السلاح) وستظهر الفضيحة " بجلاجلـ" للعالم أجمع.
هذا التغيير المكاني استدعى تغيير شكل الاحتفال بغض النظر عن ظرف الزمان، وبغض النظر عن الفوضى الناتجة عن الارتجال، وإرهاق المدربين والتلاميذ الناتج عن القرار المفاجئ غير المسؤول، مما أدى إلى غضب أولياء أمور التلاميذ لأنهم لم يُشعَروا من قبل باختيار أولادهم للتدريبات التي منعتهم من الدراسة، لذلك اضطر مدراء المدارس لإسكاتهم إلى ضرب الوعود للتلاميذ بمنحهم علامات زيادة في الاختبارات إكرامية لهم، كإكرامية الرئيس لموظفي الدولة بمناسبة قدوم شهر رمضان المنصرم التي منحت لهم، وبسببها لم يستلم الموظفون إكرامية مرافقهم التي اعتادوا عليها سنوياً في هذا الشهر، كما لن يستلموا فارق الرواتب بحسب إستراتيجية الأجور من شهر يوليو 2007م، وإنما سيستلمونها احتساباً من شهر أكتوبر هذا العام. وبالمثل فإن التلاميذ المغلوب بين على أمرهم كانوا يتسلمون مائة ريال فقط يومياً + علبة بسكويت! وكان المقرر حسب علمنا أن تُدفع لكل تلميذ أكثر من عشرة آلاف ريال إن لم يكن ثمانية عشرة ألفاً، كما نما إلى مسامعنا.. والله أعلم والقائمون على هذه المسألة..
هذا الارتجال والفوضى واللامبالاة بأهمية هذا اليوم العظيم يوم الاستقلال أظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن السلطة ممعنة في التغاضي عن مشاعر أبناء الجنوب، وتتعمد إذكاء الفتن وروح التعصب، ولا أدل على ذلك أيضاً والذي زاد الطين بله من كلمة رئيس الجمهورية، الراعي الأول للشعب اليمني من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، التي جاءت خالية من أي إشارات إلى أهمية هذه الذكرى الجليلة، وما تمثله للشعب اليمني الذي ناضل أبناؤه، رجالاً ونساء، شباباً وشيوخاً، كمحطة انطلاق تاريخية نحو صنع الحياة المثلى لليمن ونحو البناء والتغيير. وما الوحدة اليمنية إلا إحدى منجزات هذا النضال المستميت الذي اجترحه الشعب اليمني في جنوب الوطن، وبشكل خاص في مدينة عدن حيث شهدت مراحله التاريخية المختلفة منذ وطئت أقدام المحتل أرضها الطاهرة حتى ارتفاع علم الوحدة مرفرفاً تحت سمائها الرحبة وتحت نور شمسها الوهاجة، هذه الوحدة التي نتشبث بتلابيبها ولن نحيد عنها قيد أنملة، وسيظل نضال الشعب اليمني مستمراً حتى تتحقق أهدافها كاملة، وأهمها المواطنة المتساوية بين أبناء الوطن الواحد، وتوزيع خيراته على كل أبنائه وليس على حفنة منهم، والقضاء على الفساد، وإفشاء السلام والأمن في ربوعه.
لقد جاءت الكلمة القصيرة المرتجلة لرئيس الجمهورية تحصيل حاصل ليس إلا مستبطِنة التهديد والوعيد أكثر مما فيها من الوعود البراقة، للشباب بشكل خاص، كمنح الأراضي الزراعية (لا ندري في أي منطقة من اليمن)، والوظائف (لا ندري في أي عام) أضف إلى (ذلك) ما اعترى الكلمة من هنات وهفوات تُحسب على أي رجل سياسي، فما باله لو كان زعيماً لدوله.
كنا نترقب كلمة تليق بالذكرى الأربعين للاستقلال الوطني للجنوب، وتشنف آذاننا بالجديد الجميل الذي ينهي تعاستنا وبؤسنا في هذا الوطن الضامر، بيد أن آمالنا تبددت وخاب الرجاء.
علمنا أن العشوائية مست أيضاً الجماهير التي حضرت مدرج ستاد 22 مايو، حيث تم أخذهم على حين غرة من كليات الجامعة ومن مرافق العمل دون إشعار مسبق وحملهم في حافلات خاصة مجبَرين الحضور إلى مكان الاحتفال، فبدت محطات المواصلات خالية من وسائل النقل؛ ما أدى إلى الشلل التام في حركة التنقل في مديريات مدينة عدن. كما تسبب حمل الناس دون سابق إنذار في إحداث الكثير من المشاكل في عدد من الأسر، خاصة بين أوساط النساء والفتيات، إذ لم يتم استئذان ذويهم في الذهاب إلى المدرج. فمن المسؤول عن هذه الفوضى!؟ ولماذا يتم التعامل مع الناس بهذه الطريقة الخالية من أي احترام لهم؟ ولماذا لم يتم إشعارهم من قبل؟ إلا إذا كان هناك توجس بالرفض.. وهنا يبرز السؤال الذي يجر سلسلة من التساؤلات: لماذا سيرفض الناس الحضور إلى مكان الاحتفال؟!
nadra
احتفال فقير بمناسبة غنية بالمآثر.. ليته لم يكن!
2007-12-05