صنعاء 19C امطار خفيفة

كل يوم يهيئ الصومالي جلده تحسباً لضرب مبرح: «يعلقونا ويضربونا والذي ما يعرف يتكلم عربي يُودف»

2007-09-06
كل يوم يهيئ الصومالي جلده تحسباً لضرب مبرح: «يعلقونا ويضربونا والذي ما يعرف يتكلم عربي يُودف»
هلال  الجمرة
20 فأكثر، هو عدد المرَّات التي تعرض فيها الشاب الصومالي عصام علي (30 عاماً) للضرب، مذ لجوئه إلى اليمن في 2002. كثيراً ما تلقى الضرب (اللّطم) من يمنيين نظَّف سياراتهم. «أنا أمسح السيارات، وأحياناً يأتي واحد غسَّلت سيارته يضربني، لأنني أطلبه أجرتي في العمل»، قالها ويده تصفع خده الأسمر الذي تظهر عليه آثار أظافر من اعتدوا عليه.
معظم اللاجئين يعملون في مسح وغسيل السيارات، و آخرون يعملون في المجاري والبيارات أو في تنظيف مراحيض وأرضيات المستشفيات. هذا بالنسبة للذكور. أما الإناث فيعملن في الخدمات المنزلية. وأكثرهم لم يجد سوى التسول.
 كانوا يحلمون بوطن أكثر أمناً مجازفين بقطع أميال بحرية، نسبة النجاة فيها شبه منعدمة. أعمال وضيعة ورخيصة يمتهنها لاجئ يبحث عن كسرة خبز يشبع بها جوعه.
شكا الكثير من اللاجئين من الانتهاكات التي يتعرضون لها، من ضرب، وقذف.
 عبدالرحمن حسن, أحد الصوماليين الذين لجأوا إلى اليمن عام 1996، تعرض للضرب بالجزمة والركل وفي إحدى المرات طعن بالجنبية، عارضاً يديه التي تركت الجنبية آثارها عليهما. هو راح ضحية عمليات سرقة. «يأتي واحد سارق ويأخذ على آخر تلفون أو فلوس فيقوم بضرب جميع الصوماليين، وأحياناً بلا سبب، أو عندما نطلبه اجرة نظافة», قال مستنكراً أساليب اليمنيين. كما تتعدد أسباب الضرب التي يشنّها الأخيرون على اللاجئين.
لصومالي كلص افتراضي
يحيى الجبلي (صاحب سيارة ينظفها أحد اللاجئين) يتذكر أن شقيقه فَقد الجوال من داخل السيارة: «الصوماليين طيارين (سرق) مرة جاء واحد صومالي يجابر أخي (يتحدث معه) والآخر يشل التلفون من الجهة الثانية للسيارة». وصفهم بالسَّرق. وأضاف مفصلاً الطريقة التي يستخدمها هؤلاء لإخفاء الشيء المسروق: «يلفوه في الخرق اللي يمسحوا بها». ويقول الجبلي إن شقيقه أمسك الصومالي الذي كان يتحدث معه، «عندما فقد التلفون قام بضرب الصومالي الذي جابره وهو اعترف وسار ادَّى صاحبه، وجينا ندعنا لهم ضرب مبرح، عيال كلب».
ما يخرجه إلاَّ الضرب
يقول حميد محمد  (مالك باص): «رأيت أكثر من 30 مرة صوماليين يضربوا، سواء من يمنيين سرقوا عليهم تلفونات، أو من رجال الأمن، أو عمَّال البلدية».
ويتحدث حميد: «مرّة شبحت (أمسكت) اثنين صوماليين وبينهم واحد صغير اللي سرق التلفون». أمَّا كيف استرد جواله، فبطريقة واحدة من وجهة نظر آخرين كثر: «مايخرجه إلاَّ الضرب».
إذا سألت مجموعة من اللاجئين: لماذا لم تبلغوا أقسام الشرطة عن هذه الإعتداءات؟ سيكون الرد: «احنا لو رحنا الأمن يحبسونا وما أحد يدي حقنا. بس احنا نوكل الله هو الذي سينصرنا».
أنزه صومالي في فروة
حسن محمد شعيب (35 عاماً) لاجئ صومالي أتى إلى اليمن 2002، له خمسة اولاد في الصومال، كان رأيه مختلف عن الآخرين من أبناء جلدته، منظفي السيارات في سوق فروة، الذين يتجاوز عددهم مائة لاجئة: «أنا لم أُضرب منذ لجوئي، اللي يمشي تمام ما أحد يكلمه لكن السرق هم من يضربوا».
يمدحه كل من تعامل معه: «أنزه صومالي في فروه»، يحمل بطاقة من وزارة الداخلية، والمفوضية السامية برقم 9775.
20 جندياً اعتقلوا 21 صومالياً لمدة 21 يوماً
برغم أن شعيب عرف بأنه ذو أخلاق رفيعة، إلا أن رجال الشرطة لا يفرقون بين الجيد والسيئ. هو يتذكر حادثة في الصيف الماضي: «سرقوا تلفون لكن الأمن يأخذ كل الأسود 20 شرطي قامو باعتقالنا». ظل شعيب 21  يوماً مسجوناً في قسم «علاية» ثم رحل إلى النيابة. وافرجوا عنه. «ما عندي شيء وانا مظلوم»، قال شعيب.
20 جندياً قاموا باعتقال 21 صومالياً لمدة 21 يوماً في سجن علاية. واحد من العساكر أكيد كان «عفط» اعتقل 2 صوماليين مرة واحدة، لكن بقية الجنود اكتفوا الواحد منهم باعتقال صومالي واحد.
«اللي ما يعرف عربي يودف»
صفر أحمد حسن- أحد اللاجئين الصوماليين- تحدث عن الضرب والتعذيب الذي يتلقونه: «ضربني أحد العساكر بصميل في رأسي حتى شجَّه. نزفت قليلاً وآخرجوني من قسم الصياح»، وواصل: «يضربونا ويعلقونا ويربطونا بكرسي، إلى أن تعترف أو توريهم بيت الذي سرق، واللي ما يعرف عربي يودف». كما رجّح كلام زملائه عن اعتقال الأمن جميع الصوماليين الموجودين حين مداهمة الشرطة للسوق.
امَّا الجهات الأمنية فقد صرح مصدر مسؤول في أحد أقسام الشرطة: «يتم اعتقال عشرات اللاجئين وتهديدهم حتى يضطر السارق إلى الاعترف ومن ثم الإفراج عن البقية وإيداع المجرم وتحويله إلى النيابة».
فيما رفض آخرون الإدلاء بتصاريح، ونفى البعض حدوث أي ضرب او تعذيب يمارس ضد هؤلاء داخل السجون. كما انتقد احد مندوبي المباحث في أحد الاقسام هذه الأساليب واصفاً إياها بالقديمة: «امَّا الآن فالوضع مختلف تماماً نحن نتعامل معهم بكل أدب».
 البلدية تأخذ 1100 ريال غرامة من اللاجئين
لا يتوقف اعتقال اللاجئين على رجال الأمن، فبلدية النظافة تداهمهم أحياناً، لتأخذهم الى سجون خاصة بها، أو إيداعهم لدى أقسام الشرطة، حيث يتم اعتقالهم جماعياً.
يقول شعيب: «البلدية اخذتني أكثر من عشر مرات». عبدالرحمن دخل سجون البلدية مرات عديدة. غير أنه يتهرب منها حالياً: «سجن البلدية ندخل يومين او يوم- ويأخذوا منا غرامة مالية تصل إلى 1100 ريال ويخزقوا لنا التنيك لأننا نغسل السيارات فوق الزفلت ويتطعفر الماء في الشارع».
سجون ممنوعة
 ليست أقسام الشرطة وحدها هي التي تحتجز اللاجئين، ثمة سجون خفية يمنع الولوج إليها (سجن الجوازات يحتجر فيه عدد كبير من اللاجئين، و تعرض البرلماني أحمد سيف حاشد للضرب والتوقيف لساعات عندما حاول اختراقه، لكنه اكد وجود سجناء لاجئين تتجاوز مدتهم 3 سنوات. والسجن المركزي)، سردها الكثير من رجال الامن عندما كنا نبحث عن فجوة لاختراق بعض السجون الصغيرة.
يخشى اللاجئون دخول أي سجن كان، ليس فقط لأنهم يتعرضون للضرب والتعذيب وأخذ الغرامات، والرشوات. بل لأنه يمنعهم من ممارسة حريتهم في الشغل، وهو بمثابة قطع أرزاقهم.
يقول شعيب: «لما نشتغل على حريتنا بألف ريال، لكن يوم بلدية ويوم عساكر وايام في السجن».
إنخفاض مستوى المعيشة
المطاردات والتعسفات لا تعيق اللاجئ فقط، فهي تعيق كذلك المواطن اليمني. «مش احنا بس اللي يشلّونا البلدية، اليمني يؤخذ ويغرَّم»، يتحدث صفر بحزن. اليمني لا شك يعاني كاللاجئ، لكن الوضع بالنسبة للثاني أسوأ؛ فالأول يجد من ينفق على أسرته في فترة اعتقاله، فيما الثاني لا يجد من يعيلهم أو يسأل عنهم أثناء احتجازه، هكذا وصف غالبية اللاجئين تردََّي وضعهم المعيشي.
يشكو اللاجئون إنخفاض مستوى معيشتهم، وعدم وجود فرص عمل تمكنهم من استمرار العيش مع أولادهم وزوجاتهم، بلا خوف من الموت جوعاً.
عايشة إسماعيل (من الاورومو، اثيوبيا) لا تستطيع العمل، وهي بلا عائل. «أعيش وحيدة مع طفلتي، لكني لولا بعض الأورومو العاملين، لمت أنا وطفلتي جوعاً، ولولاهم لرميت في الشارع»، قالت عايشة بنبرة يائسة. هناك حالات أكثر سوءاً لم نتمكن من الوصول إليها.
فوق ذلك، وضعهم الصحي رديء والأردأ انهم لم يتلقوا أي مساعدة علاجية أو معونات معيشية من المفوضية السامية للأمم المتحدة، التي أشار إليها كل لا جئ ممن قابلناهم قائلين إنها. تأخذ المعونات الدولية والعلاجات، لكنها لا تعطيهم شيئاً سوى البطاقات، حسبما قالوا.
مجموعة من اللاجئين يبدون إمتنانهم نحو المستشفيات الحكومية (الثورة، والكويت) كونها تعفي اللاجئى من رسوم المعاينة، أما العلاج فيتكبدون شراءه بأنفسهم. يقول علوان بكري (لاجئ من الأورومو): «لم تعطني المفوضية لا علاج ولا مساعدة ولا حتى بطاقة».
إشاعات كثيرة كاذبة يوجهها بعض اليمنيين للاجئين، مفادها أنهم يتقاضون ما لا يقل عن 100 دولار شهرياً. اللاجئون ينفون ذلك. والشيخ حسن بررو (شيخ جمعية اللاجئين الاورومو) يجزم أنه «لا توجد سوى السمعة الكاذبة، والأخوان اليمنيين دائماً يقولوا انتم تأخذوها بالدولار وإلاَّ من أين تلبسوا». كما ألمح إلى أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لا تعطيهم شيئاً سوى قليل جداً من العلاج، أما إذا كان ثمنه باهضاً فتدعي عدم وجوده.
اللاجئة كفريسة سهلة
 الاحتقار والنظرة الدونية التي يمارسها اليمنيون على اللاجئات تتجاوز الهمز واللمز إلى محاولة الإغتصاب وممارسته، إذا سنحت لهم الفرصة.
عديد لاجئات انتقدن هذه المحاولات البشعة التي يتعرضن لها من قبل مسلمين، وداخل دولة إسلامية، قائلات إنهم يبعثون الرعب والخوف في قلوبهن. خضراء عبدي، شابة صومالية لجأت في 2003، حاولوا اغتصابها أكثر من مرة، إحداها: «انا كنت نائمة بجانب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وباغتني رجل في الليل كان يحاول تعريتي، الا انني استيقظت مذعورة وصرخت فهرب»، قصَّت حالتها وعيناها تدمعان.
أخريات أرادوا إكراههن. وهناك من اغتصبن بأياد أمنية -طبقاً لمعلومات حصلت عليها «النداء»- داخل المبنى المجاور للمفوضية، كن قد هربن إليها أثناء مطاردة الأمن لهن في إحدى الإعتصامات التي نظمها اللاجئون احتجاجاً على ظلم المفوضية، نشرت «النداء» قصصهن في أعداد سابقة. ومنها حالة «ليزا» التي أُستدرجت إلى خارج مدينة إب، وسجنت في قضية آداب.
جمال عبده (أحد الناشطين الأورومو) استنكر هذه الممارسات، ووصفها بالسخيفة والإجرامية.  «نحن في بلد الإيمان ومع هذا لا نأمن على نسائنا، عندما تخرج المرأة اللاجئة يتحرش بها بعض الاشخاص باللَّمس والمغازلة والسب والقذف». وأضاف: «لا يفهمن الكلام العربي وخاصة نساء الأورومو».
عبدالكريم محمد (مواطن يمني في الثلاثين من عمره) يروي أن «أحد أصحابي عندما يرى لاجئة خاصة في الليل يستمر في ملاحقتها واذيتها محاولاً النيل منها بشيء حتى ولو لمسة». ومنتقداً التصرف السخيف الذي يصدر من صاحبه: «معظم اليمنيين وخاصة بعد القات يحاول مضايقة النساء أياً كانت، ليس فقط الصوماليات». أكدها الكثير من الاشخاص. فيما يوضح أحد المواطنين (لم يطلعنا على اسمه): «إن اللاجئة دائماً هي أكثر من تتعرض للإيذاء، حتى أن البعض لو سمعها تستنجد أو تصرخ لا يأبه لصراخها». الكثير من عامة الناس ينظرون الى المرأة اللاجئة كفريسة يسهل اصطيادها.
halaagamrhMail

إقرأ أيضاً