صنعاء 19C امطار خفيفة

قضايا

2007-08-02
قضايا
قضايا
أطلق بعد عشر ساعات
اختطاف محامٍ من بين أربعة مدراء
 
 
كانت الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، وكان المحامي عزيز عبدالرحمن المعلمي في سيارة مدير مديرية خارف في منطقة سوق خميس هراش؛ فاخُتطف.
كان ذلك يوم الأحد الفائت، وأثناء أداء المحامي لواجب معاينة مسرح الجريمة. وحسب أحد أقرباء عزيز فقد أختُطف: «بحضور ممثل النيابة والمعمل الجنائي بالمحافظة وحضور اربعة مدراء: مديرمديرية خارف، ومدير الأمن ونائبه، ومدير البحث».
وطبقاً للمصدر، فإن مجاميع قبلية كبيرة تابعين لقبيلة (ش) اختطفت المحامي عزيز تحت إجبار السلاح، الذي فُتح في وجهه «وهدد بالقتل وهم متمترسين من جميع الاتجاهات واقتيد عنوة في سيارة خاصة بالخاطفين إلى قرية شيبرة منزل (ن، ص، ش)».
وأضاف المصدر القريب من المخطوف: «أن الخاطفين ساوموا عزيز على الانسحاب من القضية المرفوعة ضد (آ. ه) تحت تهديد السلاح». غير أنه رفض ذلك جملة وتفصيلاً.
وأمضى عزيز ما يقرب من عشر ساعات في قبضتهم «وبدون مقدمات حضر مدير أمن المديرية ونائبه ومدير البحث وأوصلوا المحامي المختطف إلى منزله في أمانة العاصمة». تفيد رسالة من شقيق المحامي وصلت إلى الصحيفة.
واتهمت الرسالة التي طالبت بالقبض على الجناة، قيادة الخاطفين بأنهم «يعملون ضباطاً في جهاز الأمن السياسي، والحرس الجمهوري الذي كان يفترض فيهم حماية الأمن وفرضه على الجميع»، مطالبة تلك الجهات «تسليمهم للقضاء».
وكانت منظمة «هود» عممَّت في بلاغ صحفي على وسائل الإعلام؛ خبر الاختطاف، مؤكدة فيه أن الاختطاف «كان على مرأى من مدير عام المديرية، ومدير أمنها دون تحريك ساكن». وطالبت فيه النائب العام ووزير الداخلية اتخاذ الاجراءات القانونية بحق الخاطفين «وإحالتهم إلى القضاء والتحقيق مع مسؤولي المديرية الذين أُختطف المحامي من بينهم».
 
 
 
***
 
نائب مدير أمن حجة يستأجر بيتاً ويرفض مغادرته
- حجة - عبدالواسع راجح
يأمِّل الحاج علي علي مهدي من وزير الداخلية خيراً في استرداد منزله الذي يرفض نائب مدير أمن محافظة حجة إخلائه والذي دخله مستأجراً قبل ست سنوات.
انتهت مدة عقد الإيجار قبل ثلاث سنوات؛ ومذ ذاك والحاج علي يترجى الفندم حسين الحيفي: «سلِّم لي بيتي». لكن دون فائدة رغم توجيهات المحافظ. ويتساءل الناس من سيخرج المستأجر من بيت مالكه طالما والساكن نائب مدير الأمن بلكه.
ويؤكد الحاج على حاجته الشديدة لبيته وهو يتأبط ملفاً متكاملاً من المراجعات والتوجيهات التي جمعَّها خلال ثلاث سنوات من المحافظ إلى الوكيل إلى الجهات المسؤولة في المحافظة ولكن دون جدوى.
هو الآن يناشد وزير الداخلية والنائب العام: «يا جماعة خرجوا الرجال أشتي بيتي».
 
 
 
***
 
 
ثلاثة أطفال يطمح الأول أن يكون استاذاً، والثاني نصيراً للمظلومين، والثالث ضابطاً في البلدية:
«يعجبنا نطلب الله ونترجَّل»
 
- هلال الجمرة
في الساعة السابعة صباح كل يوم يخرج عبدالله مهيوب وعزيز فيصل من فندق «جبل شمسان» بشارع تعز، متجهين إلى باب اليمن لبيع الشرابات (الجوارب).
يضع عبدالله (12 عاماً) بضاعته على مشمع صغير، أمام محل لبيع الملابس: «صاحب المحل من البلاد»، ويتحدث عن المضايقات التي كان يتعرض لها عندما جلس في مكان آخر يبيع فيه الكبار.
كان لديهم -عبدالله مهيوب، وشقيقه طارق (15 عاماً)، وعزيز فيصل (12 عاماً) -خمسمائة ريال بدأوا العمل بها كرأس مال أعطي لهم من «فاعل خير».
في منتصف الشهر الجاري غادر عبدالله ورفاقه قرية الأيفوع -تعز للعمل في صنعاء، حيث عملوا العام الفائت «وفَّرَّوا فيها مصاريف الدراسة وبعض مصاريف الأسرة». ويضيف عبدالله: «نشتغل في البلاد أيام الدراسة ننافع الناس ويجيبوا لنا فلوس».
لا يصرف عبدالله ودخلائه من ربح يومهم الذي يتفاوت بين 300-500 ريال، حيث يضعونها إلى رأس المال الأصلي ليزداد.
يطمح الأول ليكون ضابطاً في البلدية؛ يساعد كل باعة الأرصفة ويناصر المظلومين. فيما يطمح شريكه عزيز أن يصبح استاذاً لبناء جيل متعلم واع.
إنهم يسكنون مع خال عبدالله في غرفة في فندق جبل شمسان «خالي اللي بيدفع علينا الايجار»، قال عبدالله، وتحدث ببهجة عن كرم مالك المطعم الذي أمام الفندق: «نأكل عنده بلاش. لأنه يعرف حالة أبي»، الذي قال أنه مختل عقلياً (مجنون) لايستطع العمل فيما يتكفل هو وأخوه بتوفير احتياجات المنزل.
شقيقه طارق (الشريك) كان غائباً عندما التقيناه وعزيز وهما يجلسان بجانب البسطة: «ما قدرش يجي اليوم... تعبان».
جنباً إلى جنب يجلسان مفترشين ببضاعتهم الأرض يبيعون «قفازات القدم» التي تتنوع بين «رجالي، نسائي، ولادي»، كما تتفاوت في أسعارها.
هؤلاء الصغار استطاعوا السيطرة على أنفسهم في صرف المال حيث أصبح الآن رأس مالهم حوالى 3000 ريال، بعد أن كان 500 في البداية.
أيام العطلات فقط يشتغل فيها الشركاء، أما في الدراسة فيتواجد عبدالله وعزيز في المدرسة «نحنا الاثنين في الصف الخامس، منقولين لسادس»، قال أحدهم.
يتحمل عبدالله وطارق أعباء أسرة مكونة من ولدين، وثلاث أخوات. فيما شريكهم عزيز (المعتز برجولته) ثلاثة أخوة ذكور ومثلهم من الإناث إلى جانب والده، هوو اكبر إخوانه من الذكور لذا فالهم الأكثر عليهم.
«يعجبنا في صنعاء نطلب الله ونترجَّل»، زفر بها عزيز حينما سألته عن إعجابه وإختياره لها.
يتهرَّب عبدالله وشريكه بين حين وآخر من رجال البلدية أثناء مطاردتهم للمفرشين على الأرصفة بين حين وآخر يومياً.
تلسع الشمس بشرتي «عبدالله وعزيز» من الصباح حتى المساء كل يوم، ليستمروا في العمل حتى العاشرة مساء، ومن ثم يتجهوا إلى الفندق الذي ينزلان فيه.
ويتذكران لجنة -لرصد المساكين- من وزارة الشؤون الاجتماعية التي رفضت تسجيلهما كأسر مستحقة تحتاج إلى راتب.
 
 
***
 
 
 
طفل يستنهض حماس الناس ببيتين ويقول للبخلاء: حمَّلكم الله تعبي:
«دوشان أباً عن جَد»
 
بصوت أكثر سخونة وحدة، وعينين محمَرتين، يصرخ «طه» الطفل، الذي لم يتجاوز الثالثة عشرة، في وجه السائقين، والمارة:
 «ألا حيَّاك وطال بقاك
وجعل الجنة مأواك والنار لمن عاداك
ألا حياك يا سوَّاق من حديد
ألا حيَّاك يا فاتح الديوان ووافر الضيفان».
إنه يمارس الدوشنة ويعترف بذلك دون تردد: «أنا دوشان أباً عن جد».
ويقول طه حسين الآنسي وهو واقف وسط جموع السيارات الواقعة بجوار مبنى النائب العام في مذبح، إنه يتيم الأب ويعيش مع أمه وإخوانه في غرفة صغيرة في مذبح ويدرس صف ثاني.
يردد هذين البيتين بمنتهى الإتقان المثير للحماسة ونخوة الكرم، ويكررها على وتيرة واحدة حتى أنه يصاب احياناً بشحب شديد في صوته.
انحدر هذا الطفل في جبال حجة إلى العاصمة ضمن أسرة هربت من بؤس الريف إلى رحاب المدينة، حيث زحمة الناس وكثرة الأعراس. لكن طه الذي تعلم الدوشنة من والده لا يتذكر حين جاءوا إلى صنعاء: «كنت صغير».
وطبقاً لأقواله فإن أسرته لا حظ لها في الضمان الاجتماعي، كأسرة فقيرة تمتهن حرفة بالية، وفقدت عائلها «كانت امي تشارع على المعاش وبعدا وبعدا وبعدا.. ما رضوش»، قال طه.
وسألناه: ما إذا كان باستطاعته ترك هذا العمل. سكت قليلاً كمن يفكر في أمر صعب: «ممكن.. ممكن بس..». وهز كتفيه: «مش عارف والله».
إنه يتعب كثيراً ويحس أحياناً بألم شديد في حلقة. وقال: إن بعض الناس (الزبائن): «ما يدَّوش. لكن حملهم الله تعبي».
هكذا يحملهم تعبه وإرهاقه معتقداً أن عليهم إعطاءه مقابل دوشنته وصياحه.
وحين يستلم طه مقابلاً من الممدوح، يسارع إلى إحضار خمسة أطفال آخرين. أحدهم يشبهه ويلبس نفس ملابسه، وإذا بهم يدَّوشنون دفعة واحدة كلٌ بمفرده في وجهك.
 
 
***
 
 
 
محكوم باكتفاء المدة ومسجون منذ تسع سنوات
6 مذكرات من القبيطة تناشد النائب العام إطلاق عيدروس
 
- علي الضبيبي

قبل تسع سنوات؛ كان سامي طفلاً في السادسة من عمره، وكان والده عيدروس يسأله عن هواياته التي يحب أن يصير؛ فيفضل أن يكون طياراً. أما الآن، وقد أصبح الصغير شاباً في الخامسة عشرة من عمره، والأب سجيناً منذ تسع سنوات، فليس من أمنية وحيدة لسامي سوى: رؤية أبيه وقد عاد إلى القرية.
لقد أصبح سامي العائل الوحيد لأسرته منذ فقدان والده. وأسرته هذه؛ مكونة من أحد عشر فرداً. فبالإضافة إلى أبناء عيدروس الثمانية (أخوة سامي) زوجته فائزة، وأمه سمرة، وشقيقته المطلقة كفاح.
الفارق صار شاسعاً: دخل عيدروس السجن و ابنته منال في التاسعة و نسرين في السابعة، والآن تناهز الأولى التاسعة عشرة، وقد صارت على مشارف الثانوية العامة، فيما الثانية في ال17 (أول ثانوي).
كان عيدروس حمود القباطي يعمل أميناً لصندوق إحدى المؤسسات الدوائية منذ بداية التسعينيات تقريباً، وفي أواخر 97 أخذت الوظيفة منحىً آخر؛ وآل به المقام إلى السجن.
وجهت إليه النيابة العامة تهمتها حينذاك. وبين تأريخ التهمة المنسوبة إليه في قضية عجز، والحكم الابتدائي الصادر بحقه من محكمة غرب الأمانة أربع سنوات. إذ قضى منطوقه بتاريخ 5 نوفمبر 2000 بالإدانة والإكتفاء بالمدة التي أمضاها عيدروس في الحبس «وإلزامه تسديد مبلغ 13 مليون و400 ألف ريال». لكن عيدروس استأنف الحكم وأخذ التقاضي يسير ببطء شديد يوازي تاريخين: الإتهام، والنطق بالحكم.
فمنذ 5/11/2000 (تأريخ استئناف حكم الابتدائية) إلى 13 سبتمبر 2004 (قرار الاستئناف) ما يقرب من أربع سنوات. وأيدت الأخيرة حكم الأولى لكن عيدروس ظل يرزح في سجنه.
غير أن الرجل، وهو القابع في السجن خلاف ما قررت الأحكام التجأ كملاذ أخير إلى المحكمة العليا وكالتماس نهائي، وبعد سنتين صدرحكمها؛ تحديداً في 6 أغسطس 2006 يقضي باكتفاء المدة، وما تزال تلابيب السجن اخذة به.
في 11 يونيو الفائت؛ تظلم عيدروس إلى النائب العام بغية إدراج اسمه في كشف المعسرين، غير أن رئيس شعبه السجون أوضح أن قضيته «رهن الاستئناف» مع أن حكم العليا قد مضى عليه ما يقرب من عام كامل!
ولم تُشْر مذكرة بيان الحالة التي أعدتها الشعبة إلى الحكم الأخير مما يؤكد الإهمال الحاصل بحق السجناء.
وبعد أن تأكد للنائب العام ولرئيس شعبة السجون أن هناك خطأً في البيانات، وبعد مذكرة عضو مجلس النواب أحمد سيف حاشد، قررا ضم اسمه إلى كشوفات المعسرين.
ومذ ذاك؛ حتى الحين وأسرته القاطنة قرية «الجوازعة» مديرية القبيطة من محافظة لحج، تنتظر وصول عائلها قادماً من صنعاء بعد انتظار ممل كان قد وصل لدرجة اليأس.
ووفد إلى مكتبنا قادماً من لحج الشاب عمر الحيدري حاملاً معه ملف قضية عيدروس و5 مذكرات تؤكد إعساره وتشرح ما لحق بأسرته من ضرر جراء غياب الأب. وحين سألته الصحيفة عن أخبار الأسرة، استخرج صورة تذكارية تجمع عيدروس بكبار ابنائه وبناته (سامي، منال، نسرين، سالي)، ومذكرتي أمين منطقة الجوازعة تيسير أحمد سيف بن سيف، وشيخها سلطان محمد علي العنتري. بالإضافة إلى عضو المجلس المحلي فيصل هزاع هاشم، ومدير مدرسة الشعب الأستاذ سلطان سعيد. وكل المذكرات تشرح حالة الاسرة وتؤكد إعسار عيدروس وفقره.
 
 
***
 
 
«أخي محبوس في المركزي منذ تسع سنوات في انتظار أصحاب الدعوى»
لا نطلب سوى المحاكمة
 
 
يناشد المواطن جهاد ناصر شبانه من مديرية عذر «حاشد» التابعة لمحافظة عمران النائب العام وضع حد لموضوع أخيه السجين عبدالله ناصر شبانه القابع في المركزي بتهمة قتل: «ما زلنا ننتظر من أصحاب الدعوى التقدم إلى المحاكم فيما يدعونه مع العلم بأننا نعتبر الدعوى كيدية».
وقال في ندائه, الذي وجهه للنائب العام عبر الصحيفة: «لا نطلب أكثر من محاكمة لتأخذ العدالة حقها في القضية».
وأمُل جهاد شبانة من المعنيين بالموضوع والمهتمين بالجانب الانساني أن يولوا اهتماماً بموضوع قضيتهم: «ولو بعضاً من وقتكم».
 
 
 
***
 
 
إعدام 6 من عصابة وادي الموت رمياً بالرصاص
 
 
نفذت السلطة القضائية القصاص الشرعي رمياً بالرصاص على ستة متهمين بالتقطع والنهب. وطبقاً لمصادر خاصة فإن هؤلاء الستة كانوا ضمن عصابة مكونة من 40 فرداً يمارسون التقطع في منطقة السْحُول في إب، أو فيما كان يعرف بوادي الموت. وأمضى 5 منهم في السجن من 2002 وواحد من عام 2003.
أُعدم الستة في تمام الساعة التاسعة صباح الأحد الفائت داخل فناء السجن المركزي بصنعاء وسط اجراءات أمنية مشددة وأجواء تشي بالرعب. وهؤلاء الأشخاص هم: محمد أحمد هادي، محمد عبدالله شعبان، عادل محمد قحطان، محمد قائد الجليحي، علي هادي قاسم، وصالح علي قحطان.
وقال شهود عيان، حضروا تنفيذ الاعدام، إن الإعدام نفذ على دفعتين من 3. غير أن المتهم الثاني محمد عبدالله شعبان والذي كان الأشد شراسة حتى داخل السجن لم يمت إلا بصعوبة وكان آخر من لفظ أنفاسه من الستة.
وأفادت المصادر أن 16 فرداً من العصابة رُحلَّوا إلى سجن إب المركزي لاستكمال بقية سنوات العقوبة المحددة ب15 عاماً، بعد أن أمضوا في سجن صنعاء المركزي 7 سنوات من تاريخ القبض عليهم، وأن 5 أفراد آخرين لا تزال قضاياهم منظورة في العليا، وما زالوا في عهدة سجن الأمانة. بينما أُجِّل إعدام، وهو المتهم الأول وأحد مشائخ المنطقة وكان محكوماً ابتدائياً بالإعدام أيضاً.
وشهدت، منطقة السحول شمال مدينة إب أواخر التسعينيات، أشرس أنواع التقطع والنهب للسيارات والماشية، وكان يُرمى ببعض الناس خاصة الرافضين التسليم للعصابة من أعلى «كُبري» والبعض يُضرب حتى الموت، وراح ضحيتها العشرات من الأبرياء، حسب ماجاء في الأحكام
 
 
***
 
 
 
الضابط الفلسطيني الذي يسوّي قلابة فول للسجناء ويحتفظ بصورة الرئيس:
«سبع سنوات وشهرين حولت رأسي إلى بلاطة»
 
 
يحمل الفلسطيني إبراهيم محمود الشرقاوي رتبة نقيب من معسكر صبرا الفلسطيني، وحكماً قضائياً يؤكد إعساره من القاضي المعمري، المكلف بهذا الشأن في محكمة شمال الأمانة.
إلى ذلك فالرجل، الذي تساقط شعره وسنوات عمره في السجن لا يزال هناك منذ سبع سنوات وشهرين.
كان الشرقاوي محكوماً بسنة واحدة من محكمة غرب الأمانة قبل سبع سنوات في قضية حق خاص (6100 دولار + 1000 ريال سعودي وآخر يمني).
ومراراً حاولت «النداء» الاتصال بعائلته على تليفونها المحمول والذي أرسله إلينا إبراهيم قبل شهرين، لكن محاولاتنا باءت بالفشل لسبب يتعلق بمشاغلها الكثيرة في توفير سداد فاتورة الحياة المعيشية لأبنائها الأربعة وقريبتها العجوز.
وفي الأسبوع الفائت قصد المحرر زيارة الأب إلى سجنه كأي زائر، فوجد رجلاً أصلع بنصف أسنانه يوشك على السبعين، ويقلب الفول للسجناء.
إنه يعمل لمساعدة أم محمود وتوفير حاجياته، وحين مازحه أحد الواقفين إلى جواره وهو يقسم بأنه في الثامنة والستين من العمر، أحمرَّ وجهه وضرب بكفه على صلعته حتى بانت أصابعه حُمّرة عليها: «أقسم بالله لو أنا نشَّال لا اقطع هذه من هنا» وآشار إلى مرفقه اليمين «ياراجل سبع سنوات وشهرين حوَّلت رأسي رلى بلاطة».
يتضح من حكم الإعسار الذي كسبه ابراهيم في 3/7 الفائت، أن غريميه، اليمني، والمصري، غير موجودين فقد حاولت المحكمة إعلانها غير مرة للحضور أمام قاضي الإعسار للرد على الدعوى التي تقدم بها السجين إبراهيم الشرقاوي، لكن لم تحضر جلساتها التسع سوى تأشيره عليها ختم قسم جمال جميل تفيد بأن المحكوم له اليمني محمد يحيى الكبسي «اختفى»، أما الآخر المصري محمد عبدالرحمن عمار، فقد غادر اليمن إلى مصر.
لم يعد لدى ابراهيم غرماء حاضرين يناصبونه العداء ويسألونه الحق، لم يعد لديه سوى ملعقة لقلابة الفول ومحفظة بداخلها صورتي إبنه محمود والرئيس علي عبدالله صالح.
التحق بمعسكر صبرا الفلسطيني في اليمن قبل 30 سنة، كما يقول، وتزوج بيمنية من بعدان، له منها أربعة أطفال: محمود، أحمد، علا، ورامي. وإلى عصر أمس والصحيفة تحاول أخذ معلومات عن أسرته عبر الهاتف إلى أم محمود فكان ان ردت العجوز ذاتها ككل مرة: «أم محمود في العمل والعيال مش موجودين...؟». واتضح أن وضع هذه الأسرة الفلسطينية مأساوي للغاية إذ يمارسون مدْ أيديهم للناس، ويسكنون في الدور الأول للسكن الفلسطيني بحدة في غرفتين «عايشين في البؤس، في البؤس، في البؤس..»، قالت العجوز.
وسألناها عمَّا إذا كانت الأسرة تتقاضى مرتباً من أي جهة أفادت: «لا مافيش. كانوا يدون من المعسكر ولمَّا دخل السجن قطعوه».
تبدو الفاقة والعوز وشدة الحاجة مرسومة على جبهة إبراهيم شرقاوي، أحد الفلسطينيين اللاجئين من يافا وأراضي 48 عام 1952، لكن إعجابه برئيس اليمن علي عبدالله صالح ومناشدته للعميد يحيى محمد عبدالله صالح رئيس جمعية كنعان لفلسطين، كانت واضحة: «أناشد الرئيس والعميد يحيى محمد أن ينظروا لحال أسرتي ويخرجوني من السجن».
إبراهيم لا تربطه بعائلته في الخارج سوى الذكرى، ولا بفلسطين سوى أنه كان مناضلاً ومن سكان 48. وطبقاً للمرأة العجوز التي فتحت لنا سماعة تليفون أم محمود فإن للرجل إخوة وأقرباء «لكن لا يعلمون عنه ولا يعلم عنهم»، وتنهدت.
 
 
***
 

 
سِجْن يعيش فينا إلى الأبد
 
 سام أبو اصبع

يجدر بنا في كثير من الأحيان تعلم الصمت لنقوله بعد ذلك بأكثر من طريقة يمكننا اختراعها وقت حاجاتنا لذلك هنا في مقبرة الأحياء الموتى بأقسامها المتعددة: التوبة الغفران، القلعة، المدرسة، الإصلاح.
خلف هذه الأسوار الشائكة وفي هذه البقعة من العالم، تغادرنا كل أغاني الزمن الجميل، وتهجرنا كل مفردات السلام وتلفظنا قوى الظلام المجنون، عرايا في عراء الجحيم هذا الذي أصبحنا نسكنه.
وفي محاولة للالتفاف خلف كل هذا السواد، هذه المشانق المقامة لنا والرقصات الوحشية حول جثثنا الملقاة بإهمال على تراب وطن لفظتنا تضاريسه المليئة بالأسوار والحواجز، والمحاصرة بالأسئلة الباحثة عن إجابات والمليئة بروائح الشك النتنة وخلف كل هذا العبث اللامتناهي، وهذا القتل اليومي، وهذا الزحف المغولي، وهذه الأسوار التي نبادلها التحية كل صباح، فتسلبنا حرياتنا. وسأستدير باحثاً عن الخلاص من كل السجون المحيطة بي. وها أنا أتعبد بالكتابة مبتهلاً لصمتي بكتابته. ألم يقل «كافكا» يوماً إن الكتابة ضرب من الصلاة، باحثاً فيها عن الأمل!
مرة أخرى فتح الأمل نافذة جديدة لحلم ابتعد كثيراً حتى كاد يتلاشى. مرة أخرى يضرب لنا الأمل موعداً جديداً نتنفس من خلاله فسحة ربيعية نضرة محملة بأشياء تبعث على التفاؤل، وبأسباب مقنعة لانتهاء انتظار امتد بغير انتهاء حتى أصبحنا نراه بغير انتهاء بعد أن كنا نعيش على وقائع موت معلن وإن تأجل قليلاً إلا أننا كنا رويداً، رويداً قد بدأنا في تشرب تفصيلاته المخنوقة بالوجع والمتوحشة بالسواد. هنا في مقبرة الأحياء الموتى وراء أسوار وأسلاك شائكة، وعشر بوابات فاقت تعداد بوابات الجحيم ذاته. وهنا تشاهد ما لا يمكن مشاهدته خارج هذه الأسوار طوال عمرك. هنا تتعلم لغة مخيفة لصمت مسجون في ثقوب الكلام. هنا تتصفح وجوهاً غادرتها الحياة منذ غادرها الأمل، فتنطق بالموت. وعبثاً ما نحاوله من التقدم صوب صكوك انسانياتنا المصادرة منا بحق وبدون حق حتى إشعار آخر قد لا يأتي قبل الأوان. نتنفس كآبات وأحزان العالم، ونزفر ومسرات وأفراح العالم أيضاً مع كل عملية لشهيق وزفير. مخلوقات من كل جنس ولون، طبائع تتشابه وتتنافر، وقلوب تتقارب وتتباعد، وصفات أخرى لا يمكن أن يفهمها أحد، حتى أصحابها أنفسهم. قصة سجن أصحبنا نعيش فيه وتلك كانت المحنة الأولى والمصيبة الأولى. أما ما هو أعظم من المصيبة، فهو أنه أصبح يعيش فينا بالقوة الكافية لانتزاع حرياتنا المستقبلية. صار لأفكارنا شكل الأسوار، ولكلامنا شكل الأسلاك الشائكة وصمتنا أُقفل بعشر بوابات تكفي لصمتنا إلى الأبد.
الخوف سكن منا القلب، والأبصار افتقدت رؤية غروب وشروق الشمس، وشكل القمر ومنازله، وأنس النجوم وطوالعها. الروح تسربلت باليأس وأحاطها الخواء والشعور بالعبثية. وأصبح العدم أمنية مستحيلة وصعبة المنال، أصبح الوجود عبئاً ثقيلاً وشديد الوطأة. ماذا ينبغي من أبجديات الحياة عندما يصير الموت أمنية لا يمكن الوصول إليها!؟ ما كل هذا الجنون المحيط بنا في هذا المكان الذي لم نختر وقته وشكله حتى غدونا نرى هذا الجنون في كل ما حولنا، في مفاهيم ومعتقدات اعتقدناها ذات يوم حقائق، لكنها الآن غبار من أكاذيب حجب رؤيتنا كل ذلك الوقت؟ هكذا نكتشف أن الحقيقة دائماً تغير أثوابها باستمرار.
«كل شيء باطل وزائل»، هكذا يقولون ولكن يبدو أن أحزاننا وأسوارنا في هذه الأقبية تستمر معنا إلى ما لا نهاية، ومع هذا نتشبت بذلك الاختراع الجميل المسمى: أمل.
 
مساء الأحد - السجن المركزي - صنعاء

إقرأ أيضاً