بشرى العنسي
الجمعة قبل الماضية وطئت أقدام الخبيرين الالماني والبريطاني أرض سقطرى في مهمة لقنص ثلاثة عشر غراباً بعد أن عجزت الوسائل التقليدية وقناصون من الجيش اليمني عن القضاء عليها.
حتى أمس الاول نجحت بنادق الخبيرين بإسقاط تسعة غربان، فيما لاتزال أربعة منها تحلق في سماء سقطرى ساخرة منهم ومن بنادقهم المتطورة، ليتفوق ذكاء الغراب على خبرة القناص.
«باقي أربعة الآن غير مستقرة لأنهم حست بالخطر» قال نديم طالب، مدير مشروع برنامج التنوع الحيوي بسقطرى، مفسراً ذلك بذكاء الغراب؛ «غراب ذكي جداً يتعرف على الشخص واللبس ويهرب».
الغراب الهندي صار أكبر مهدد للبيئة السقطرية بنظر طالب، بعد أن دخل زوجان منها إلى الجزيرة في 1993 على متن سفينة قدمت من عدن.
الزوج الدخيل اسس حياته الجديدة على الجزيرة فكثرت أعشاشه وأعداده، وبدأ البيئيون يشعرون بخطره. «إضافة إلى الازعاج، هو خطر على التنوع الحيوي بسقطرى وخاصة الثمانية أنواع النادرة من الطيور» أوضح نديم طالب.
قبل عشرة أعوام بدأ «برنامج مكافحة الانواع الدخيلة» بحملة للقضاء على الغراب الذي استوطن أعالي النخيل بوادي حديبو.
الغراب بذكائه استطاع الافلات من مصيدة الاقفاص التي نصبت له، في حين وقعت فيه طيور أخرى. فكان الجيش هو الحل.
«جبنا قناصين من الجيش كانوا يقنصون سيجارة على بعد أمتار». الامر لم يأت بنتيجة، بحسب نديم، فبعد أربعة أيام غادر القناصون بخفي حنين.
هدم الاعشاش وتكسير البيض كان حلاً آخر أتجه اليه بعد فشل القناصين. فدفعت مبالغ للاطفال والسكان المحليين كي يتسلقوا النخيل ويقوموا بالمهمة.
الغربان كانت أشد إصراراً وعزماً من اولئك المتسلقين، ففي كل مرة كان يهدم عشها ويكسر البيض كانت تعيد بناءه من جديد.
«كنا بعدين نقتل الصغار بعد أن تفقس» مدير برنامج التنوع مواصلاً شرحه للطرق المستخدمة ضد الغربان، ومشيراً أيضاً إلى نجاح الطريقة الاخيرة حيث تم القضاء على 390 غراباً.
بقيت مشكلة الغربان البالغة، والتي كان عددها 13 غراباً، فكان لا بد من جلب قناصين محترفين وببنادق متطورة جداً.
برنامج المنح الصغيرة الممول من (UNEP) برامج الامم المتحدة للبيئة، إضافة إلى مشروع برنامج التنوع الحيوي بسقطرى الممول من البرنامج الانمائي للامم المتحدة (UNEP) والحكومة الايطالية واليمن، لم يكن أمامهم سوى الاستعانة بالخبرة الاوروبية التي كلفت 15 الف دولار.
الدوباس دخيل آخر
الغراب الهندي، الذي اعتبر الخطر الاول، لم يكن الدخيل الوحيد على البيئة السقطرية، فحشرة الدوباس هي الاخرى وجدت لها موطناً على أشجار النخيل هناك.
أنواع من النخيل جلبت من الامارات قبل خمسة عشر عاماً كانت مصابة بمرض الدوباس ومثلت بؤرة لانتشار المرض إلى مناطق أخرى بعد أن زرع ذلك النخيل في منطقة شق بسقطرى.
من وجهة نظر نديم طالب لا يوجد حل للقضاء على الدوباس سوى حرق النخيل المصاب، خاصة بعد فشل الطرق الاخرى في مكافحته.
الأهالي مالكو النخيل يطالبون بالتعويض شرطاً لموافقتهم على حرقها، وهو ما يقول نديم طالب إن المشروع لا يدعم مثل تلك الامور (التعويض)، مطالباً وزارة الزراعة بالاسراع في حل المشكلة قبل أن يصيب المرض النخيل على امتداد الساحل الشمالي للجزيرة.
مدير مشروع برنامج التنوع الحيوي بسقطرى واصل سرد المشاكل التي تهدد التنوع الحيوي على الجزيرة معرجاً على عدم تجدد الانواع النادرة من النباتات هناك، وهو ما عزاه الى التغيير المناخي والاغنام التي تأكل النباتات الصغيرة منها.
المشاريع العشوائية وخاصة الطرق إحدى المشاكل التي تواجه البيئيين هناك لتضعهم في خط مواجهة مع السكان المحليين الذين يرون أن البيئة تقف حجر عثرة أمام التنمية في الجزيرة.
«طالب» استشهد بمشروع الطريق الذي كان سيمر وسط محمية «تطواح» (الموقع الوطني الاول لاتفاقية رامسار للاراضي الرطبة) قبل ثماني سنوات وحصلت بسببه مشاكل كثيرة تدخل رئيس الجمهورية لحلها حينها وتم تغيير اتجاه الطريق بعيداً عن المحمية.
تأخر وصول الغاز عن الجزيرة، وهي الأزمة التي يعاني منها السكان حالياً، سبب آخر يهدد البيئة هناك، حيث يلجأ السكان للاحتطاب فيقف المختصون عاجزين امامهم. «مانقدرش نمنعهم» قال طالب الذي قال إن الصراع من أجل الحياة هو الغالب على البيئة.
جزيرة سقطرى أو أرخبيل سقطرى منطقة بيئية حساسة، وخاصة بعد أن سجلت العام الماضي كموقع تراث عالمي طبيعي لتكون بذلك أول موقع في شبه الجزيرة العربية، وهو ما يستدعي - بحسب طالب- التعامل معها بحذر واداراتها بطريقة بيئية تضمن التنمية المستدامة حتى لا تشطب من مواقع التراث العالمي الطبيعية.
نديم طالب أكد إمكانية الشطب في حال حدوث أي مخالفة، مستشهداً بمحمية المها العربي في عمان التي تم شطبها بعد أن سجلت هي الاخرى كموقع تراث عالمي طبيعي، بسبب وجود بئر نفط هناك.
مشروع برنامج التنوع الحيوي بسقطرى المنتهي في مارس الماضي بدأ قبل اثني عشر عاماً بحصر المناطق الحساسة بالتنوع الحيوي وتقسيم الجزيرة الى أربع مناطق للحماية والتنمية، وصدر بذلك القرار الجمهوري رقم 275 لتشمل الجزيرة بعد التقسيم: مناطق الحمى الطبيعية (مناطق محميات صارمة)، مناطق متنزهات وطنية، مناطق استخدام الموارد، ومناطق الاستخدام العام.
في المنطقة الاولى (حمى طبيعي) يمنع تنفيذ أي مشروع تنموي عليها، في حين يمكن بناء مشاريع ضرورية على المنطقة الثانية كمدرسة، يستطيع السكان أيضاً استخدام موارد المنطقة الثالثة في الاحتطاب وغيره، في حين خصصت المنطقة الرابعة للمشاريع التنموية الاخرى باختلافها.
وبحسب مدير المشروع فقد تم خلال تلك الفترة تحديد أربع محميات طبيعية، وهي: محمية دبحيري ومحمية روش وهما محميتان بحريتان، إضافة لمحمية حمهل ومحمية عمق.
نهاية 2003 بدأ مشروع برنامج صون محمية سقطرى. قام المشروع على ثلاثة أهداف تمثلت في بناء القدرات المحلية وتنمية المجتمعات واللامركزية ونظام اتخاذ القرار.
ويتوقع نديم طالب، الذي التقته «النداء»، البدء خلال فترة بتنفيذ مشاريع جديدة كمشروع فرنسي خاص بالاحياء البحرية، ومشروع ايطالي لبناء القدرات وبرامج المراقبة والابحاث العالمية.
الغراب الذي هزم الجيش اليمني بسقطرى
2009-05-04