صنعاء 19C امطار خفيفة

لن أعود يا صنعاء!

لن أعود يا صنعاء!
صنعاء القديمة( منصات التواصل)

لن أعود إلى المكان الذي ضحكت فيه يومًا، وبكيت فيه يومًا، وتألقت فيه - في مراتع الفكر والأدب والسياسة- أيامًا.

تغيّر المكان، وتحوّلت الضحكة إلى ارتداد صدى من ذاكرة بعيدة. لا شيء بقي كما كان؛ لا الوجوه، ولا الأرصفة، ولا قلبي.

 
الزمن، كعادته، لا ينتظرني؛ مرّ من هنا، وبدّل كل شيء، وأخذ معه ملامح مَن أحببت، ومَن كنت. ثم جاءت الحرب، ومرّت على صنعاء كأشباح سوداء حاقدة، فغيّرت كل شيء.
غابت النوافذ التي كانت تضيء بالعطر، وسكنت الجدرانَ غربةٌ لا براء لها.
حتى الأزقة التي كانت تعرف خُطاي وخطاياي، لم ترعَ عهدي؛ وترغب عن الاحتفاظ بذكري.
وأصدقائي وصديقاتي... أولئك النجوم المنيرة، الذين جمعتهم كحبات الضوء على مدى سنيّ عمري، فرّقتهم الحرب، ومزّقتهم المنافي.
تشتّتوا في أصقاع الأرض، حملهم الألم إلى جهات لا أعرفها، ولم يبقَ منهم هناك إلا القليل.
قلةٌ لاتزال تتشبّث؛ تتشبّث بالذكريات، بالوهم، بالأطلال، تتشبّث بقلة الحيلة واللحظات الأخيرة.
يا إلهي، كم يداهمني التلاشي بلا رحمة!
كنت أظن أن الذاكرة صادقة، لكنها تحتفظ بالصورة وتُخفي التشوّه.
خدعتني مرارًا، كلما حاولت الرجوع.
لذلك، سأترك الفرح القديم حيث كان، نقيًّا، كاملًا، لا أجرّه إلى حاضر لا يشبهه ولا يشبهني.
الماضي الجميل لا يصلح للعودة، بل للحنين فقط.
وسأمضي... فالحياة لم تنته بعد، وهناك مدن لم أزرها، ووجوه لم ألتقِ بها، وأفكار لم أشتبك معها. مازال هناك في الغيب أشياء جميلة تترصدني.
لن أعود إلى ما هدمته الحرب والشياطين.
سأبني في قلبي وطنًا لا تسقطه البنادق، وطنًا من أمل، وذكرى، وضياء.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً