صنعاء 19C امطار خفيفة

دمعةٌ للرحيل

أنا متعب...
متعب مثل أعمدة الإنارة المنسية على أطراف المدن
مثل الطرقات القديمة التي مرّ بها الجميع وتركوا فيها آثار خذلانهم.
متعب مثل أغنيات وأهازيج الريف حين تُغنّى في الفراغ، لا يسمعها أحد.
متعب كقنطرة ريفية متهالكة، مصنوعة من جذع نخلة نخره الوقت.
متعب كيد أمي... تلك اليد التي لطالما ارتجفت من أجل الآخرين ولم تجد من يُمسكها.
الحياة ثقيلة جدًا على المشرّدين، وعلى مرضى الاكتئاب الشديد.
لكنها ليست أثقل من لحظة يختصر فيها الإنسان كل أشكال الحياة، ألوانها، أحجامها، وأضوائها التي تراها أعين الآخرين... في دمعة واحدة فقط، ثم يكتفي.
هل جرّب أحدكم هذا من قبل؟
الكتابة أصبحت عليّ الآن شديدة القسوة.
كأن الوصول إلى كلمة "دمعة" احتاج كل ما فيّ من وجع، كل هذا النص، كل هذا العمر.
ومع ذلك... لم أكتفِ.
أشعر بالمرض من كل شيء، حتى من الكلمة ذاتها.
هل سبق أن أعلن شاعرٌ أنه مريض من الكتابة؟
وهي الوسيلة الوحيدة التي تبقّت للمرهقين؟
حقًا... أنا تعبت.
وسأغيب، سأغيب بكل ما أنا عليه.
لم أعد أرى في الكلمة متنفسًا، ولا في المعنى الصادق قدرة على البوح الحقيقي.
مازلت، كالجميع، أخشى الخسارة،
أخشى لعنة الآخر، أخشى أن تكون الكراهية حصيلتي... لا الدمعة.
أنا غريق، وأريد أن أبكي.
لكن يبدو أنني سأطيل الصمت.
ومازلت في الخطوة الأولى من سيرةِ ألمٍ ثقيلة...
سيرة احتملتها، لكنني لم أعد أطيقها.
سأغيب...
وأحبكم بقدر ما حلمت.
وبقدر ما نزفت حروفي المتناثرة.
فوداعًا لكل شيء.
والحصيلة، دمعة...
دمعة ستكون هناك، في مكانٍ لا تطاله أيديكم.
وستلحقون بي في لحظة لم يعرفها أحد منذ خُلق التراب.
حتى الأنبياء والرسل لم يعرفوا متى تأتي.
لكنني رأيت طريق هدايتها.
وها أنا ذاهب إليها.
ولن أقول إلا: أحبكم.
أنا ذاهب إلى الله.
سأقابله من بين التراب.
ذاك الذي لا أعرف من سيلقيه علي.
من سيرمي هذه الأكوام المبللة بالماء
لتبدو أكثر صلابة حين تلامس جسدي.
سأبكي أمامه بشدة.
وليفعل بي ما يشاء.
الحياة ثقيلة جدًا، يا أصدقاء.
ثقيلة وأنت وحدك بكل هذا الدمع.
ثقيلة وأنت ترى أمك تبكي لأنك موجوع.
ولا تقدر أن تفعل لها شيئًا...
سوى أن تمر أمامها كمن يتفادى نظراتها.
الحياة ليست هنا... ولا هناك.
ربما هي بين التراب.
هناك، على الأقل،
ستبكي ولن يسمعك أحد.
ستبكي حين تلتصق عيناك بالتراب.
وتغادرك لأنها لم تعد لك.
الحياة أضعفتني كثيرًا.
وأنا... هُزمت.
وسامحوني.
ومع ذلك، سأطلب منكم شيئًا أخيرًا:
استعيروا بعض الابتسامات
للوصول إلى تلك الدمعة الأخيرة.
دمعة الرحيل...
الرحيل الذي هو أشرف
وأقدس المعارك النزيهة.
عجبًا منكِ، أيتها الحياة...
لا تصنعين النهاية
إلا حين تُفرغين الروح من كل أمل.
وسأغيب...
سأغيب للأبد.
سأترك الحياة بكاملها.
سأترك هذا العالم بوجعي.
وسأمضي حيث لا عودة...
ولا انتظار.
 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً