صنعاء 19C امطار خفيفة

قصيدة "إن يسقط الرأس يسقط بعده الذنب" للدكتور أحمد قايد الصايدي

تُعَد هذه القصيدة واحدة من أبرز الأعمال الشعرية التي تلخص معاناة الشعب الفلسطيني التي حدثت عقب "طوفان الأقصى"، ذاك الحدث الذي أعقبه مجازر جماعية وهدم ٨٠% من المباني السكنية وسقوط أكثر من خمسة وخمسين ألف قتيل، وضعفيهم بين جريح ومشوه ومعاق، وتشريد أكثر من مليوني فلسطيني؛ فما إن قرأت هذه القصيدة العصماء للدكتور أحمد، فوجدتها تنقل إحساس الجرح والألم، وتدين الظلم والقمع الذي يتعرض له الفلسطينيون، وبخاصة في غزة.

 
كما يمثل كل بيت في هذه القصيدة صرخة في وجه الوحشية والعدوان الهمجي النازي البربري، إذ يبدأ الشاعر بالتأكيد على أن الكلام والخطب لن تُثني المعتدين عن أفعالهم، وأنهم بحاجة لسلاح الأمة العربية لا لدعائها وتعاطفها مع مظلوميتهم؛ مما يبرز الفكرة المركزية عن أهمية المقاومة في مواجهة الظلم؛ كما يُظهر الدكتور بوضوح أن الانتظار من المعتدي أن يكف عن أذاه هو ضرب من الضعف والهوان، مؤكدًا من خلال ذلك الحاجة الماسة للانتفاضة في عموم البلدان العربية والإسلامية والتمسك بالكرامة.
 
يتجلى كذلك دور التضاد بين "الضعف" و"المقاومة" في تعزيز الرسالة التي ينقلها الشاعر. فالتضاد بين هذين المفهومين يسهم في إبراز الفكرة أن الضعف هو ما يؤدي إلى تفاقم الظلم والمعاناة. بينما المقاومة تعتبر الطريق الصحيح نحو الحرية والكرامة، إذ يُظهر الشاعر أن الاستسلام والضعف لن يجلبا أية نتائج إيجابية، بل سيكون لهما تأثير سلبي كبير على الشعب. ينبه الشاعر إلى مخاطر الضعف وهوان الأمتين العربية والإسلامية، وأن المقاومة تبدو كخيار حقيقي وضروري للشعب الفلسطيني.
 
يعتمد الشاعر على تقنيات متعددة لإبراز قوة المقاومة، فهو يصف الأذى والمعاناة اليومية للشعب، ويعكس ذلك أهمية الفعل والمقاومة في وجه التحديات. من خلال استخدام الرمزية، يُبرز الشاعر السلاح كرمز للقوة، بينما يمثل الضعف الهزيمة والاستسلام. كما يتردد صدى هذه القوة في تقديم الأمثلة عن الفترات الحرجة التي واجهها الشعب، مما يُعزز من تاريخ المقاومة، ويُظهر أن الأمل موجود في الفعل وليس في الاستسلام. عبر هذه الديناميكية، يدعو الشاعر إلى الوحدة والتكاتف في مواجهة العدوان، مؤكدًا على أن لا خير في من لا يملك القوة للمقاومة.
 
تتجلى في هذه القصيدة الكثير من المشاعر الإنسانية المتناقضة؛ الألم والأمل، الضياع والقوة، الضعف والمقاومة. يُقدم الشاعر رؤية متكاملة عن حاجة الشعب الفلسطيني إلى مواجهة الظلم، ويبرز مدى أهمية القوة والصمود كوسيلة لإنهاء الظلم. تعكس آثاره الأدبية ومشاعره الجياشة تجارب الشعب الفلسطيني ومعاناته، مما يجعل من القصيدة وثيقة إنسانية تسجل الواقع الموجع الذي يعيشه هذا الشعب، وتحث على الفعل المستمر لمواجهة الهموم الكبرى.
 
والقصيدة تشرح نفسها، وإذا وجد الماء بطل التيمم. وإليكم النص الرائع:
لن تثنيَ الوحشَ عن عدوانهِ الخُطبُ      
فاشهرْ سلاحَكَ واغضبْ، بُوركَ الغضبُ
لا تنتظر من عدوٍّ أن يكُفَّ أذىً
مهما صرختَ ومهما الأرضُ تصطخبُ
الظُّلمُ والبغيُ بعضٌ من خصائصِه
والشَّرُّ في طبعِه أصلٌ ومكتسَبُ
إن كنتَ تَجهلُ شيئاً من جرائمِه
تُنبيكَ إن شئتَ عن آثامِه كُتبُ
أفنى شعوبًا ليغدو سيِّدًا صَلِفًا
يستعبدُ النَّاسَ لا يُعصَى له طلبُ
يزهو إذا خَلَّفَتْ آلاتُه جُثَثًا
وينتشي بدمِ الأطفالِ ينسكبُ
يزدادُ في غيِّه ما إن تناشده:
"رفقًا بنا حلَّ فينا الموتُ والسَّغبُ"
لا تنشُدِ الخيرَ ممَّن ليس يملِكُه
ففاقدُ الشَّيءِ لا يعطي ولا يهبُ
إقطعْ رجاءَك منه والتمسْ سُبلًا
إلى مقاومةٍ شعواءَ تلتهبُ
إيَّاكَ تُبدي له ضعفًا يُحَفِّزُه
إلى مزيدٍ من الإجرامِ يرتكبُ
لا يردعُ الشَّرَّ إلَّا من يقاومه
لا من إذا حان وقتُ الزَّحفِ ينسحبُ
هذا عدوٌّ يُرينا من بشاعتِه
ما لا شعوبٌ رأت -قَطْعًا- ولا حِقبُ
كأنَّه لعنةٌ حلَّت بعالِمنا
رجسٌ يُموِّهُه الإعلامُ والكذبُ
مهما تمادى بفعلٍ لن أُعاتبَه
فالطَّبعُ فيه إلى الإجرامِ منجذبُ
لكنْ أخي، وهو يؤذيني، أعاتبُه
أفعالُه ما لها عذرٌ ولا سببُ
يمدُّ نصلًا إلى ظهري ويغرسُه
غدرًا وزُلفَى ليَرضَى عنه مغتصبُ
أطاعهم وهو يدري أن موقِعَه
هنا معي، فهنا الأرحامُ والنَّسبُ
هنا معي لا مع الأعداءِ ساحتُه
هل تاه جهلًا تُرى أم غرَّه الذَّهبُ؟
بئسًا له من شقيٍّ لم ينلْ وطرًا
لم يجنِ من فعله بعضَ الذي نهبوا
غدًا سيلفظُهُ من جاءَ يُخضعني
غدًا يبوءُ بخزيٍ وهو منقلبُ
لا خير فيهِ -فلا طالت سلامتُه-
ولا به يَشْرُفُ الأسلافُ والعَقِبُ
شتَّانِ ما بين من هانت كرامتُه
وبين شهمٍ تصدَّى وهو محتسبُ
فذاكَ يغدو صغيرًا في تذَلّلهِ
تعافُه النَّاسُ تُقصيهِ وتجتنبُ
وذا يزيدُ امتلاءً وهْوَ منتصبٌ
كأنَّهُ أسطورةٌ للغيبِ تنتسبُ
يقارعُ البغيَ في الأقصى وليس له
عونٌ سوى اللهِ، لم تغضبْ له العربُ
يا ويحَ قومي، غُثاءٌ رغم كثرتِهم
رغم المهانةِ والإذلالِ لم يثبوا
ما حرَّكتهم دموعُ الأُمِّ جاثيةً
وطفلُها الميْتُ مُسجّى وهْيَ تنتحبُ
وحولَها الناسُ شُعثٌ لا بيوتَ لهم
يغالبُ البعضُ دمعًا وهو مضطربُ
منهم كفيفٌ ومنهم ساقُهُ بُترت
أو كفُّه فُقدت أو مِفْصَلٌ عَطِبُ
لا ماءَ لا خبزَ لا تطبيبَ يسعفُهم
موتٌ يحيط بهمْ، والمسكنُ الخَرِبُ
آهٍ، وما نفعُ آهٍ، غزّةٌ ذُبحت
هل يوقفُ الموتَ فيها قلبيَ التَّعِبُ؟
أين الحكوماتُ؟ خُرسٌ كلُّها جَبُنَت
أين القياداتُ والأحزابُ والعُصَبُ؟
تبًّا لها كيف نامت في مضاجعِها
وطفلُ غزَّةَ يدعوها ويرتَقِبُ
يا غزَّةَ المجدِ لا مجدًا ولا شرفًا
نطالُه إن يغبْ فرسانُكِ النُّجُبُ
يا فارسًا تُرعبُ الأعداءَ صولتُه
يوم الخلاصِ بعون الله يقتربُ
واجِهْ عدوَّكَ بالإيمان معتمرًا
ولا تبالِ بمن باعوا ومن لعبوا
وجِّه سلاحَك صوبَ الرأسِ دونَهمُ
إنْ يَسقُطِ الرأسُ يَسقطْ بعدَه الذَّنَبُ

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً