في حياة الشعوب نماذج حية صنعت وتصنع مأثرة تظل مأثرة وعلامة يعتز بها شعبها، ويتم اعتبارها ضمن شارات ذات دلالات يحتفى بها وبمن أنجزها، وكثيرًا ما تحتفظ الشعوب بذاكرتها الجمعية والثقافية بالرموز التي أسهمت وتركت بصمات مشرقة في تاريخها وتاريخ حياتها الثقافية بمختلف مناحي الأدب والثقافة وباقي الحقول العلمية والإبداعية الأخرى.
هنا سيجرنا تاريخ التأصيل لنقف على بوابة مبدع تجلى وأبدع حفر بصبره وبصيرته، حفر كنوزًا في حقول الفن والإبداع، ضمن حقل الحفر فيه ليس هينًا، وليس بسيطًا سهلًا يسهل ارتياده وتسجيل لحظة حضور فاعل في رحابه.. أتكلم هنا عن حقل الإبداع في مجال الكوميديا، لون لا يفتعل البسمة والضحكة البلهاء، ولا يضحك على العقول، لكن من خلال كوميديا ساخرة تخاطب وجدان الناس، وتقترب من معاناتهم ومشاكلهم، وتعكس ما يدور بأذهانهم من قضايا وأمور إن أحسن التعبير عنها بقالب فني بعيدًا عن الافتعال والابتذال، ولكن عبر كاريزما موهبة تحيل لوحات معاناة الناس إلى قالب بين الفكاهة والسياسة بحثًا عن جوهر مواضيع تعيش الناس متاعبها، وتستريح وتتفاعل مع الأعمال الصادقة المعبرة التي لا تمارس الكذاب ولا الابتذال، ولكنها تحفر في صلب قضايا ومواجع يعيشها الناس، ويرتاحون لمواهب يجدون في أعمالهم واقع حياتهم، ويجدونها صوتًا وضميرًا يعبر عن واقع حياتهم ومشاكلهم.
ضمن هذه الصورة وجدت في اللقطة الجميلة والفقرة التي تحمل معاني وفاء وتقدير التقطها بصورة إنسانية أخاذة الأخ العزيز فتحي بن لزرق، رئيس تحرير "عدن الغد"، حين أشار إلى آدم سيف.. الإنسان الفنان المبدع الذي أبدع وتجلى من خلال عمله وإبداعه الرائع "دحباش"... لقطة تستحق الثناء، أبدعها الأخ فتحي للعزيز آدم الذي ابتكر شخصية "دحباش"، ووظفها توظيفًا فنيًا في قالب إبداعي لافت، لاقى استحسان الجماهير في اليمن كله.
دحباش الرمز المقاوم لفساد نظام استأسد، وطال بقاؤه على كرسي الحكم، تسنده قوى لا قبل للناس بها، لكن عبقرية آدم سيف في لحظة تجلٍّ إبداعية، ابتكر شخصية تتعامل نقدًا مع نظام مخالبه تطال من يسكن بقاع الأرض وأعلى السماء.
آدم سيف كان بالنسبة لنا في اليمن بلاد الواق واق كشحصيات ابتكرها المبدع شارلي شابلن، لكن المفارقة التي تدمر القلب وتعمي البصر، ففي حين كرم شابلن واعتبر كشكسبير، إذا بآدم سيف يلاقي الأمرين بعدما قدم شخصية محورية أزعجت وأقلقت نظام القبيلة وعسس الأمن وقوى الفساد والإفساد، بل الأدهى والألعن هو المآل الذي آلت إليه شخصية "دحباش".

باتت من قبل ذوي العاهات قليلي الذوق والثقافة، مادة للسخرية، بل باتت وكاتبها أداة التمزيق أداة الابتزاز عكس ما أبدعه آدم سيف، حيث "دحباش" كان التصدي، كان المقاومة، كان السخرية من نظام فاسد يقتل ينهب يسرق يصادر وطنًا بكامله في صورة زعيم جامع مانع بيديه مفاتيح الكون، والبقية رعية.
دحباش الشخصية التي ابتكرها آدم سيف، كان كغيره من مبدعي الأمم على مر التاريخ، مفخرة يعتز بها، لا كما صار لدينا مذمة من قبل من يحلو لهم التقليل من مكانة الناس إن اختلت موازين السياسة.
ونقول أيها السادة إن مبدعي الشعوب كمبدعين حقيقيين مثل آدم سيف، وشخصيته المبتكرة "دحباش" التي كانت رمزًا لمقاومة الفساد والبلطجة والخروج عن القانون، ينبغي ألا تتحول إلى مادة للسخرية وامتهان كرامة الإنسان.
أخطاء السياسة والحكام ينبغي ألا تدفع ثمنها الشعوب ومبديعوها، وأي تباينات بين عادات وتقاليد ولهجات الناس ينبغي احترامها. هكذا تعيش وتتعايش الشعوب، ما بالك إن كانوا بلدًا وشعبًا واحدًا مزفتهم المصالح السياسية التي لطالما دمرت بلدانًا وشعوبًا.
وهنا أجد نفسي مرحبًا بل مؤيدًا للفكرة التي طرحها الأخ فتحي، والتي اقترح فيها ضرورة تكريم الأخ آدم سيف مبدعًا ومواطنًا يستحق التكريم والتحية والتقدير والاحترام.
أقول في النهاية بأن ما مضى من زمن لم يسمح لي بالالتقاء عن قرب بالعزيز آدم سيف كاتبًا ومبدعًا وممثلًا، وعسى في مقبل الأيام ما عساه يسمح بذلك.
أخيرًا، شكرًا للأخ فتحي، وتحية لآدم سيف شارلي شابلن اليمن، ولا نامت أعين من جعلوا من الفن الرفيع مسخرة في حق الشعوب.