صنعاء 19C امطار خفيفة

أبطالي الطليعيون!

2025-03-06

كانت البطولة لدى أطفال السبعينيات في مدينة تعز، تعني معلمين ومعلمات عربًا، مصريين وشوام (سوريين وفلسطينيين)، ونجوم ونجمات إذاعة تعز وأبطال السينما الهندية ونجوم كرة القدم في أندية المدينة.

أبطال الطليعة

كنا، أصدقائي في حارة (حافة) حبيل الظبي (أو شعب الدبة) وأنا، محظوظين إذ إنّ طريق المدرسة، ذهابًا وإيابًا، يمر عبر ملعب الشهداء الذي تُقام فيه مباريات أندية المدينة. للدقة، فإن مدرستنا، مدرسة الثلايا، كانت تطل على الملعب، ووراءها مدرسة الفاروق الثانوية. وفي الرواح يَصْدُف أن نلحق بالشوط الثاني من أية مباراة.
كنا، سمير أحمد محسن وأنا، محظوظين أكثر، فأشقاؤنا الكبار صاروا يلعبون في نادي الطليعة. أكثر من ذلك، فإن والد سمير (أحمد محسن سلام) كان يحضر مباريات الطليعة. نلمحه لحظة النزول من المدرسة إلى مدرجات الملعب، حيث يكون واقفًا بمهابة في الجهة المقابلة التي لم يغزها الأسمنت!
كان من يلعب لنادي الطليعة هم أصدقاء فوزي، وبعضهم أفراد في كشافة المدينة والفرق الفنية والمسرحية لثانوية المدينة. من بين أولئك المخرج الراحل فريد الظاهري الذي كان يلعب للفريق الثاني لنادي الطليعة حارسًا للمرمى.
ارتبط فريد بكل شيء جميل في طفولتي؛ صوتي فيروز ونصري شمس الدين في مسرحية "لولو"، إذ يأتي رفقة فوزي إلى منزلنا (الكبير الذي آل إلى خرابة الآن)، ويستمعان إلى جديد فيروز وآخر تسجيلات حليم.
كان فريد يلعب الجمباز أو هكذا أتصور الآن، فلفرط تعلقنا به كان يتكرم علينا ببعض مهاراته في الجمباز!
بين أولئك الذين جاء ذكرهم على لسان فوزي، نجوم الفريق الأول: سميح، والقربة، وكامل (الذي يظهر على يسار القارئ في الصورة التي صادفتها في فيسبوك اليوم).
بقي في ذاكرتي كطفل من مباريات ملعب الشهداء، مشهد خرافي في مباراة بين الطليعة والصحة. كان القربة يسبق فوزي بسنوات في الفريق الأول. نحيل وقصير ومهاري. كانت المباراة تلفظ أنفاسها الأخيرة والمطر يغرق الملعب الترابي. أرسل لاعب وسط الكرة هابطة إلى القربة الذي مرق كالسهم للوصول إليها قبل حارس الصحة الأقرب إليها.
في أجزاء من الثانية لمعت فكرة عبقرية في دماغ مهاجم الطليعة، فألقى بجسده كما يفعل لاعبو الوثب الطويل مستفيدًا من المطر الذي أغرق أرضية الملعب، ووصل بأطراف أصابع قدمه اليمنى للكرة، ليرسلها من فوق الحارس، محققًا هدفًا أسطوريًا يذكر بأهداف فان باستن وسواريز!
أدار الحارس رأسه غير مصدقٍ وهو يتابع رحلة الكرة إلى مرماه! امتلأ غيظًا قبل أن يلتفت إلى المهاجم النحيل، ليصفعه بيده اليمنى، مؤذنًا باشتباكات بين لاعبي الفريقين.
لكن الكلمات التي لا تُنسى سمعتها في مساء آخر. كنت في طريق رواحي من المدرسة، فلاحظت أن نادي الطليعة كان أحد الفريقين، فاخترت لي مكانًا لمتابعة المباراة. التقطت عيناي فوزي في اللحظة التي سمعت فيها أحد الكبار يقول للرجل الذي يجلس بجواره، وهو يشير: يا له من لاعب، يجري كالحصان!
كانت سلطات المحافظة خصصت زاوية من الملعب للنساء. كن لا يتجاوزن العشرات في أحسن الأحوال قياسًا إلى جمهور المتفرجات في ملعب مدينة إب مثلًا.
بعد ربع قرن تقريبًا (2003)، كنا، صحفيين وسياسيين، ضيوفًا في مقيل الشيخ عبدالعزيز الحبيشي في مدينة إب، وأدهشتني صورة في صدر الجدار لجمهور نادي شعب إب؛ كانت واجهة من واجهات الملعب ملأى بالفتيات والسيدات.
كانت المدينة في اليمن الشمالي (سبعينيات القرن العشرين) معملًا يصهر عناصر المجتمع اليمني، بسلام، في ما يمكن اعتباره أسرع عملية تحديث يشهدها بلد نامٍ! لكن تلك الوتيرة تباطأت في العقد اللاحق جراء تحالفات سياسية.
في الصورة يظهر بعض من أبطالي في السبعينيات، وهم فوزي غالب (الأصغر على يمين القارئ)، وكامل العريقي، يتوسطهما محمد علي شكري.

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً