في مقاله المذكور آنفًا، والذي نشره عبر صفحته في "فيسبوك"، يوم الثلاثاء 19 فبراير 2025م، يتناول القاضي عبدالعزيز عدة محاور عن الثورة؛ إذ يتناول مفهوم الثورة وأسبابها، مشيرًا إلى أن الظروف المزرية قبل 11 فبراير 2011 كانت تتطلب تغييرًا حقيقيًا؛ وأن الثورة لا تعني فقط رفع الشعارات؛ أو التغيير عن طريق سفك الدماء، وفي ذات الوقت يشيد بثورة السادس والعشرين من سبتمبر ١٩٦٢م، مع أنه سفك في ايامها الأولى الدماء، وكثرت فيها الإعدامات لعلماء بلا أدنى محاكمات، كما رفعت الشعارات المتمثلة في مبادئ وأهداف الثورة.
وهذه الأهداف سبق أن ناقشها ذات مرة الأستاذ البردوني، طيب الله ثراه في الجنة، وذلك في أحد مقالاته الأسبوعية التي كان ينشرها في صفحته الموسومة بصفحة الفكر والأدب في صحيفة "٢٦ سبتمبر" الغراء؛ إذ قال عن التحرر من الاستعمار والاستبداد وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق بين الطبقات، الواردة في الهدف الأول من أهداف الثورة، فقال إن ما تحقق بعد الثورة هو عكس هذا الهدف تمامًا، فقد كان الناس متساوين قبل الثورة، ولم توجد هناك أي فروقات طبقية، ولم تحصل تلك الفوارق إلا بعد أن عبر بعض الثوار للثروات من داخل الثورة، كما أن الاستبداد تجلى بعد الثورة، وظهرت الاستخبارات والمراقبة التي تحصي أنفاس المثقفين.
وفي الهدف الثاني الذي نص على بناء جيش وطني قوي لحماية الثورة ومكتسباتها، قال إن ما حصل هو بناء جيش أسري لحماية أسرة الحاكم.. وفي الهدف الثالث الذي يهدف إلى رفع مستوى الشعب اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا، حصل العكس، بل قال إن تلك الأهداف تحققت في الدول الرجعية التي بنت المدارس والجامعات والطرق والمطارات والمشاريع الحديثة والمستشفيات، وصارت اليمن الثورة تتسول لدى تلك الدول من أجل الحصول على المساعدات لبناء مدرسة وجامعة وطريق ومطارات... وحصل القمع السياسي وسجن الناس بسبب تبني أفكار قومية أو يسارية في حين أن الإمام أحمد سمح لعبدالله باذيب بأن يصدر صحيفة "الطليعة" التي كانت تنشر مقالات يسارية تشيد بكارل ماركس.
وما ينطبق على هذا الهدف ينطبق على الهدف الرابع الذي ينص على بناء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستند أنظمته من روح الإسلام الحنيف، حصل بناء جيل منقسم بين تعليم ديني سلفي ممثل في المعاهد الدينية، وبين مدارس الحكومية التي استفادت من مناهج التعليم المصرية.
وبالتالي فإن ثورة الحادي عشر من فبراير هي ثورة شعب، ولأول مرة في تاريخ اليمن يشارك الشعب بمختلف فئاته في صنع ثورة مطلعها تغيير نظام عائلي متخلف.
وإن من المعيب أن نحمل الثورة تبعات الثورتين المضادتين والانقلاب على العملية السياسية السلمية بقوة السلاح.. أما ثورة ١١ فبراير فهي عمل نبيل استهدف تحقيق العدالة والحرية والمساوة.
كما أنني أتفق مع تلك التساؤلات التي طرحها الكاتب القاضي العلامة عبدالعزيز، حول ما إذا كان التحرك الثوري وطنيًا أصيلًا أم مدفوعًا من الخارج؟ لكنني أختلف معه في مغزى هذا الطرح، لأن فيه غمزًا ولمزًا بأن الثورة مدفوعة من الخارج، وفي هذا طعن في عشرات الملايين الذين خرجوا بصدور عارية في أعظم ثورة سلمية شارك فيها الملايين، واتهام أن الخارج هو من حرك الشعب، وكأن الشعب دمى تحركها أصابع الخارج.
كما أوافق ما ذهب إليه المقال الذي أكد على أهمية الشراكة الوطنية في أي تغيير حقيقي. كما أشار إلى التحديات التي تواجه هذه الشراكة، مثل عرقلة القوى السياسية، وتجاوز صلاحيات السلطات الحالية للمعايير الديمقراطية. وقد وفق المقال في إبراز أهمية الديمقراطية وحق الشعب في اختيار السلطة كحق أصيل لا يمكن التنازل عنه.
وفي ما يتعلق بتطرق المقال إلى التاريخ والحركات الثورية، مشيرًا إلى أن الحركات اللاحقة لثورة 26 سبتمبر يجب أن تُعتبر حركات تصحيح؛ وليسمح لي قاضينا الجليل أن أختلف معه في هذه الجزئية، فالثورة الحقيقية هي تلك الثورة التي تتجدد باستمرار، باعتبار الثورة حركة تغيير مستمر، لكن هذه الثورة المستمرة لا تعرف دوي المدافع وطقطقات المجنزرات وأزيز الطائرات، بل هي ثورة تأتي كقطرات الندى، تذيب جلاميد الجهل كما تذيب قطرات الندى جلاميد الثلوج.
وأتفق تمامًا مع المقال في ما ذهب إليه بخصوص التحذير من استغلال السلطة لتغيير مسار التاريخ، مما يؤدي إلى عدم الاستقرار. ينبه المقال إلى الحاجة لمراجعة التجارب الثورية السابقة لتفادي الأخطاء، مشيرًا إلى أن التركيز على المصالح الفردية والفئوية يعوق الاستقرار. ويشير إلى التحديات الحالية الناجمة عن التدخلات الإقليمية والدولية، مما يستدعي من القوى الوطنية التفكير في أخطائها.
في النهاية، يدعو الكاتب إلى ضرورة البحث عن عوامل النجاح بدلًا من الاحتفال بثورة لم تتحقق بعد.
وفي الختام، يسعدني أن أتقدم بالشكر الجزيل للقاضي عبدالعزيز الذي يتحفنا أسبوعيًا بمقالاته الهادفة، والتي تؤسس لبناء دولة مدنية ديمقراطية يغيب عنها الخطاب الديني، فالدين لله، وفضاؤه خاص بين العبد وخالقه، وحكمه أخروي، والسياسة مجالها الفضاء العام، وحكمها عاجل في الدنيا. وأتمنى عليه أن يجمع هذه المقالات وينزلها في كتاب تحت نفس العنوان: "يوميات البحث عن الحرية".