لماذا جعلوا من القضاء مؤسسة مستقلة وفي أعلى الهرم لمؤسسات الدولة؟ لأنه يفترض أن هذه المؤسسة القضائية تضم رجالًا أكفاء، لديهم المقدرة المعرفية والأخلاقية لحفظ وصون القانون من خلالهم. القانون هو الدستور، وهي المواد الحافظة لكيان الدولة وكرامة المواطن، والقاضي هو المخول بصون القانون، وحفظ الكيان والكرامة، وإن اختل القضاء فسدت الحياة، وأصبح قانون الغاب هو السائد، وحينها يلجأ الأفراد إلى طرق وسبل أخرى لحماية حقوقهم، وفي الغالب تكون تلك الطرق مخالفة للقانون.
ما كان ينبغي لقاضٍ يحفظ القانون عن ظهر قلب، وله باع طويل في السلك القضائي، أن ينتهك حرمة القانون بشكل فج، ما كان له أن يصر -رغم فداحة مخالفته- على أن يمثل النموذج الرديء في قضاء عدن، وأن يجعل من القانون مرتعًا لمزاجه وميوله.
هل يعقل أن يرفض أي محامٍ الوقوف أمامه، لأنه فقط يستخدم سلطته وينحي القانون جانبًا، ليدرك حينها المحامي أن الوقوف أمامه لا جدوى منه، فالحكم قد صدر، وأية محاولة للرجوع إلى القانون هي محاولة يائسة، وربما تدخل المحامي السجن، هذه السلطة التي لا رقيب عليها إن منحت لإنسان لا رادع داخلي لديه، تتحول إلى سلطة مدمرة وغير عادلة.
وهنا سأتوجه إلى رئيس المحكمة الابتدائية في صيرة، لأحاول فهم اتخاذ قرارات تعسفية بحق مواطن، وسجنه لمدة شهرين متتاليين دون تحقيق من النيابة، أو صدور حكم قضائي عليه. هذا الإجراء كيف يمكن تفسيره قانونيًا؟ وكيف يمكن تقبل خروج موظفي المحكمة في أوقات خارج الدوام الرسمي لممارسة مهامهم دون التعريف عن أنفسهم؟!
أليس مثل هكذا تصرفات تهز الكيان القضائي، وتعطي صورة غير مريحة عن القائمين عليها، كما أنها تهضم حقوق المواطنين، لأنه ومن غير المقبول نهائيًا حجز حرية مواطن دون أي مسوغ قانوني، ولم تتم إحالته من النيابة، فالانتهاكات القانونية هذه لا تليق بقاضٍ يتولى منصبًا مثل هذا.
سيكون من دواعي السرور والاطمئنان إن تمت إعادة الحق للمواطن أولًا، وللقانون ثانيًا، لأنه وحتى القاضي نفسه لا أحد فوق القانون الذي هو مظلتنا، وآخر ملجأ لنا في خضم كل هذه الفوضى.