قد تتحمل تدهور العملة، وانقطاع الخدمات والكهرباء، وقد تصبر على ضنك العيش وقسوة الحياة، لكنها تحتاج إلى قائد حقيقي.
قائد يكون بينهم، يعيش كما يعيشون، يأكل مما يأكلون، يشرب من مائهم، ويدرس أولاده في مدارسهم. قائد يشعر بآلامهم كما يشعرون هم بها، ويواجه معاناتهم كما يواجهونها، لا قائد يراقبهم من بعيد، من خلف نوافذ الفنادق والأبراج الفاخرة والمكاتب المكيفة.
الناس تريد قائدًا تجده في الميدان، يومًا في الخور، ويومًا في العند، ويومًا في الصبيحة، ثم باب المندب والمخا، ويومًا في سيئون، ثم العبر وسيحوت والعر، في كل شبر من وطنه.
يشرب الشاي في مقهاية السكران، ويفطر مع الغلابة "روتي" و"فاصوليا" في مطعم عبدالحق، يرفع سلاحه في جبهة الفاخر، يحضن طفلًا في ملاهي الكمسري، يقبّل رأس جريح في مستشفى باصهيب، ويبتسم في وجه صياد في صيرة، ويمسك معول فلاح في دلتا تبن.
قائدًا لا يتحرك بموكب من خمسين مركبة مدرعة، ولا يخشى السير في حواري الفقراء، ولا يتهرب من النظر في أعين المظلومين.
يريدون قائدًا يرفض فنادق الرفاهية، وما يترتب عليها من ضغوط وابتزازات وإملاءات. قائدًا يشبههم، يشبه وجوههم السمراء التي حرقتها شمس الكدح، وجباههم التي رسم عليها التعب خطوطه العميقة. قائدًا لا يلمّع وجهه بكريم "دوف"، ولا يعطّر ملابسه من "العربية للعود"، ولا يتمدد فوق سرير "سليب هاي"، بينما الناس يفترشون الأرض ويلتحفون السماء. قائدًا يمشي بينهم بثقل المسؤولية، يحمل همومهم فوق كتفيه، ويعرف أن القيادة ليست وجاهة، بل تضحية. لا تتعثر كلماته أمام شاشات الإعلام حين يُسأل عن قضايا وطنه، ولا تهتز عزيمته أمام المحن.
الناس لا تريد معجزات... فقط تريد قائدًا صادقًا، مخلصًا، حاضرًا بينهم، يشعر بهم قبل أن يتحدث باسمهم.
الناس تريد قائدًا، لا صورةً على لوحة في شارع التسعين، ولا صوتًا في النشرات، ولا مجرد صفحة على الفيسبوك...
قائدًا حين تُذكر بلاده، يُذكر اسمه بكل فخر.