"إننا محكومون بالأمل. وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ".
سعد الله ونوس.
هذا المقال مكون من فقرتين/ فكرتين، الأولى المقاومة الفلسطينية، والثانية، الواقع الاستعماري، والكتابة الأيديولوجية/ السياسية الاستشراقية في طبعتها الكولونيالية الجديدة، والكتابة السياسية العربية الملحقة به/ بهم، في ظل واقع يحاول فرض استمرار هيمنة القطب الواحد، في صورة إدارة الصراع بالحروب، حروب مهمتها تغييب دور ومكانة العقل، والعقلانية، لصالح العقل الأيديولوجي الاستعماري الاستشراقي/ الإمبريالي، الذي يقاتل بشراسة ووحشية في أوكرانيا، وفي الحدود الصينية، وفي غزة، وفي لبنان، وفي أكثر من مكان في العالم، بل يقاتل حتى ضد قرارات المحاكم الدولية من أجل تخويفها وترهيبها، لمنع ميلاد نظام عالمي متعدد القطبية، لأنه من وجهة نظره/ نظرهم، يرى/ يرون في السابع من أكتوبر 2023م بداية قد تفتح أو تساعد في فتح نافذة وبوابة لعلاقات دولية جديدة، ترافقًا وتزامنًا وتكاملًا مع ما يحصل في منظمتي "بريكس"، و"شنغهاي"، والحديث الجدي المتكرر عن عملة وطنية بديلة عن الدولار، تبدأ على مراحل، قد تكون تمهيدًا لميلاد علاقات دولية جديدة سلمية ومتوازنة وذات طابع وعمق إنسانيين، وهو ما يفسر الشراكة والمشاركة الوحشية/ الفاشية، الصهيوأمريكية في صناعة جريمة حرب الإبادة الجماعية المتلفزة القائمة في غزة/ فلسطين.
مع صدور قرار التقسيم للأرض الفلسطينية، لم تعترف الدول العربية بالقرار، ورفضته، متمسكة بالحق الفلسطيني كاملًا، كشعار سياسي، مع أن الشرعية الدولية أصدرت القرار واعترفت بالكيان اللقيط الذي أوجد ككلب حراسة للمصالح الاقتصادية، والجيوسياسية -الاستراتيجية الغريبة الاستعمارية في منطقتنا.
والمفارقة اليوم أن الأمين العام للأمم المتحدة، وهو على رأس أكبر منظمة دولية أممية، يدين جرائم الكيان الصهيوني، ومعه كل المؤسسات العاملة والتابعة للأمم المتحدة، والرائع والمبشر في هذا السياق، أنه وفي يوم الخميس، بتاريخ ٢١/١١/٢٠٢٤، أصدرت محكمة الجنايات الدولية، قرارها التاريخي، بإدانة واعتقال رئيس وزراء الكيان الصهيوني، ووزير دفاعه، وإلزام أكثر من ١٢٤ دولة، باعتقالهما، وهي ضربة قانونية دولية، لمفهوم "معاداة السامية"، بعد أن ألحق بتلك القيادات تهمة ارتكاب جريمة حرب إبادة، جماعية في غزة/ فلسطين، ويقف وحيدًا النظام السياسي العربي المتصهين، ليس متفرجًا، بل داعمًا بصمته لجرائم حرب الإبادة في غزة، دون حتى تقديم المساعدات الإنسانية وفرض إدخالها وإيصالها، لشعب عربي يتعرض ليس للتطهير العرقي، وحرب الإبادة العسكرية المتلفزة، بل يتعرض للموت جوعًا، بعد أن دمر الاحتلال أكثر من 70% من البنية التحتية لغزة، بما فيها مئات المربعات السكنية للناس، وحذف من خارطة السجل المدني المئات إن لم يكن الآلاف من الأسر، تعذر معها وصول الماء والغذاء والدواء إلى السكان المدنيين تحت سمع وبصر كل العالم، وعلى رأسهم الجامعة "العربية"، عفوًا "العبرية"، التي لم تقل كلمة واحدة سياسية وعملية لها معنى حول كل ما يجري في غزة/ فلسطين! بل إن النظام العربي الرسمي لم يتجرأ حتى بعد جريمة حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، على قطع علاقاته السياسية، والدبلوماسية، بل هو يعززها ويوطدها أكثر مع دولة الاحتلال، في وقت تقطع دول أجنبية، لا هي عربية، ولا هي إسلامية، علاقاتها مع دولة الكيان الصهيوني، هل بعد كل ذلك هوان وانحطاط أخلاقي وقيمي وإنساني؟! متجاهلين أن هكذا مواقف عدوانية وعدائية تجاه القضية الفلسطينية المغدورة، ومقاومتها البطلة، هي من ستحفر قبورهم كأنظمة تابعة، فرطت بكل شيء وطني وقومي وأخلافي وإنساني.
خلال فترة استمرار حرب الإبادة لأكثر من سنة وثلاثة أشهر، انعقدت ما تسمى "القمة العربية الإسلامية"، في الرياض، وفي أرض "الحرمين الشريفين"! ولمرتين (أكثر من ٥٧ دولة)، ولم يقدروا على إدخال المساعدات الإنسانية، لمن يموتون جوعًا ومرضاُ وعطشًا في أرضهم المحتلة.
وطالبت الهيئات والمنظمات الفلسطينية، القمة العربية الإسلامية بالدخول إلى الأرض الفلسطينية المحتلة وهم يرفعون أعلام دولهم، حاملين المساعدات الإنسانية، وليس السلاح والمال، ومع ذلك رفضوا تلبية الطلب، ولم يتجرؤوا على تقديم المساعدات الإنسانية، التي كان يمكن لها أن تكسر الحصار، لأنه سيكون صعبًا على دولة الاحتلال استخدام القوة ضدهم، وتكون بذلك بمثابة تظاهرة سلمية إنسانية، ومع ذلك رفضوا، ولا نعرف حقيقة لماذا تنعقد مثل هذه القمم؟!
هل لتشريع جرائم حرب الإبادة؟! وللقول للكيان الصهيوني استمر في القتل حتى يرضخوا ويرفعوا الراية البيضاء؟! أو للقول للمقاومة، وللشعب الفلسطيني أنتم على خطأ، والاستعمار الاستشراقي في طبعته الصهيوأمريكية، هو على الصواب! أنتم على خطأ لأنكم تسمحون للمقاومة وللشعب الفلسطيني أن يدافع عن نفسه، وعما تبقى من الأرض، ولذلك نحن غير راضين عنكم، وتستحقون حرب الإبادة لأنكم رفضتم "السلام الصهيوأمريكي"!
هي أنظمة رتبت نفسها، وأسست معنى جودها على التبعية للخارج، ولذلك فإن سقفها للسلام مع دولة الكيان الصهيوني هو سقف التطبيع الإبراهيمي المجاني، على حساب المقاومة، والقضية الفلسطينية، بل على حساب الأمن القومي العربي المستباح من الجميع، هي أنظمة منفصلة عن الواقع، وعن التاريخ الوطني والقومي التحرري لكفاح شعوبها.
على أن الجميل والمبشر، أن حالة التصهين القائمة في النظام السياسي العربي، وفي بعض اتجاهات الكتابة، ماتزال حتى اللحظة نخبوية/ فوقية/ رسمية، تقابلها حالة مقاطعة ومقاومة مجتمعية واسعة وشاملة للتطبيع المجاني مع دويلة الكيان الصهيوني، وهم من تطلق عليهم بعض الكتابات الخائبة والخائنة، وصف "القطيع"، و"ثقافة القطيع"!
فبعد أكثر من خمس وأربعين سنة من تطبيع السادات "كامب ديفيد"، وبعدها "وادي عربة"، و"أوسلو"، مايزال المجتمع العربي مقاطعًا ورافضًا لمشاريع التطبيع، فالسفارتان الصهيونيتان في مصر والأردن، محاصرتان أو محروستان بكتائب أمنية عسكرية، خوفًا من أي اعتداء من قبل ناس المجتمع في مصر والأردن، وهو دليل على حالة انفصام وانفصال هذه الأنظمة التابعة عن مجتمعاتها/ ومصالح شعوبها، أي أن حالة التصهين، على مستوى الواقع الرسمي، وعلى مستوى الكتابة، لم تتمكنا من اختراق بنية الوعي، والثقافة في المجتمعات العربية، حتى بعد محاولاتهم التغيير والحذف في مواد مناهج التعليم، لصالح تخفيف نزعة العداء للكيان الصهيوني، بطلب أمريكي/ أوروبي، حتى التدخل في حذف العديد من الآيات القرآنية لتتماشى مع حالة التطبيع الجارية، وصولًا للتطبيع الفني والرياضي، جميعها لم تحقق مبتغاها، مع أنها أخطر أشكال الأدوات الناعمة التي يمهد لها لاختراق بنية المجتمع/ المجتمعات العربية؛ الوطنية والثقافية والتعليمية والدينية التي قد تسهل لهم تبرير وشرعنة حالة الصهينة القائمة في بنبة النظام السياسي العربي، وكذلك في بنية الخطاب.
لا أحد يعادي الفن ونشر الوعي الثقافي والاجتماعي/ الجمالي والفني، في بعده وعمقه الإنساني الذي يأتي متساوقًا، ومتكاملًا مع بعده التنموي الاقتصادي الاجتماعي، ضمن وفي سياق عملية تنموية متكاملة، فالفن والإبداع الثقافي والترفيه الاجتماعي جزءٌ أصيل من ذلك التوجه، وليس ذلك الترفيه الذي يأتي في سياق قمع الحريات الفكرية والثقافية والسياسية، ومصادرة حرية الرأي، وقمع المعارضة، ومنع التعددية، وفتح أبواب السجون والإعدامات المزاجية خارج القانون، أمام أصحاب الرأي الآخر، يتحول معه الترفيه الفني: الغناء والرقص وغيرهما، مع هكذا أنظمة، إلى أداة لنشر الإرهاب السياسي والفكري، وقمع حرية الرأي والتعبير، ومصادرة قوى المجتمع المدني والسياسي الحقيقية على الأرض.. أي على حساب تدمير جملة القيم والمبادئ الإنسانية الكبرى في حياة المجتمعات، والشعوب الناشدة للحرية والتحرير والاستقلال، واختزال كل ذلك في بعض مظاهر الترفيه الرخيص، "الاستعراضي الموحي بالهواجس الجنسية في مجتمع بدوي/ قبلي"، وفي وقت يتعرض فيه كل الوطن العربي للخراب والتمهيد إلى تقسيمه إلى كانتونات مذهبية، وطائفية وقبلية وجهوية ومناطقية، خدمة لمصالح مشاريع صغيرة في الداخل والخارج، إقليمية ودولية. من هنا قد تأتي ملاحظة البعض على البعد السياسي الأمني، والاستبدادي، لمفهوم الترفيه الاجتماعي المبتذل، الذي يدافع عنه بعض كتبة الاستشراق الاستعماري، والذي تغطيه بصورة مفتعلة ومبالغ فيها جميع القنوات الفضائية العربية المملوكة، والممولة من أنظمة التطبيع "البترودولارية"، التابعة.
إن التطبيع الإبراهيمي الديني/ السياسي، خطورته أنه يريد تمرير وتنفيذ ما عجز عنه التطبيع الساداتي و"الأوسلوي" في اختراق بنية المجتمعات العربية: الثقافة والتعليم والفكر الديني المستنير، والفكر التاريخي، وتفكيك وتدمير بنية المجتمع/ المجتمعات، من الداخل، وصولًا إلى التفريط المجاني بالأرض، وبالسيادة وبالاستقلال الوطني، ووضع البلاد العربية تحت شرط التبعية الكاملة للإرادة الصهيوأمريكية، في طبعتها الاستشراقية الاستعمارية.
وبعض الكتابات التي تتحرك على هدى الخطاب الاستشراقي الاستعماري من خلال بعض الكتبة/ الكتابات، إنما هي محاولات للدفع بهذا الاتجاه في استكمال تصفية ما تبقى من مقومات للدول العربية، ولتدمير ما تبقى من قيم أخلاقية وإنسانية، وعلى رأس هذه القضايا المطلوب تصفيتها هي القضية الفلسطينية، والمقاومة عنوانها البارز.
كانت البداية مع غزو واحتلال العراق بذريعة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل الكاذبة، والهدف الاستراتيجي التخلص من الجيش الوطني العراقي، وقرار "اجتثاث البعث"، كحزب سياسي حديث، لصالح بعث التكوينات التقليدية؛ القبيلة، والعشيرة، والمذهبية، والطائفية والعرقية، على طريق تدمير وتفكيك بنية الدولة الوطنية العراقية الحديثة، ونهب الآلاف من مليارات ثروات العراق، وفرض نظام سياسي تابع، "نظام حكم بريمر"، الذي يقوم على المحاصصة المذهبية، والطائفية والقبلية والعرقية، وهو النموذج المطلوب تعميمه وتدويره على جميع دول المنطقة، وجعل الـ"22 دولة" عربية، يصل تعدادها بعد التقسيم والتفكيك إلى أكثر من 41 دولة.
ومن هنا، المطلوب رأس أية مقاومة كانت للمشروع الاستعماري الاستشراقي "الكولونيالي الجديد"، وعلى رأسها المقاومة الفلسطينية.
سأل الصحفي في قناة "الجزيرة"، علي الضفيري، قبل أيام قليلة من هذا الشهر، ديفيد ميلر، أحد أهم الكتاب في الفكر السياسي الاستراتيجي (أكاديمي، بريطاني)، قائلًا له: "متى يمكن أن تحدث المواجهة الغربية، الصهيونية، أو هي غير محتملة؟ فأجابه مباشرة: لن يحدث ذلك أبدًا، إلا إذا انتصرت المقاومة. هذه هي الدروس المستفادة من هذه الصراعات جميعها، لا يكون هناك أي استعداد للتعامل مع الحركات المناهضة للاستعمار، حتى تصل إلى نقطة النصر، هذه دروس إيرلندا، والجزائر، وجنوب إفريقيا، وسيكون الأمر نفسه مع فلسطين، الغرب سينهار في هذه القضايا فقط، عندما تنتصر المقاومة، المقاومة هي الجبهة الأمامية لإمكانية انتهاء الصهيونية. ثم سأله ثانية في السياق، هل أنت مؤمن بانتصار المقاومة، أم أن الطريق صعب؟
فأجابه: أعتقد أننا نشهد الأيام الأخيرة للصهيونية، مستطردًا في حديثه عن التحولات الكونية العاصفة على الصعيد العالمي، "بريكس"، وغيرها من التحولات التي تبشر بميلاد نظام عالمي تعددي القطبية، وهي في تقديري ستكون البداية الأولى لانتهاء الدور الوظيفي للكيان الصهيوني، الذي لا أقرأ حرب الإبادة الجماعية في غزة/ فلسطين، وحرب أوكرانيا، والتحولات الاقتصادية والعسكرية والعلمية والتكنولوجية في الصين الصاعدة، سوى مؤشرات ذاتية وموضوعية/ تاريخية في هذا الاتجاه، ومن هنا الوحشية الرأسمالية الاستعمارية الاستشراقية ضد المقاومة الفلسطينية، وضد المقاومة في لبنان.
إن المقاومة الفلسطينية على عثراتها وجوانب قصورها ومحدودية فعلها مقارنة بالآلة العسكرية الصهيوأمريكية، وعلى كل إشكالاتها السياسية الوطنية، والقومية الراهنة، هي الوحيدة القادرة اليوم، على أن تقول لا، في وجه الاستعمار الصهيوأمريكي.
إن قادة الكيان الصهيوني في طبعتهم التوراتية الجديدة المعلنة لم يكونوا يومًا متوحدين ضد القضية الفلسطينية كما هم عليه اليوم، حيث التجمعات السكانية المجلوبة من جميع أصقاع الأرض ومن جميع الإثنيات والقوميات باسم الدين اليهودي، الذي يجري ترسيمه كدولة دينية يهودية، باسم الديمقراطية الاستشراقية، في صورة المستوطنين "الشعب"، هم اليوم بنية وكتلة واحدة مع الجيش ومع جميع الأجهزة الأمنية والاستخبارية، حتى إنه يمكننا القول -جزئيا- إنه لا فرق بين مدني وعسكري فاشي إلا في حدود صغيرة ونسبية أمام تغول الخطاب الفاشي العنصري، الديني الصهيوني، في الإصرار على الاستمرار في حرب الإبادة ضد البشر والشجر والحجر.
اليوم، جميع قادة الكيان يعلنون أنهم أمام حرب وجودية، ومن أن هذه الحرب هي حرب بقاء ووجود، ومن أن حرب الإبادة هذه هي التأسيس الثاني لما يسمونه "دولة الاستقلال"! وما نسميه نحن "النكبة"، وصولًا إلى حديثهم عن ضم الضفة الغربية تحت عنوان أنها "يهودا والسامرا"، ووضع قطاع غزة تحت الاحتلال العسكري المباشر، هذا ما هو معلن من سنوات طويلة، وليس من بعد انتفاضة السابع من أكتوبر 2023م، ولا يتحدث عنه الإعلام العربي المتصهين، وإعلام الكتبة "المستشرقين"، اليمنيين، من الدرجة العاشرة، في خطابهم الاستعماري الجديد، بعد أن انحصر نقدهم في تحويل الخطاب من صراع سياسي، إلى مذهبي طائفي مع إيران التي لا تخفي الإعلان عن مصالحها القومية/ الفارسية/ المذهبية التاريخية، في المنطقة العربية، وقال بعض قادتهم ذلك علنًا، على أنه من المهم بالنسبة لنا كقوة يسارية تقدمية، وقوى قومية تحررية، ألا ننجر لحرف الصراع الجماهيري والشعبي التحرري، عن مساره الفكري/ والسياسي الصحيح: المسار السياسي، الاقتصادي، الطبقي، وتحويله إلى فتن مذهبية/ طائفية، وقومية عرقية/ شوفينية، وهنا تلتقي وتتوحد مصالح الأنظمة العربية الاستبدادية التابعة، مع مصالح الاستعمار الاستشراقي، ويبقى السؤال: أين أنت كعربي ونظام سياسي عربي من كل ذلك؟
فبدلًا من الحديث المكرر والممل والعاجز عن أدوات إيران ووكلاء إيران، في المنطقة، لماذا لا تُوجِد وتصنع أدواتك العربية المختلفة، ليس للدفاع عن القضية الفلسطينية، بل للدفاع عن أمنك القومي العربي المخترق من الجميع، الكيان الصهيوني، وإيران وتركيا العثمانية الجديدة؟!
أين رؤيتك للأمن القومي العربي؟! أين رؤيتك للتنمية الاقتصادية الاجتماعية، وللحياة السياسية المدنية الحرة لكل أطياف وقوى المجتمع المحاصرة بإرهاب الدولة؟!
أنت لا تجرؤ -على سبيل المثال- في اليمن على قول كلمة سياسة وطنية تجاه قوى أجنبية تنتهك سيادتك الوطنية وتعتدي على حرمة أرضك، وتمنعك من البقاء السياسي على رقعة صغيرة من أرضك، بل تسيطر على المفاصل الاقتصادية التنموية والاستراتيجية لبلدك، وتمول جيوشًا مليشياوية تتحكم بك وببلدك تحت عناوين مختلفة، هي وجه آخر مقابل لأدوات إيران في المنطقة؟
جميعهم، يحكمهم من جانب، الصراع من أجل المصالح الصغيرة، في غياب المشروع الوطني الكبير، أو المغيب، ومن جانب آخر، هو صراع -مع الأسف- بخلفية أيديولوجية/ مذهبية/ طائفية، سنية/ شيعية، تحدد شكله ومحتواه، ومساره القوي الإقليمية والدولية.
وفي الحقيقة، إنهم جميعًا أدوات للخارج؛ الشرعية وملحقاتها، أداة بيد السعودية، والحوثي (أنصار الله) أداة بيد إيران، وهو من انقلب على العملية السياسية السلمية في 21 سبتمبر 2014م، وبموافقة بعض الأنظمة المجاورة التي ساعدت في تمرير الانقلاب، وبعضها محسوب على ما تسمى اليوم الشرعية، و"المجلس الانتقالي الجنوبي" أداة بيد دويلة الإمارات! في واقع تهميش وإقصاء لقوى جنوبية فاعلة؛ تحررية واستقلالية وديمقراطية.