دائمًا ما نجد أن هنالك صفات مشتركة ما بين كل ديكتاتوريي العالم، "الأنا" لديهم متضخمة جدًا، وحالة الحياة الموازية للواقع مع شعور عميق بحاجة العوام إليه، هي صفات لا تكاد تخطؤها العين أبدًا.
كل ديكتاتور على هذه الأرض، ومنذ بدايتها، وحتى تنتهي، لديه قناعة تامة بحاجة الجماهير إليه، وأن تفويضهم له هو تفويض أزلي، لأنهم بدونه سيعيشون في مأزق كارثي، هو يعتقد بأن هذا التفويض الذي جاء عبر حشود شعبوية أو عن طرق انقلاب عسكري أو حتى عبر الصندوق الذي ألغاه لاحقًا، منحة حق شرعي ألبسه إياه الله، وليس من حق أحد أن ينازعه به.
إن نزاع الديكتاتور في حكمه هو أمر يهز أركان السماء في نظره، أمر لا يمكن السكوت عنه حتى وإن اضطر أن يدمر البلاد ويجعلها خرابًا، أليس هو من يمسك عنهم الحروب والفقر والنزاعات؟ أليس هو الاستقرار والمجد والحضارة؟ ألا ترون هذه الحشود كلها تهتف باسمه، وتمجده وتقدسه؟ أليس هو من رفعت له اللوحات الإعلانية لتهنئ الشعب بأنه هو زعيمها؟
الديكتاتور هو بيضة القبان التي تعتبر نادرة جدًا، وحاشيته يؤكدون له ذلك، ومن حوله يعطيه كل يوم جرعة أفيون في عروقه حتى ينتشي أكثر، يخبرونه أن وجوده كافٍ حتى تصبح الأمور على ما يرام.
والآن دعونا نجمع المشترك ما بين الديكتاتور علي عبدالله صالح، وما بين رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي.
- علي صالح كان يعتقد أن الحشود الجائعة التي يخرجها إلى الساحات وتهتف باسمه، هي شرعية كافية، بينما الصندوق والانتخابات أمر ثانوي لا أثر لها، وبإمكانه السيطرة على نتائجها في كل الأحوال، أما الزبيدي فهو وإن يشارك علي صالح بصفة الحشود، فإنه لا يتحدث إطلاقًا عن صندوق الانتخابات، ولا أحد حوله يتحدث عنه.
- علي صالح كان يعيش حالة مكابرة، فالفساد الموجود هو دعاية مغرضة، وفشل الدولة في كل مناحي الحياة، بسبب أن اليمن بلد فقير من الأساس، وليس بسبب سوء إدارته، لذا عمل جاهدًا على ترسيخ دونية اليمني، وإفشاء ثقافة التسول في ما بينه، والزبيدي يكاد أن يكون نسخة طبق الأصل من عفاش بهذه الميزة، فرغم ضجيج الشارع الجنوبي من الفساد الذي ينهش بعظام أبنائهم، إلا أنه يعيش حالة من العزلة المريبة، وإن فشل مشروعه في إقامة دولة سببه المحيط والعالم، وليس هو.
- علي صالح أقام وأنشأ مؤسسات عسكرية وأجهزة استخباراتية نخبوية ونوعية، قائمة على الانتماء المذهبي والعائلي، إلا أنه كان يشيع بأن هذه المؤسسات تحوي كل فئات المجتمع، وأنه لا تمييز بينهم، بينما عيدروس جعل من الجيش كله وبجميع فروعه ومؤسساته حصرًا على مناطق معينة، وزاد على عفاش بأنه تحدث صراحة بأنه أقام هذه المؤسسات فعلًا على أسس مناطقية وجهوية، وأن هذا تصرف طبيعي، وليس من حق أحد الاعتراض، بعد أن سرد مبرراته القائمة على شجاعة تلك المناطق، وتفردهم الجيني الذي جعلهم أعلى منزلة من باقي المناطق الجنوبية.
- علي صالح كانت لديه نزعة قوية نحو تقويض القانون والنظام، كان يمقت هذا الشيء ويحاربه بكل ما تملك الدولة من قوة، وإن اضطر لفرض قانون، فهذا القانون يصبح مع الوقت مجرد نظام شكلي بلا أي معنى، وأقام نظامًا موازيًا للدولة قائمًا على أعراف القبيلة وعاداتها، وذبح الثيران أمام أقسام الشرطة، وجعل تراتيبة شيخ القبيلة أعلى من رجل الأمن، ومنح القبيلة سلطة نافذة، وخصص لهم عوائد مالية ضخمة، والزبيدي وإن لم يعمل بشكل واضح نحو هذا الاتجاه، إلا أن سكوته وتغاضيه عن أفعال مشابهة هي في طبيعة الحال موافق عليها، وأن أي خلاف يحدث بين المؤسسات في الدولة يتم حلها قبليًا في منزل أحدهم بعد أن يتم تنحية القانون جانبًا دون أن يتعرض المسؤولون عن هذا الإجراء لأي تحقيق قانوني، وظاهرة انتشار التحكيم القبلي باتت ظاهرة شائعة في الجنوب، بينما عيدروس ومن حوله يدعون السعي لإقامة دولة مدنية.
- علي صالح لجأ إلى القوى الدينية المتطرفة، وجعلها عصا يهدد بها المجتمع والإقليم، وأقام لها المعاهد الدينية في المدن وفي القرى وعلى الجبال، وكان يطلقهم على المخالفين تحت خطاب تكفيري متشدد، والزبيدي حاليًا يسير على هذا النهج بكل دقة، ويتغاضى عن توجه نفس تلك الجماعات لإنشاء معاهد دينية لها في كل مناطق الجنوب، الأمر الذي يوحي بأنه يقلد علي صالح تمامًا، ربما لاعتقاده أن هذه الأمور هي التي أمدت في حكمه لليمن، وستفعل نفس الشيء معه.
- علي صالح، وبعد 33 عامًا من الحكم بشكل منفرد، حين أرغم على تسليم السلطة، بكى كأنه روحه انتزعت من جسده، والزبيدي واضح نهمه وتمسكه بالسلطة التي على ما يبدو لن يتركها طواعية.
وإن كان علي عبدالله صالح غادر الحياة بطريقة جدًا مهينة ومذلة، فهذا في الغالب نهاية كل ديكتاتور، شاهدوا ماذا حدث للزعماء العرب الذين حكموا بالحديد والنار، ولكن من يتعلم من التاريخ! وتكرار الأخطاء هو سمة مشتركة لدى كل ديكاتور.