صنعاء 19C امطار خفيفة

غزة وحدها في معركة المصير: بين ثبات المقاومة وصمت المتخاذلين

على مدى أربعمائة يوم يشهد الشعب الفلسطيني أبشع أنواع جرائم الإبادة والتهجير التي عرفها التاريخ المعاصر، ويواجه عدوًا متسلحًا بكافة وسائل الإبادة والتدمير الحديثة والمتطورة، مدعومًا بشكل مطلق من أمريكا وحلفائها. ورغم سقوط أكثر من مائة وخمسين ألف شهيد وجريح، ودمارٍ شمل نحو 65% من البنية التحتية التي سويت بالأرض في قطاع غزة المحاصر منذ 2006م، ظل الفلسطينيون صامدين، متمسكين بأرضهم التي يحاول العدو تهجيرهم منها، ومدافعين عنها نيابةً عن أمة عربية لا يخفى طمع العدو فيها ونيته استيطانها واحتلالها.

لقد وقفت غزة وحدها في وجه الطغيان، تصارع أحد أقذر الأنظمة العنصرية في العالم، فيما تخلت عنها الأمة العربية، واكتفت بالشجب والاستنكار. بل إن الكثيرين ذهبوا إلى مهاجمة المقاومة وانتقادها، ليصفوها بـ"التهور"، متهمين قادتها بالاندفاع في معركة "غير محسوبة". هؤلاء يتناسون عمدًا أن المقاومة ليست خيارًا عابرًا، بل ضرورة حتمية لحماية الشعب الفلسطيني الذي يخوض معركة الوجود منذ أكثر من سبعة عقود.

إنّ المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني لا تتعلق بحدود سياسية، ولا هي خلاف على جزءٍ من الأرض. بل هي صراع وجودي لمواجهة مشروع استيطاني هدفه النهائي إبادة الشعب الفلسطيني بأكمله، وإقامة "دولة إسرائيل الكبرى" على أنقاضه. وهذا الحلم المزعوم لم يعد سرًا، بل بات مشروعًا معلنًا، خرائطه معلقة في المؤسسات الإسرائيلية وعرضت في قاعات الأمم المتحدة، بل وضعت أهدافه الاستراتيجية بوضوح في سياسات حكومات الاحتلال المتعاقبة. ولايزال العرب ينظرون للأحداث كأنها لا تعنيهم، ويسعون للتطبيع مع الكيان الصهيوني الذي يخطط لاستهداف وجودهم علنًا، غير مدركين خطورة ما يحاك ضدهم من مخططات ومشاريع لن تفيدهم لمواجهتها أي اتفاقيات مع كيان لا يتعامل معهم إلا كعدو يجب الخلاص منه.

 

غزة.. أمة وحدها في مواجهة العالم

بينما تقاتل غزة بأيدي أبنائها، تقف الأمة العربية على الهامش، عاجزةً، مشتتةً، تتفرج من بعيد على صمود شعب يتحدى الموت، ويقاوم بأبسط الإمكانات. وبدلًا من الدعم والمساندة، اكتفت الأنظمة العربية بالشجب والاستنكار، كأن القضية لا تعنيها، وتعاطت مع الأحداث كأنها كارثة طبيعية أصابت شعب فلسطين، وتحتاج لتقديم الغذاء والدواء والبطانيات، لا باعتبارها عدوانًا غاشمًا يمارس الإبادة والتهجير، ويتطلب مواقف عملية تضع حدًا لجرائمه المستمرة.

 وليتها اكتفت بذلك، بل وصل الأمر بالبعض إلى مهاجمة المقاومة، وتكرار خطاب الاحتلال الذي يصورها كجماعة "إرهابية" وكعدو "للأمن والسلام". وكأن هؤلاء لا يرون حقيقة المعركة، وكأنهم يتجاهلون أن هذا العدو لا يريد سلامًا، بل يريد الاستيلاء على كل شبر من الأرض، ويمهد لمشروع استعماري كبير يستهدف الأمة برمتها.

وبينما يتصدى أبطال المقاومة لكل ذلك، لم يكتفِ البعض بالصمت، بل انحاز إلى الطرف الآخر، يهاجم المقاومة، ويتهمها بالتسبب في خسائر لا مبرر لها، متجاهلين أن الشعب الفلسطيني لم يكن يومًا من اختار هذه الحرب، ولم يطلب يومًا إلا الحق المشروع في العيش بأمان في وطنه، وحرية تقرير مصيره بنفسه.

 

المقاومة.. خيار الوجود والبقاء

من السهل على المتخاذلين أن ينظروا إلى صراع الشعب الفلسطيني من مسافة، وأن يحكموا على نضاله بشروط وقوانين سياسية واقتصادية، متجاهلين حقيقة أن هذه المقاومة هي الوسيلة الوحيدة التي يمتلكها الشعب الفلسطيني للدفاع عن نفسه وحقه. فلو استسلمت حركات التحرر عبر التاريخ لهذا المنطق، لما تحررت دولة واحدة من نير الاستعمار. فالثورات الوطنية التي حررت أوطانها من الاستعمار الاستيطاني في الجزائر وفيتنام وكوبا وجنوب إفريقيا، وغيرها، لم تحقّق استقلالها إلا عبر المقاومة والكفاح المسلح والتضحيات والنضال المستمر والمتواصل.

المقاومة ليست خيارًا يأتي بدلًا من السلام، بل هي الخيار الأخير لشعب مُحاصر، مُحتل، تُمارس عليه سياسة الإبادة منذ أكثر من سبعين عامًا. الفلسطينيون ليسوا مدافعين عن حقهم في الحياة فقط، بل عن وجودهم، وعن حق الأمة العربية في حماية أرضها وشعبها وثرواتها المستهدفة من قبل العدو الصهيوني وحلفائه الغربيين الذين دمروا العراق وأسقطوا دولته، وأسهموا في تدمير سوريا والسودان واليمن وليبيا، ويواصلون مشروعهم في تقسيم الأمة العربية واستكمال ما تبقى، وبما يضمن سيطرة وتفوقًا مطلقًا للكيان الصهيوني بحيث لا يستطيع أحد أن يقول لا في وجوههم.

 

رسالة إلى المتخاذلين والمطبّعين

للمتخاذلين والمطبّعين، أولئك الذين يسخرون من دماء الشهداء، ويصفون النضال بالإرهاب، نقول: أنتم اليوم في حضرة "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه"، رجال يقاتلون دفاعًا عن أرض الأمة وكرامتها، رجال يدفعون حياتهم ثمنًا لحريتنا وكرامتنا. إن صمودهم ودماءهم الطاهرة تعيد للعرب والمسلمين قيمهم وأخلاقهم التي تخلوا عنها في زمن "التطويع والتركيع"، زمن الذل والمهانة، وتعيد لنا جميعًا شعور الفخر بأن فلسطين ليست وحدها.

هؤلاء المقاومون في غزة هم أبناء القضية الذين اختاروا طريق الشرف، طريق العزة. هؤلاء، عندما يقفون بأجسادهم أمام دبابات العدو وأسلحته، فإنهم يوجهون رسالة للجميع: أن المقاومة هي خيار العزة، خيار الكرامة الذي يضع الأمة كلها أمام مسؤولياتها.

يدرك الشعب الفلسطيني أن هذه المعركة، رغم تكلفتها الباهظة، هي المعركة التي تستحق كل تضحية. لهذا أدار وجهه عن دعوات التخاذل، وواصل مسيرته، مستندًا إلى إرادة شعبية وثبات وصبر لا مثيل لهما، حتى استعاد للقضية مكانتها في نفوس الأمة والعالم.

 

نهاية الاحتلال.. وعدٌ يتحقق بالتضحيات

إن يوم السابع من أكتوبر ليس مجرد ذكرى معركة، بل هو إعلان لبداية النهاية، بداية زمن الحرية والاستقلال لشعب فلسطين، ونهاية الحلم الاستيطاني لدولة الاحتلال. هي تذكير بمعركة مستمرة، قد تكون طويلة، وقد تتطلب تضحيات كبيرة، لكن إرادة الشعب الفلسطيني الثابتة وإيمانه بقضيته هو منبع قوته التي لا تنضب.

الشعب الفلسطيني اليوم لا يطلب من الأمة العربية سوى موقف الشرف والدعم المبدئي، أن تقف بصف المقاومة، أو أن تلتزم الصمت في حضرة الأبطال، وأن تتعلم من صمود غزة ما تحتاجه يوم يطرق المحتل أبواب أراضيها وأوطانها.

فلتدركوا أن هذه معركة مصير، والمصير لا يُمنح، بل يُنتزع انتزاعًا. وأبطال فلسطين ينتزعون مصيرهم بإرادتهم، مهما بلغ الثمن. إما أن تنضموا لدعم المقاومة بكل ما تستطيعون، أو التزموا الصمت، واستفيدوا من الدروس التي يقدمها أبطال فلسطين، لعلها تنفعكم حين يصل الموت إلى أرضكم في حال انتصر مشروع الاحتلال لا سمح الله، والغد ليس ببعيد.

الشعب الفلسطيني يقرر مصيره بشجاعته وإرادته، وأظهر أن هذا الصراع ليس مجرد قضية وطنية، بل قضية إنسانية عالمية. ومن واجب الجميع دعم هذا النضال العادل. هذه المعركة ليست معركة فلسطين وحدها، إنها معركة الأمة جمعاء ضد مشروع الاستيطان والإبادة، وهي معركة لن تنتهي إلا بالنصر، مهما كانت التضحيات.

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

الكلمات الدلالية

إقرأ أيضاً