"الله يا دنيا الندم
محد خرج منك سلم
الله يصيب أهل السبب
دنيا ترويك العجب"
البيت أعلاه من قصيدة غنائية طويلة سمعتها مرات كثيرة بصوت ابن الغنّاء تريم هود العيدروس، عليه رحمة الله.
البيت من بين جميع أبيات القصيدة هو الذي ظل وترسخ في ذاكرتي، فكلما هلت الفجائع والنكسات في هذه الدنيا الفانية، تذكرت هذا البيت، وعرفت ما يحمل من المعاني الكثيرة، بل إني عرفت المعروف أصلًا من خلاله، وهو أننا راحلون إلى جوار ربنا مهما بلغنا من الأعمار.
وعرفت وتيقنت أنها بالفعل دنيا الندم، مثلما قال الشاعر، لا تريد منا إلا العمل الصالح الذي من خلاله سنقابل ربنا، وعسانا نقابل ربنا بما يرضيه، ويقينا حرارة النار وسعيرها، وألا نغتر بها ويكون تمسكنا بها تمسكًا أعمى.
وكعادتي دائمًا من فترة لأخرى أشد الرحال صوب وادي عمر الديس الشرقية، وهذه الرحلات الديسية لها عندي أغراض ومقاصد كثيرة، منها أني أفرغ ما في جوفي من أثقال وهموم الحياة بمنغصاتها، وذلك من خلال التقائي الكثير من الأصدقاء والمحبين في تلك البلدة الجميلة، بمن فيها من ناس طيبين وأخلاقيين بمعنى الكلمة.
رحلة أمس الأحد لوادي عمر كانت مختلفة تمامًا عن سابقاتها، ولم تكن لإفراغ الهموم ومنغصات الحياة، بل هي رحلة مواجع إن صح هذا التعبير، ورحلة تعبئة الهموم بدلًا من إخراجها ككل مرة.
كيف لا وأنا في هذه الرحلة ذاهب لتوديع ابن أخي العزيز أنور الحوثري، الشاب سعيد أنور سعيد الحوثري، إلى مثواه الأخير.
حالة التهيب والرهبة والخوف كانت تنازعني نزعًا وأنا أدلف عتبة بيتهم.
الأسئلة تدور حيرى في رأسي دون أن تلاقي أية إجابة... ومنها:
كيف سأكون في مواجهة أخي أنور، والد الراحل؟ وماذا سأقول له في مثل هذا الموقف العصيب؟
وهل تسعفني لساني في انسيابية الحديث معه ككل مرة، أم أنها ستجعلني أتعثلم، وهات يا أسئلة مؤرقة وقاهرة في لحظات هي الأخرى قاهرة؟
لكن كل تلك المخاوف والرهبة والتهيب سبحان الله ذهبت عني في لحظات بسيطة، وأتت عوضًا عنها المحفزات، من خلال تلك الجموع الداخلة والخارجة من المنزل. دخلت مع الداخلين، وكان صوت والد الراحل المرحب بي هو ما زادني تماسكًا وشجاعة على التغلب على ما كان بي من المخاوف.
وهو الذي من أظهر جلده وصبره في محنته، وهي محنتنا جميعًا.
الحضور المتنوع في مستوياته الثقافية وفي تباعد مسافاته، هو الآخر كان عاملًا مهمًا في انزياح تلك الغمة التي كانت مسيطرة عليَّ، فشاهدت ممن أتوا من المكلا والشحر والوادي وادي حضرموت ومن المهرة، والشيء الاستثنائي في هذا الحضور هم الإخوة القادمون من عدن، الرياضي الشهير نجم المنتخبات الوطنية السابق عمر البارك، والإعلامي فضل الجونة، وأحد الإخوة معهما لا أتذكر اسمه.
فعلًا مثلما قال الشاعر هي دنيا الندم، ولا تستحق منا عناء التفكير المليء بها. ورحم الله ابننا سعيد أنور رحمه واسعة.