إن فعل البطولة في صورة المقاومة الأسطورية للفلسطينيين واللبنانيين، لم يعد اليوم حكرًا على فعل البطولة الذي تصنعه قيادات المقاومة باستشهادهم النبيل في مواجهة كيان استيطاني/ نازي، هنا وهناك، لأنه استحال إلى فعل بطولة يومي طالع من قلب جحيم مخيمات النزوح، ومن المدارس المدمرة التي تقصف وتهدم على رؤوس من فيها، بما فيها مراكز ومواقع الإيواء "للأونروا"، والتابعة للأمم المتحدة، الذين قُتَل من العاملين الدوليين فيها أكثر من مائة وخمسين شخصًا. نحن أمام مقاومة تطلع وتحكي عن نفسها من جحيم سيارات المسعفين المحترقة، ومن بين دماء الصحفيين القتلى، وعددهم 183 صحافيًا، ومن قتلى وجرحى الدفاع المدني، الذين يمنعهم جيش الاحتلال من القيام بدورهم الإنساني علنًا وأمام شاشات التلفزة المحلية والعالمية وطيلة أكثر من سنة!
مقاومة تطلع وتستمر من تحت أنقاض المستشفيات المدمرة في كل فلسطين/ غزة، والعالم الديمقراطي الحر يتفرج، والنظام العربي المتصهين لا يتفرج فحسب، بل يشارك في دعم الكيان الصهيوني، بإيصال المساعدات الغذائية والدوائية، بل والسلاح عبر السفن التي تمر عبر مياهها الوطنية، خلافًا لقرارات المحاكم الدولية! ومع ذلك لا تتوقف بعض الكتابات عن تخوين وتجريم المقاومة، وتحميلها مسؤولية الدمار وحرب الإبادة، نتيجة اندفاعها الطائش نحو حرب غير متكافئة، ويطالبون بميزان قوة مكافئ للقوة الاستعمارية لتستمر وتكون المقاومة!
نحن أمام مقاومة تقوم بدورها في ظروف صعبة، شبه مستحيلة، وتؤكد فعلها ووجودها على الأرض لأكثر من سنة حرب إبادة ضد المدنيين، وفي الإمعان القصدي في قتل المدنيين، وفي تدمير البنية التحتية، ومع ذلك لا تسلم من نقد لا يقدم رؤية بديلة للمقاومة، بل تمارين كلام إنشائي فارغ من المعنى.
إن البطولة اليوم في فلسطين يصنعها ويخرجها ويمثلها الأطفال والنساء بدمهم الحي، في رواية تراجيدية/ سوداء، وهم في جحيم الحريق والجوع وفي العراء، وبدعم أمريكي/ غربي استعماري!
هي فعلًا دراما ملحمية استثنائية لا يقدر أن يخرجها ويكتبها كل حبر الدنيا، وبكل لغات وأبجديات العالم، حين ترى مئات الآلاف من المهجرين قسريًا من بيوتهم، وعلى طريق التطهير العرقي اليومي، وتحت القصف بالطائرات والبوارج البحرية، والمدفعية البرية، ويرفضون الرحيل، ويغرسون أقدامهم في الأرض مثل أشجار السنديان، متشبثين بالأرض على أن يكون الثمن/ الأمل، هو الاستشهاد على تراب الوطن، وتحت أنقاض منازلهم التي صارت ركامًا وخرابًا.. هذا نموذج من المقاومة ومن البطولة لم تفهمه وتستوعبه الكتابة الملحقة بالرؤية الأيديولوجية الصهيوأمريكية.. الكتابة التي تحاول أن تُنظَّر لفلسفتها عن المقاومة بوضعها المقاومة ضمن معادلة الحق، والقدرة -كما سبقت الإشارة- في محاولة منهم لإلغاء الحق بالمقاومة، بالشعار الأيديولوجي/ السياسي حول القدرة، بعد أن حصرت مفهوم القدرة، بالقدرة على امتلاك السلاح والعتاد، وفرض التفوق الحربي! ذلك أن المقاومة التحررية في أي مكان في العالم، مهما فعلت لا يمكنها أن تصل أو توازي قدرة المحتل/ المستعمر في القدرة، وبهذا المعنى لا خيار أمام المقاومة سوى القبول بشروط المحتل إلى حين تمتلك القدرة على إنجاز الحق في الاستقلال والتحرير، ومثل هذا القول يتناقض مع كل تاريخ حركة التحرر في العالم من القديم إلى الحديث إلى المعاصر.
انتصر الفيتناميون بقدرات ذاتية بسيطة لا تذكر ولا تقاس أمام قدرات الفرنسيين، في "ديان بيان فو"، وبعدهم انتصارهم على الأمريكيين، الذين كانوا يقتلون بالحرق عبر طائرات الفانتوم وبالسموم والمواد الحارقة، الآلاف في كل يوم، وقاوم الفيتناميون من فوق الأرض ومن تحت الأرض، وانتصروا على القدرة الأمريكية الجبارة.
الجزائريون بسلاحهم البدائي البسيط وضدًا على وضع المقاومة ضمن معادلة الحق والقدرة، تمكنوا من الانتصار على الجيش الوحشي الفرنسي الذي قتل أكثر من مليون ونصف جزائري، وأحرق وأعدم وفجر قرى بأكملها بمن فيها، وقتل حسب الوثائق في يوم واحد أكثر من خمسة وأربعين ألف جزائري، قدموا على مذبح جعل المقاومة فوق خطاب القدرة الذي يتحفنا به البعض اليوم. ومازالت جماجم وجثامين/ جثث شهداء أبناء الجزائر في المتاحف الفرنسية حتى اليوم!
إن مثل هذه الثنائية العقيمة التي يقدمها لنا بعض الكتاب، إنما يتجاهلون دور الإرادة، ودور فعل الشعوب المضطهدة/ المستعمرة في التاريخ، ومن أن تفاؤل الإرادة في عقولهم ونفوسهم، مع مجموعة بسيطة من الشروط السياسية والاجتماعية والمادية/ العسكرية، قادرة على هزيمة تشاؤم الفكر والانتصار على انحطاط الواقع، وهذا ما لم يدركه البعض، ولم يدخل في حسابهم الرقمي، ضمن معادلة ارتباط المقاومة بالحق، وبالقدرة.
يورد المفكر الاقتصادي السوري، عارف دليلة، في كتابه "بحث في الاقتصاد السياسي للتخلف والتقدم والنظام الاقتصادي العالمي"، ص٧٣، ١٩٨٧م، واقعة تقول التالي: "في محاضرة لأستاذ أمريكي ـمن أصل سوريـ في جامعة واشنطن، هو د. عبدالعزيز سعيد، ألقاها في المركز الثقافي العربي بحلب، بعد جولة "استفهامية"، في إيران عام ١٩٧٩م، قال: لقد اكتشفت أن "الكرامة" تحتل مكانة لدى المجتمعات الإسلامية أهم بكثير من المكانة التي تحتلها العوامل الاقتصادية، وأن تفريط نظام الشاه بالكرامة، هو الذي دفع بالشعب إلى الثورة"، قطعًا دون وضع الكرامة لوحدها السبب الوحيد للثورة، ولكنها أحد الأسباب المهمة والمرجحة، واليوم سيكون عامل ودافع الكرامة الوطنية والقومية، إلى جانب عوامل الفساد السياسي، والفساد الاقتصادي، والتطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني، وحالة انحطاط الواقع العربي الراهن، الذي يتفرج على ما يحدث في فلسطين/ غزة، هو استكمال للأسباب التي ستفجر الثورات، وتحدد مصائر الأنظمة العربية المتصهينة، بعد أن لم يبقَ أي شيء لم يفرط فيه النظام السياسي العربي، بما فيها الكرامة الوطنية للشعوب، والكرامة القومية للأمة العربية.
في حصار السبعين يومًا، حيث انتصرنا بعتاد بسيط وبتفاؤل إرادة عظيم وبوحدة الصف الوطني اليمني، فقد هزم ثلاثة أو أربعة آلاف مقاتل يمني أكثر من خمسة وأربعين ألف مرتزق أجنبي استعماري وملكي وقبلي، مجهزين بأحدث الأسلحة، التي كانت تسقط على العاصمة صنعاء في كل دقيقة وساعة؛ وانتصرت ثنائية الجيش، والمقاومة الشعبية.. انتصرنا لأن الكرامة الوطنية لنا كانت تعانق السماء، مثل ثوار "كومونة باريس"، وبدون الدعم العربي المصري العسكري.
و"الجبهة القومية" في جنوب البلاد انتصرت بعتاد بسيط محمول بإرادة وطنية عظيمة، في أرض منبسطة وبدون تضاريس جغرافية مساعدة؛ وأسقطوا العاصمة عدن بأيديهم لأكثر من عشرين يومًا، في ٢٠ يونيو ١٩٦٧م، كبروفة أولى/ مقدمة لثورة الاستقلال الوطني، في ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧م.
وسينتصر الفلسطينيون، طال الزمن أم قصر، على القدرة الاستعمارية الصهيوأمريكية.
وما يجري اليوم في فلسطين ولبنان هي بروفات أولية في هذا الاتجاه بعيدًا عن التنظير الأيديولوجي/ السياسي الخائب والخائن حول أن الحق في المقاومة لن ينتصر إلا بالقدرة العسكرية المكافئة، وهي المعادلة الخطأ التي يروح لها الإعلام السياسي والاستعماري، والتي يناقضها كل تاريخ حركات المقاومة التحررية في العالم كله، بصرف النظر عن بعض الاستثناءات في التاريخ، وفلسطين ولبنان ليستا استثناءً، رغم الحصار المطبق عليهما من جميع جهات السياسة والجغرافية، والاستعمار، في واقع هيمنة القبضة الواحدة والأحادية الأمريكية على العالم حتى اللحظة.
لا أقول هذا دفاعًا عن المقاومة الفلسطينية واللبنانية فحسب، بل هو دفاع عن القضية القومية، وعن الأمن القومي العربي المستباح، بعد أن صار الخطاب الأيديولوجي التوراتي الصهيوني/ المسيحي، هو المهيمن.
قطعًا، التضاريس الجغرافية تلعب دورًا، ولكنه دور مساعد وثانوي، وبدونه أنجزت المقاومة انتصارها، في أكثر من مكان في العالم.
إننا أمام حرب إبادة مستمرة لأكثر من عام، هدفها كسر روح المقاومة، وخلق حال من الإحباط والانكسار واليأس في عقل وروح المقاوم الفلسطيني واللبناني، والعربي عمومًا.. بطولة لا تحتاج لكاتب أو باحث يصنع منها حكاية وسردية بطولة، بل هي بذاتها فعل بطولة وأسطورة لمن لا يفهم الواقع والتاريخ في هذه المنطقة، بل في العالم كله.
البطولة في فلسطين وفي لبنان لا يصنعها إعلام الحكايات وآليات تصنيع وتلميع النجوم، كما في "هوليوود"، هي سرديات لأطفال ونساء تحكيها نيابة عنهم وقائع وحقائق حرب الإبادة الجماعية التي أدانتها المحاكم الدولية، وأصدرت فيها وحولها أحكامها الممنوعة من الصرف في الواقع -وللأسف- لا تراها حروف وسطور الكتابة المشغولة والمهمومة فقط بتشويه صورة المقاومة، والتحريض ضدها للنيل من المعنى فيها.
قد يصدق لبعض الوقت ما يروجه الإعلام الصهيوأمريكي، والإعلام العربي المتصهين، بفعل قوة حضوره وانتشاره الإعلامي، وبفعل قدراته وإمكانياته المالية والمؤسساتية الإعلامية والأيديولوجية المسيطرة والمهيمنة على انتشار الصورة والكلمة، ولكنهم لا يستطيعون أن يحذفوا كلمة المقاومة/ والمقاوم من قواميس ومعاجم اللغة، والأهم من عقول الناس، ومن روح الإرادة فيهم. وهل بإمكانهم أن ينكروا أو يكذبوا أحكام قرارات المحاكم الدولية، ونصوص جميع الشرائع السماوية التي تجيز فعل المقاومة، بل تقدسه كحق إنساني مهما بالغ وكابر الغرب الاستعماري والكتبة الملحقون بهم، في القول بحق الاستعمار الاستيطاني في الدفاع عن نفسه ضد صاحب الأرض!
والسؤال: هل خطأ المقاومة هنا أو هناك، وتقصيرها وحتى عجزها وفشلها، يعطي بعض الكتبة الحق في تجريم مقاومة المحتل، تحت ذرائع اختياراتها الخطأ، ومن أنها لم توازن جيدًا بين الحق في المقاومة والقدرة على ذلك، بل تحويلها المقاومة إلى وهم وخرافة، بل إلى إرهاب كما هو الحال مع البعض؟
العالم كله يشهد بفعل المقاومة في مواجهة حرب الإبادة المتلفزة، كما يشهد باستنكار حالة صمت ما يسمى "المجتمع الدولي"، وهو قطعًا أمر غريب، على أن الأغرب، هو الكتابة التي لا يتوقف هجومها على المقاومة، ويرونها عبثًا ومغامرة وخرافة وأسطورة، حتى وصفها من قبل البعض بأنها وعي زائف، وإرهاب!
ليس المقاومة، ولا المقاوم البطل الذي قد يلحق به اسم الشهيد، ويتحول قي تاريخ كفاح شعبه إلى رمز للبطولة، إنسانًا مقدسًا، أو أنه رسول العناية الإلهية، ولا يجوز المساس به ونقده، حيًا وشهيدًا، هو فقط، واحد من الناس البسطاء، قدم روحه فعل فداء وتضحية من أجل تقدم شعبه.
إنسان بسيط جماله ونبالته أنه حاول في الزمن الخطأ، في الزمن المستحيل، ألا يجعله مستحيلًا، ونجح في تقليص حجم ومساحة حضور الخرافة التوراتية/ الصهيونية لصالح صورة البطل الواقعي والإنساني، هذا هو المقاوم الذي يجب نقده وتصحيح اعوجاجه حين يخطئ، لتكون مقاومته أصوب، ولكن من موقع دعم الفعل المقاوم، وليس العكس، المقاوم الذي هو بحق بطل جدير بشعبه، ونستحقه.
أظن، وليس كلُّ الظن إثمًا، أن الخرافة والوعي الزائف، إنما يكمنان ويختفيان خلف هكذا قراءات وكتابات واهمة وزائفة تضع المقاومة كحق في جانب، والقدرة في جانب آخر، دون اكتشاف أوجه الصلة الحية بينهما، ودور الإنسان كإرادة في الفعل التغييري/ المقاوم.
إن الكتابة الأيديولوجية الملحقة بالآلة الإعلامية الغربية الاستعمارية، والكتابة السياسية/ الإعلامية التابعة لها عربيًا، هي أحد أقذر وأبشع أشكال الصراع الطبقي الرأسمالي العالمي، تخدم تمرير وتبرير الحرب العسكرية في غطاء ناعم، وهي بالنتيجة من أحط أدوت الهيمنة والسيطرة، التي تجعل الحرب العسكرية، وحرب الإبادة الجارية، يقابلها كل هذا الصمت المشارك في قتل الفلسطيني واللبناني، ويجعل من حرب الإبادة مجرد صورة عابرة في التلفاز، وأمر يسهل تمريره والقبول به، تحت غطاء مثل هذه الأدوات من الكتابة.
واليوم، ومنذ أكثر من سنة في فلسطين، تلتقي وتجتمع أداة القتل العسكرية الوحشية وأداة القتل "الناعمة"، في مثل هكذا خطاب خائن مهمته تشويه صورة المقاومة على طريق إدانتها، وهو ما نطالعه في بعض الكتابات!
مرة ثانية: لا أقول هذا دفاعًا عن المقاومة الفلسطينية واللبنانية فحسب، لأنه في الجوهر والأصل دفاع عن القضية القومية، وعن الأمن القومي العربي المستباح بعد أن صار الخطاب الأيديولوجي التوراتي الصهيوني/ المسيحي، لا يتوقف عن تأكيد حقه بكل الأرض العربية، ولم يخجل نتنياهو ومن على منصة الأمم المتحدة أن يقدم خريطة الكيان "من النيل إلى الفرات"، بعد أن لم يتبقَّ من الأرض الفلسطينية سوى أقل من 11% من الأرض التاريخية، هذا قبل عشر سنوات، وحتى ما تبقى من هذه المساحة يسعون لتحويلها إلى مناطق مستوطنات صهيونية موزعة بين المستوطنين الجدد، وبين مناطق "حكم ذاتي"، منزوعة السلاح وتحت السيطرة الصهيونية المباشرة، ويأتي البعض منا رافعًا عقيرة نقدهم الخائب والخائن للمقاومة خلف ذرائع سياسية واهية تصب في خدمة الاحتلال.
المقاومة فكرة وقضية لا يعرف معناهما البعض، ولذلك نجدهم يمجدون ثقافة الاستسلام باسم "السلام"، فيظهر السادات بطلًا وطنيًا وقوميًا في نظرهم -كما سبقت الإشارة- ورموز المقاومة وحركة التحرر الوطني في نظرهم ليسوا أكثر من رموز استبداد، ووهم وخرافة ووعي زائف!
مرة ثالثة: المقاومة فكرة وقضية، وليست شعارًا للمزايدة الكلامية، كما هو حالنا مع بعض الكتابات التي حولت من يدافعون عن المقاومة إلى مجرد قطيع.. خطاب يواجه المقاومة بشعار "السلام"، الصهيوأمريكي، في صورة "التطبيع الإبراهيمي" المجاني الذي هندسه ترامب وصهره الصهيوني بقوة العصا الأمريكية ليفرضه على كل المنطقة، وهم اليوم في غمرة فرح عظيمة بعودة ترامب للبيت الأبيض، لاستكمال حلقات تصفية المقاومة والقضية الفلسطينية، كما يحلمون.
وبكلمة واحدة أو عبارة واحدة مكثفة ومختصرة: المقاومة هي إرادة حرية، هي تفاؤل، هي معاندة للخوف والجبن، ورفض للاستسلام باسم "السلام" الزائف.. مقاومة بعتاد بسيط ومحدود ويكاد يكون بدائيًا، ولكنه محمول بإرادة أسطورية يعجز العقل الخرافي الاستعماري عن فهمها، وإدراك معناها، ولذلك هو مستمر في غيه وجنونه العدواني الوحشي ضد شعب أعزل بعد حرمانه من الماء والأكل والدواء، ومن المأوى/ السكن بعد أن حول كل الأرض الفلسطينية في غزة، والضفة الغربية، على الطريق، إلى أرض محروقة غير قابلة للحياة، وهو ما تعلنه دائمًا جميع منظمات الأمم المتحدة الصحية والإغاثية والحقوقية والإنسانية.
مقاومة يلتقي ويتوحد حولها اليوم الجميع، الاشتراكي واليساري القومي، والديني المسلم والمسيحي، مقاومة تتوحد حول اسمها وصورتها وهويتها المعنى العروبي والقومي المطلوب تغييبهما ومصادرتهما من الوعي العربي لنا، بعد أن تحولت "الجامعة العربية" من عربية إلى عبرية!
ولا أرى في الخطاب الأيديولوجي/ السياسي المعادي للمقاومة الذي نتحدث عنه سوى أنه إحدى الأدوات الناعمة التي تشتغل في هذا الاتجاه النقيض للمقاومة ليس في فلسطين ولبنان، بل في كل مكان، تساوقًا مع الأيديولوجية الاستعمارية في طبعتها الجديدة.
هناك كتبة عرب مرتبطون بالعجلة الأيديولوجية والإعلامية والسياسية الاستعمارية الأمريكية والأوروبية، وهم جزء من تكوينها البنيوي، ويدافعون عن مشروعها السياسي والاقتصادي والمالي الاستثماري، وهؤلاء موقفهم واضح ومفهوم يدخل ضمنهم الإعلام العربي المتصهين، كما هناك كتبة مأجورون يشتغلون بالكتابة بالقطعة ومقابل "وظيفة أو أجر مالي"، ويعيشون من خلال هكذا كتابات ارتزاقية.. كتابات مهمتها ووظيفتها تشويه صورة المقاومة، وجميع حركات التحرر في كل مكان، كما هناك كتبة يتبرعون بالمجان -على افتراض حسن النية- لترويج الرؤية الاستعمارية، فقط لتأكيد تميزهم الذاتي السياسي الثقافي وهم مختلفون عمن يسمونهم كتبة القطيع، ونماذج هؤلاء الكتبة يشتغلون بدون أجر معلوم -والله أعلم- وليس لديهم وظيفة إدارية أو سياسية محددة، كما هو في الظاهر، فقط نزوع ذات نرجسية مريضة ترمي إلى حب الظهور والنجومية الإعلامية لإظهار تميزهم وكتاباتهم عن كتابات أقرانهم، لأنهم بالأصل بدون هوية وطنية وقومية، وبالنتيجة بدون قضية، هم مع أنفسهم ومصالحهم وذواتهم الخاصة، يسافرون إليها حيث تكون، أي مع ذواتهم/ مصالحهم، وهم أقل من الأقلية، وعلى محدودية تأثيرهم في محيطهم على أنهم الأخطر، لأنهم يتحدثون ويكتبون بلغة عربية "ناعمة"، هي ترجمة رديئة للأصل العبري، وباسم الدفاع عن "السلام"، وعن المقاومة، من حيث هم فعليًا يدينونها لرفضهم خيار السلام الأمريكي.
هو خطاب مفصول عن واقعهم الوطني والقومي، وهو أقل بكثير جدًا من مستوى خطاب الأمين العام للأمم المتحدة في الدفاع عن المقاومة، بل أقل من خطاب وزراء خارجية ورؤساء وزراء في دول الاتحاد الأوروبي، الذين يعلنون وقوفهم ودعمهم للحق الفلسطيني، وإدانتهم لجرائم الاحتلال، وهم على استعداد للاعتراف بالدولة الفلسطينية، لولا ضغوط أمريكا، والدول العربية المتصهينة، لأنهم يحترمون أنفسهم بقدر ما يحترمون ويقدرون القانون الدولي والإنساني في الحق المشروع في مقاومة الاحتلال حتى تقرير المصير.
إن هذا هو ما يكشف لنا ليس الوعي الزائف لهؤلاء الكتبة، بل الوعي الأيديولوجي المضلل الذي يحاولون نشره وتعميمه حول كل ما يجري على الأرض، من احتلال استيطاني إحلالي، يستدعي بالضرورة مقاومة.. مقاومة تقول له: لا! قف! هنا مقاومة، هنا حركة تحرر وطني وقومي، تصنع مجد بطولتها بنفسها، وهي من تحول الواقع إلى أسطورة تتكلم وتمشي على الأرض.
وأتمنى أن يتاح أمامي الوقت للدخول في بحث تفاصيل ما تمت مناقشته في ضوء ما نشر، وما يتم نشره حول فكرة وقضية المقاومة، وقضايا أخرى في ذات الاتجاه.